ماذا يعني الاعتراف؟ ولماذا نحن بحاجة إلى الاعتراف؟ وهل نستطيع أن نعترف بصدق بكل ما مر في حياتنا منذ لحظة إدراكنا وحتى ما نحن عليه الآن؟ لا أدري إن كان سهلا علينا أن نعترف وأن نعري أنفسنا أمام محيطنا الاجتماعي الذي نعيش فيه، لا أدري إن كنا نملك من الشجاعة ما يجعلنا نجرد أنفسنا من كل شيء ونبدأ في كتابة صفحة حياتنا ونعترف بأخطائنا بحسناتنا ومساوئنا، أن نفتح قلبنا ونسمعه. نحن نعيش في مجتمع لم نتعلم فيه كيف نعترف، جبلنا على تجميل أنفسنا من الخارج ولم نتعلم كيف نجمّلها من الداخل، أن نقوّم قلوبنا أن نجعلها تستقيم، ننقيها من شوائب الدنيا وأدرانها، بل تمادينا في تجميل خارجنا لدرجة تبعث على الاشمئزاز، بالغنا في تلميع صورنا وأننا وصلنا لدرجة من المثالية والكمال، لم نلتفت للحظة لأنفسنا لنعترف بها بل بالغنا بالكذب على أنفسنا وخدعتنا مرآة قلوبنا فلم نع الصورة ولم نقرأها بل طمسناها بغرورنا، لم نتفكر في الآيات الربانية لأننا لا نفقه من لغة التفكير والتبيان شيئا بل نقرأ لأنه واجب علينا أن نقرأ، لم نتعلم كيف نطلق تفكيرنا ونتدبر «أفلا يتدبرون» كأننا غير معنيين بالتدبر المذكور «أفلا تتفكرون» وأيضا لسنا معنيين، «أفلا تعقلون» لا أعتقد بأننا نعقل فلو نعقل ما تمكنت الأمم من هزيمتنا ولو نعقل ما تمكنت الأفكار الملوثة أن تفسد عقولنا، نحن مجتمعات لم تبرع في شيء غير الماكياج، وصلنا لدرجة من الإبداع والابتكار في تلوين وجوهنا وملامحنا، ودواخلنا، بارعين جدا في خياطة ملابسنا وتصميمها بإتقان عال، نغطي عيوب أفكارنا بقماش مخملي، نتصنع الطريقة والحديث، وحتى الجمال برعنا في تشويهه حتى خرجت لنا مسوخ تتصنع في معاني الجمال، ليس لسبب غير أننا لم نر الجمال بدواخلنا فغطى الران على قلوبنا انسلخنا من كل شيء وصنعنا لنا هوية ممسوخة، وغدونا هجينا من هنا وهناك، ليس لدينا مقدرة على الاعتراف لذا فضيعنا بوصلة حياتنا. كان علينا أن نعترف، حتى لا نصل إلى هذا المستوى من التشويه الاجتماعي الذي طالنا، ليس مهما أن تعترف أمام الناس بل المهم أن تعترف أمام نفسك، لا نستطيع أن نعترف كما فعل الكاتب السويسري جان جاك روسو لأننا لم نصل لرقي روسو في اعترافاته، ولأن روسو رجل فريد من نوعه ولن يتكرر، فلن يخرج لنا من يعترف بكل عيوبه ومساوئه أمام العالم، ولأن بعض الاعترافات لا يمكن أن نعترف بها فبات من الأولى لنا أن نعترف بكل ذلك أمام أنفسنا أن نجردها من كل شيء، أن ننقي أنفسنا نجملها بالقيم الثابتة والمبادئ النبيلة، ليس علينا أن نعترف للمجتمع بأمور سترها الله على عبده، بل علينا أن نعترف للمجتمع متى ما أخطأنا في حق المجتمع وفي حق الأفراد فيه، وفي أي موقع كنا، علينا أن نتعلم ثقافة الاعتراف، ليس لشيء بل لأجل نفسك أولا وقبل كل شيء!