يبلغ هدف الصين المتعلق بالنمو الاقتصادي نسبة 7 بالمائة في السنة.. وتشاء الصدف أن مكتب الإحصاءات الوطنية في الصين أبلغ في وقت سابق من هذا الشهر أن الناتج المحلي الإجمالي للبلد خلال الربع الثالث كان 6.9 بالمائة أعلى مما كان عليه قبل عام. وهذا بعد النمو بنسبة 7 بالمائة خلال الربع الثاني و7 بالمائة خلال الربع الأول. يشكك الكثير من المراقبين بشكل مفهوم في هذه الأرقام شبه المثالية، ويصنعون تقديراتهم الخاصة بهم للناتج المحلي الإجمالي الصيني. يتم جمع "مؤشر لي كيكيانج" من قبل بلومبيرج من المؤشرات الثلاثة (استخدام الكهرباء وحجم البضائع على السكك الحديدية ومقدار الديون المدفوعة)، وهو مؤشر قال لي كيكيانج، أمين الحزب السابق لمقاطعة ليواينج، وهي مقاطعة في الشمال الشرقي، لمسؤول أمريكي في عام 2007 إنه يستخدمه. وقال: إن هذه الأرقام تعطي قراءة اقتصادية أكثر دقة من أرقام بكين المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي التي يكتبها البشر. ومنذ ذلك الحين أصبح لي رئيس الوزراء في الصين، الرجل في المرتبة الثانية في بكين، لكن "مؤشره" تعرض للنقد لكونه منحرفا جدا نحو الصناعات الثقيلة في وقت يتحول فيه الاقتصاد الصيني إلى الخدمات.. الشيء نفسه صحيح مع معظم الأرقام الوسيطة الأخرى التي يُستدَل منها على الناتج المحلي الإجمالي - والسبب هو أنه إذا كنت تبحث عن بيانات موثوقة وقابلة للتدقيق، فلن تستطيع إيجادها لدى قطاع الخدمات الصيني الذي لا يمتلك الكثير منها. "إذا تقبلنا فكرة أن الكثير من هذه البيانات يجري تصنيعها، وتتأثر بصناع السياسة، حينها سوف تكون بيانات قطاع الخدمات بشكل خاص عرضة لهذا النوع من التأثير"، بحسب ما قال إيريك بريتون من شركة فاثوم للاستشارات عبر تلفزيون بلومبيرج عندما ظهرت الأرقام الرسمية المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي. "على سبيل المثال، يمكننا قول أشياء عن التجارة لأن لدينا إحصاءات تعكس البيانات التجارية الخاصة بهم". في مواجهة التباطؤ التجاري والصناعي، تلك الأرقام المتعلقة بقطاع الخدمات هي التي تمكن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية من البقاء في المسار التصاعدي السلس بشكل قوي جدا. وهذه السلاسة هي حقا ما يثير الشبهات والشكوك. وأبحاث مؤسسة لومبارد ستريت، التي تقدر بأن الاقتصاد الصيني نما فقط بنسبة 3.1 بالمائة بالمعدل السنوي خلال الفصل الثالث، قدرت بالفعل نموا أسرع من تقديرات المكتب الوطني للإحصاءات في أجزاء من الأعوام 2011 و2012 و2013. ليس الموضوع أن هؤلاء الناس لا يعتقدون بأن اقتصاد الصين نما كثيرا، بل إن الموضوع أن تلك الاقتصادات، حتى الاقتصادات المركزية جزئيا، ببساطة لا تسير في السرعة نفسها، فصلا بعد فصل. السؤال هو ما إذا كان هذا الأمر مهما أم لا.. قال رئيس شركة آي بي إم الأسبق لويس جيرستنر يوم الإثنين، أيضا عبر تلفزيون بلومبيرج: "علينا فصل هذا التركيز السخيف تقريبا على هذا المعدل من النمو البالغة نسبته 7 بالمائة إلى 6.9 و6.5 بالمائة". حسنا، إذا كان هذا هو الاختلاف الحقيقي، إذن فالتركيز سيكون سخيفا.. لكن ماذا لو كان الاختلاف أكبر بكثير؟ حتى في البلدان التي لا توجد فيها حتمية سياسية لإبقاء الناتج المحلي الإجمالي في حالة ارتفاع بوتيرة مرتبة من قبل، يميل الذين يحسبون الأرقام إلى تقليل قيمة التحولات الاقتصادية الكبيرة.. خذ مثلا الاختلافات بين التقديرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي في عامي 2008 و2009، والتي قدمها مكتب التحليلات الاقتصادية الأمريكي، والأرقام التي تم تنقيحها منذ ذلك الحين. تنطوي التقديرات المبكرة للناتج المحلي الإجمالي على الكثير من الاستقراء من الاتجاهات السابقة. في الولاياتالمتحدة، فقط بعد مرور فترة لا بأس بها على ظهور الأرقام، حين توفرت بيانات خام إضافية، تَبينَ الوضع الكارثي التام للربع الرابع لعام 2008. وأرقام الناتج المحلي الإجمالي فوتت أيضا الضعف في الانتعاش الذي بدأ في منتصف عام 2009. ومن الواضح أن الصين تمر في حالة تباطؤ، وإذا كانت أرقامها الرسمية تقلل بشكل كبير من مدى هذا التباطؤ - سواء عن قصد أو بسبب النزعة المحافظة الموجودة داخل حسابات الناتج المحلي الإجمالي - قد يكون أحد المخاطر هو أن قادتها لن يفعلوا ما يكفي لمكافحة ذلك.. لكن هذا قد يتطلب أن يؤمن زعماء الصين بتلك الأرقام الرسمية، ولدي انطباع أن هؤلاء القادة ليسوا على هذه الدرجة من السذاجة. على سبيل المثال: قبل مضي أربعة أيام على صدور أحدث تقرير يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي المستهدف، خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة. فما هو الخطر إذن؟ المثال المناظر الذي يخطر في البال هو شركة كانت على المدى الطويل تحظى بنمو مستمر في الإيرادات، لكن تظهر عليها بوادر التعثر. بغية إبقاء الإيرادات في ارتفاع دائم.. يفعل المسؤولون التنفيذيون في الشركات أحيانا أمورا يتأسفون عليها هم، أو على الأقل المساهمون لديهم - مثل تنفيذ عمليات استحواذ باهظة الثمن، وحشو قنوات المبيعات لديهم بمنتجات غير مرغوب بها وارتكاب الاحتيال المحاسبي الصريح. رئيس الوزراء لي يبدو مدركا لهذا الخطر، وهو يحاول منذ فترة التقليل من أهمية هدف النمو بنسبة 7 بالمائة، لكن حين تكون الاستراتيجية الاقتصادية الناجحة تماما في بلدك تدور منذ عقود حول ما تسميه حتى وسائل الإعلام الرسمية "تقديس الناتج المحلي الإجمالي"، يمكن أن تكون هذه عادة من الصعب التخلص منها.