تحدثنا في مقالات سابقة عن الشخصية الاعتبارية للشركات ورأينا متى تنشأ هذه الشخصية ومتى تنتهي وماذا يترتب عليها من نتائج، فالشركة تشبه الأشخاص الطبيعيين من حيث النشأة والانقضاء، وتنقضي الشركات التجارية سواء أكانت شركات أموال أو شركات أشخاص أو شركات مختلطة بالأسباب العامة والخاصة لانقضاء الشركات. فعلى سبيل المثال فإن وفاة أحد الشركاء سبب من أسباب انقضاء الشركات المبنية على الاعتبار الشخصي، والتي تقوم في الأساس على الثقة المتبادلة بين هؤلاء الأشخاص، حيث تنقضي الشركة بقوة النظام - سواء أكانت مدتها محددة أم غير محددة – من وقت تاريخ تحقق وفاة أحد الشركاء، ولا يحل ورثته محله فيها على أساس عدم التزام باقي الشركاء في الاستمرار في الشركة مع ورثة الشريك المتوفى، إذ قد لا يتمتع الورثة بمهارات إدارة الشئون التجارية أو غيرها، وقد لا تكون لديهم الخبرات المطلوبة التي تؤهلهم للقيام بالمهام الإدارية واتخاذ القرارات التجارية المناسبة والحلول محل مورثهم، ومن ناحية أخرى فإن باقي الشركاء قد لا يعرفونهم وبالتالي لا يثقون بهم، لأن الشركة تقوم على الثقة الشخصية المتبادلة بين الشركاء والتي يمكن أن تتلاشى أو تختفي بظهور الورثة. وهذه القاعدة ليست من النظام العام إذ يجوز الاتفاق على مخالفتها، وبالتالي يحق للشركاء الاتفاق على استمرار الشركة مع ورثة الشريك المتوفى، أو اتفاق الشركاء على استمرار الشركة فيما بينهم بعد وفاة أحدهم، رغبة في الإبقاء على الأوضاع الثابتة والمستقرة وعدم القضاء عليها بحل الشركة. ونتيجة لذلك يجوز للشركاء الاتفاق على استمرار قيام الشركة بعد وفاة أحدهم، وهذا ما أكدته المادة (35) من نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385ه إذ نصت على أنه: "تنقضي شركة التضامن بوفاة أحد الشركاء أو بالحجز عليه أو بشهر إفلاسه أو إعساره أو بانسحابه من الشركة إذ كانت مدتها غير معينة، ومع ذلك يجوز النص في عقد الشركة على أنه إذا توفي أحد الشركاء تستمر الشركة مع ورثته ولو كانوا قصراً...". ويفهم من هذا أن نظام الشركات قد أجاز اتفاق الشركاء على استمرار الشركة مع ورثة أحد الشركاء بعد وفاته، وهذا الاتفاق شائع وكثير الوقوع ولكن في الوقت ذاته يثير العديد من الصعوبات من الناحية العملية، إذ قد يحدث أن يكون الشريك المتوفى متضامناً وورثته قصراً، وهنا تنشأ الصعوبة الفعلية إذ إن الشريك المتضامن يكتسب صفة التاجر، وعلى النقيض من ذلك فلا يكتسب القاصر تلك الصفة، وفضلاً عن ذلك فإن مسئولية الشريك المتضامن عن ديون الشركة مسئولية شخصية وتضامنية، وحلول القاصر محل مورثه يجعله مسئولاً عن ديون الشركة مسئولية شخصية وتضامنية، وهذا الأمر بلا شك ينطوي على أضرار تصيب القصر. وبالرغم من ذلك فقد أجازت المادة (35) من نظام الشركات حلول الورثة محل مورثيهم حتى وإن كانوا قصراً. كما يجوز اتفاق الشركاء في عقد الشركة على استمرار الشركة فيما بينهم فقط عند وفاة أحدهم، وهذا ما أكدته أيضا المادة (35) من نظام الشركات. وفي تلك الحالة يقوم هؤلاء الشركاء بإخراج نصيب الشريك المتوفى وتسليمه إلى ورثته، ويتم تقدير نصيب الورثة وفقاً لآخر عملية جرد أجرتها الشركة، ما لم ينص عقد الشركة على طريقة أخرى للتقدير. ويقدر نصيب الورثة نقداً من يوم وفاة هذا الشريك، حيث يعد الورثة هنا دائنين للشركة نتيجة لحصة مورثهم إلى أن يتم استلام نصيبهم نقداً، من دون إغفال أن الورثة لا يكون لهم نصيب فيما يستجد بعد ذلك من الحقوق إلا بقدر ما تكون هذه الحقوق ناتجة عن عمليات سابقة على تلك الواقعة. وسوف نتطرق في مقالات قادمة إلى أسباب أخرى لانقضاء الشركات إن شاء الله تعالى. المحامي والمستشار القانوني