ليس من اليسير على السعوديين متابعة الجرائم التي يقترفها التنظيم الإرهابي (داعش) داخل بلادهم. لا من حيث هول الصورة، ولا بشاعة المشهد. الفرد الداعشي بات يتفنن بالقفز بالجريمة، لمستويات من الفظاعة تتجاوز الخيال البسيط، لخيال سينمائي مرعب، مما يجعلنا نفكر بصدق، عن الدافع الحقيقي للسلوك الداعشي. نطرح أسئلة، لا بد وأن بعض أهالي المنتمين لداعش من المصدومين بأفعال أبنائهم، هم أول من فكر فيها. ما الذي يجعل إنساناً سوياً تربى في كنف عائلة محافظة، أن يقدم على قتل ابن عمه الذي تربى معه في نفس المنزل؟ بحجة، أن هذا يعمل مع "الحكومة الكافرة"!، وغيرها من هذه الجرائم الكثيرة التي حدثت في الآونة الأخيرة. إن ما يثير الانتباه في بعض قصص هؤلاء الدواعش، أن ليس ثمة دافع واحد يجمعهم، أي أنهم من بيئات اجتماعية مختلفة، وفئات اجتماعية متنوعة، مما يسحب من بين أيدينا موهبة التنميط التي نتحلى بها عند قراءة الظواهر الاجتماعية، بتصنيفها في خانة واحدة. فليس كل هؤلاء الذين نفذوا جرائمهم باسم داعش، من الملتزمين دينياً، لكنهم على الأغلب استثمروا الإيديولوجيا الدينية كغطاء أخلاقي يُريح أنفسهم لتبرير الجريمة، فالنصوص الدينية هنا، لعبت دوراً ثانوياً وليس أصيلاً. بكلمة مختصرة، إن الدين أو الخطاب الديني المنبثق منه، ليس المسؤول المباشر عن تشكيل دوافع القتل، وأن الكلمات لا تمنح الانتحار، سوى القداسة اللازمة لتسهيل الإقدام عليه. في كتابه الرائع (علم النفس السياسي)، يطرح الكاتب دايفد باتريك هوتون، بسؤال مثير في وجه القارئ: أيهما يؤثر في الآخر أكثر، هل التفاحة هي التي تفسد الصندوق، أم أن الصندوق هو الذي يفسد التفاحة؟ سعى الكاتب من خلال هذا التساؤل، لتعقب الدوافع السياسية لسلوك الأفراد. هناك مدرستان رئيسيتان في التحليل: الأولى، تُسمى المدرسة النزوعية، وفكرتها تنصب على أن الخصائص الفردية للإنسان تلعب دوراً حاسماً في تكوين سلوكه. أما المدرسة الثانية، فهي الموقفية، وفلسفتها تقول، إن الإنسان يعيش ضمن جماعة يتأثر بها، ومن المواقف التي يوضع فيها تنبع سلوكياته. إننا اليوم، نعيش ضمن "جماعة" واحدة، وبالتالي، فإن المواقف التي تضعنا فيها النزاعات السياسية الحالية، تدفعنا دفعاً لاتخاذ مواقف "راديكالية"، سواء من قضايا وأشخاص، ما كنا سنتخذها لو كنا في ظروف طبيعية. فالاحتلال الأمريكي للعراق، وما نتج عنه، جعل حياتنا مهددة، ونفوسنا مضطربة، وعقولنا مستلبة، لصور الحرق والسحل التي تمارسها المنظمات والمليشيات الإرهابية. إذن، نحن نعيش في "إطار جماعة عربية" لا مفر لنا من أزماتها الاجتماعية والسياسية، وانعكاسها على نفوسنا، وتأثيرها على سلوكنا. إن هذه الجرائم التي نشاهدها، ولا نملك تفسيراً محدداً لدوافعها، ما هي إلا نتيجة حتمية للظروف المحيطة بنا، والتي وضعتنا تحت رحمتها رغماً عنا.