يرى مسؤول صفحة الشعر في صحيفة "الحياة" محمد سعود أن المال شوّه الشعر، وجعل المستشعرين يتصدرون المشهد الإعلامي، وأصبحوا القدوة في الساحة، لافتاً إلى أن المال في الساحة الشعبية قتل عدداً كبيراً من المواهب وأبعدها من المنابر. ويقول : "القصيدة الجميلة باقية وتتمدد، ولا تحتاج إلى عنوان، وإنما بحاجة ماسة إلى شاعر يكتب بمشاعر وأحاسيس صادقة"، مؤكداً أن الشاعر الحقيقي لا يكذب ولا يكتب من أجل المال. ويضيف أن الساحة الشعبية تغيرت كلياً، وأصبحت تحتضن حالياً كل من هب ودب، واختلط فيها الحابل بالنابل، مشيرا إلى ان مؤسسيها غادروها بهدوء. لماذا ابتعدت عن الساحة الشعبية ؟ كنت مسؤولاً عن صفحة الشعر الشعبي في صحيفة «الحياة» لكن الصفحة توقفت قبل أشهر عدة، نتيجة تدني مستوى الساحة الشعبية، ولم تعد الساحة كما كانت عليه من وهج، وحضور إعلامي قوي. أنا لم أبتعد بالمعنى الذي تقصده، الصحافة الشعبية غالبيتها ابتعد، ولاتزال تعاني عزوف نجوم الشعر، ما جعلها تتنازل عن كبريائها وذائقتها، فتجدها تقدم عددا من الأسماء التي لا تستحق الظهور. هل انقطعت علاقتك بالشعر بعد توقف صفحة الشعر في الصحيفة ؟ علاقتي مع الشعر لا تنقطع حتى لو ابتعدت عن مسؤولية صفحة شعبية، هناك شعراء يعجبني ما يكتبون من أشعار، وآخرون يستوقفني ضعف قصيدتهم وفقدانها معالم الجمال الشعري. عشت مع الشعر والشعراء لأعوام، بماذا خرجت من تلك التجربة ؟ أيقنت أن القصيدة الجميلة باقية وتتمدد، ولا تحتاج إلى عنوان، وإنما بحاجة ماسة إلى شاعر يكتب بمشاعر وأحاسيس صادقة، أيقنت أن الشاعر الحقيقي لا يكذب ولا يكتب من أجل المال. كان هناك شعراء يتواصلون معي باستمرار، وبعد أن توقفت الصفحة افتقدت أصواتهم، بينما لا أنكر أن هناك شعراء آخرين سعدت وظفرت بمعرفتهم. ماذا تقصد بقولك الشاعر الحقيقي لا يكتب من أجل المال؟ الشاعر الذي يبيع قصيدته لا يستحق الاحترام، وحينما يكتب من أجل الحصول على مقابل لقصيدته، فيعني أنه باع مشاعره، وأرخص قيمة موهبته. دعني أكن معك واضحاً، المال لوّث الشعر، وجعل المستشعرين يتصدرون المشهد الإعلامي، وأصبحوا القدوة في الساحة، المال في الساحة الشعبية قتل عددا كبيرا من المواهب وأبعدها من المنابر. ما الذي تغير في الساحة الشعبية ؟ الساحة الشعبية تغيرت كلياً، وأصبحت تحتضن حالياً كل من هب ودب، واختلط فيها الحابل بالنابل، ومؤسسوها غادروها بهدوء، وتركوها تعيش فوضى، ومرتعاً للمتردية والنطيحة.نحزن عندما نتذكر أعواماً مضت للساحة الشعبية، عندما كان الشاعر له قيمته ووزنه، والناس متعطشون للشعر. أحن إلى أيام ننتظر فيها مجلتي «المختلف» و«فواصل». يرى الكثيرون أن الساحة خرجت من عباءة الشللية وتعددت المنابر فيها، هل تتفق معهم؟ الشللية موجودة في أي مجال، لكنها كانت في الشعر جميلة وناجحة، وأفضل من الوضع الذي تعيشه الساحة الشعبية في الوقت الحالي. الشللية لم تختفِ بل إنها موجودة الآن، لكن سلطتها أضحت ضعيفة، فعلاً تعددت المنابر، لكن بعضها بائس، كونها تلفظ المميزين، وتحتضن المستشعرين. أنت من مواليد الطائف، لماذا يظهر عليك الانحياز لشعراء المنطقة الغربية ؟ أنا أنحاز للشعر الجميل، وأسجل إعجابي لكل قصيدة مميزة أياً كان شاعرها. يعجبني شعراء الجنوب والشمال والشرق والغرب، وأجريت لقاءات مع عدد كبير من الشعراء في الخليج. الانحياز لشعراء من الغربية كشاعر البسطاء محمد النفيعي - رحمه الله - وعبدالمجيد الزهراني والحميدي الثقفي وآخرين يعتبر إنصافاً لرموز شعرية. مشكلة الساحة الشعبية تكمن في أن هناك شعراء وإعلاميين يتهمون غيرهم بالتحيز أو الشللية، دون التفكير فيما يقدمونه. نشرت موضوعاً صحفياً عن «الشاعرات الغائبات» وأثار غضب عدد من الشاعرات، ما ردك على موجة غضبهن؟ معظم الشاعرات اللاتي هاجمن الصحيفة على الموضوع المنشور، لم يفهمن المقصود من المادة المنشورة، بل تحول النقد إلى «غيرة نساء»، خصوصاً أن الشاعرات المذكورات في التقرير لم يغضبن مما كتب، كونهن فهمن المقصود من النشر. وماذا عن اتهامك القطري حمد البريدي بالسرقة ؟ أنا لم أتهمه بالسرقة، إلا أن شعراء اتهموه بها، ومن المهنية عدم نشر اتهاماتهم، واتصلت عليه للرد عليهم، لكنه رفض الرد. ما رأيك فيما تقدمه القنوات الشعبية ؟ القنوات الشعبية عندما انطلقت استبشر الشعراء بها، لوجود قنوات خاصة بهم كحال المطربين والممثلين واللاعبين، لكن تلك القنوات لم تخدم أصحاب الحرف، بل أضحت تبحث الزواجات ومزايين الإبل. القنوات الشعبية لم ينجح منها حتى الآن سوى قناة «الصحراء»، التي تختار القصائد بعناية تامة، وتقدم الشعراء بشكل لائق. وماذا عن المسابقات الشعرية ؟ المسابقات الشعرية لا نتذكر منها سوى اثنتين أو ثلاث، بينما البقية تقليد وبحث عن المال من جيوب المشاهدين. ¿ المسابقات الشعرية أحدثت نقلة في الشعر وغيّرت كثيراً من المفاهيم لدى الشعراء، وجعلتهم يتقبلون النقد، وأسهمت في ابتعاد الشعراء عن التقليدية. ¿ المسابقات تحتاج إلى التطوير والتجديد، حتى تجد إقبالاً من المشاركين. كيف تقيم تجربة الشعراء الشباب ؟ في الساحة شعراء شباب كسبوا جماهيرية تفوق شعراء جيل الثمانينيات، وعلى سبيل المثال الشاعر المبدع سعيد بن مانع بزغ نجمه وأثبت حضوره، حتى أنه أصبح مطلباً للمهرجانات الخليجية، وحقق نسبة كبيرة من الجماهيرية. الساحة الشعبية لا تتوقف عن إظهار النجوم، لكن المشكلة تكمن في أن المتلقي أصابه الملل والاكتفاء من الشعر، وهذا بسبب ما تظهره القنوات الشعبية للمشاهد. كيف ترى الشعر في مواقع التواصل الاجتماعي ؟ مواقع التواصل اختصرت الطريق على الشعراء، ومنحتهم سهولة الوصول إلى الجمهور، لكن هناك شعراء لهم تاريخ طويل في الساحة عجزوا عن مواصلة مسيرتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما هناك آخرون استمروا في نجاحهم، وكسبوا الرهان ونجحوا هنا وهناك. مواقع التواصل سلاح ذو حدين، إن استخدمها الشاعر بطريقة احترافية نجح ووصل إلى أكبر شريحة، وإن أساء استخدامها فشل تعثرت خطاه. من عيوب مواقع التواصل الاجتماعي أنها أجبرت الشعراء على الاكتفاء ببيتين فقط، لكن الشعر يعتبر الأكثر حضوراً في مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد السياسي والرياضي يغردان شعراً. اتجه كثير من الشعراء إلى الإفصاح عن ميولهم الرياضي، هل تؤيدهم في ذلك ؟ ليس عيباً ولا حراماً على الشاعر أن يظهر ميوله، بيد أن الواجب منه احترام الفرق المنافسة لفريقه، في النهاية الشاعر بشر يحق له ما يحق لغيره، فلا حرج في مؤازرة فريقه. هل تتوقع أن تعود الساحة الشعبية إلى سابق عهدها ؟ ربما يوماً ما تعود الساحة إلى عهدها، لكن بشكل وإطار مختلفين. الشعر مر بمراحل، أولاها المجلات وتبعتها القنوات والمسابقات، وحالياً مواقع التواصل الاجتماعي، الشعر باق لأنه لا يتوقف على أحد.