الوجاهة والوجهاء هما الحمى التي بدأت تدب في أوساط المجتمع، بعد ان بات الظهور الاعلامي يغري الكثير من الناس رجالا ونساء، ومع ان هذا الظهور لم يعد مرتبطا بإيصال رسالة أو عرض فكرة أو تبني قضية ما، إلا ان الكثير من الباحثين عن الظهور يفضلون ان ترتبط اسماؤهم بمسميات فخمة لائقة، ضاربة بجذورها في احضان الميتافيزيقيا، بشكل يحمس المتابعين لسبر اغوار هذه الشخصية، والوقوف على تفاصيل حياتها. وقد توهم البعض ابتداء ان الأدب هو الطريق الأسهل للوصول للشهرة، الا ان الكثيرين من مدعي الأدب قضوا قبل بلوغ الهدف، فكان مسمى ناشط او ناشطة هو الأقرب والأيسر، فهو لفظ مرن يستطيع ان يضم تحته الكثير من الصفات التي قد يصعب جمعها تحت مظلة واحدة، حتى اصبح المجتمع عبارة عن كثير من الناشطين الذين لا نعرف لهم وظيفة سوى اغراقنا في المزيد من الهلامية، الا ان البلاء يزداد سوءا بظهور وباء الوجاهة الجديدة، التي لا تكلف المتسمي بها شيئا من تبعاتها، فأصبح لقب الوجيه قبل الاسم كلقب الدكتور بشهادة مزيفة، هدفه الاستعراض ليس إلا، حيث لا يحتاج الوجيه للظهور الا البشت، والكثير الكثير من الصور حول مأدبة غداء يستضيف عليها بعض المصفقين له. ومع توجه الناس الى رفض كل مظاهر التمييز بينهم، وكلما لجأ الوجهاء الحقيقيون من اصحاب المعالي والسمو والسعادة الى التبسط في شؤون حياتهم والتخلي عن الكثير من المظاهر التي تميزهم عن سائر الناس، كلما تمسك المجوفون الفارغون بكل وهم يستطيع ان يصنع منهم سببا يميزهم عن غيرهم، حتى لو اضطرهم الأمر الى شراء بعض الأقلام والعدسات الرخيصة لتصنع لهم عالما من قش، لا يلبث الا ان تطير سقفه رياح الوعي والتغيير الى غير رجعة، فقد ولى زمن الرموز الجوفاء والوجاهة المزيفة. فيا أيها الوجهاء الجدد، غادروا بألبومات صوركم وطوابيركم.. ودعوا انجازاتكم المجتمعية فقط، تتحدث عنكم على أرض الواقع.