في 30 سبتمبر 2015 شن الطيران الروسي أولى طلعاته الجوية مستهدفا حمص وحماة وحلب؛ مستندا إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روسي- إيراني- عراقي- سوري في العاصمة العراقيةبغداد. وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية، وتزويدها بنحو 48 مقاتلة من طراز «Su-24» و«Su-25» و«Su-30» وبمروحيات قتالية و35 عربة قتال مدرعة مزودة بمدفعية من طراز «BTR-82A/B» ومدفعية عيار «152 mm» و6 دبابات من طراز «T-90» ونحو 800 مقاتل روسي من القوات الخاصة و500 من سلاح البحرية، وعدد غير معروف من المرتزقة الشيعة الذين تم شحنهم من العراق وباكستان وأفغانستان عبر طائرات تمهيدا للزج بهم في هجوم بري مرتقب ضد المعارضة السورية بإسناد جوي روسي. وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم داعش المتطرف؛ إلا أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل المعارضة في عدة محافظات، وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو المعلنة لا تتناسب مع الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة «حميميم»، مثل صواريخ أرض-جو «SA15» و «SA22»، والتي لا يمكن أن تكون موجهة ضد داعش الذي لا يملك أية مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي في المنطقة بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة «أضنة» تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة «USS Theodore Roosevelt carrier» تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي. تعزيزات صينية ويقول الباحث السوري في دراسة نشرها مركز عمران للدراسات انه في مقابل التراجع العسكري الغربي تحدثت المصادر عن رسو حاملة الطائرات الصينية «Liaoning-CV-16» في ميناء طرطوس، بعد أن عبرت قناة السويس في 22 سبتمبر، حيث تتوجه بكين إلى تعزيز قواتها البحرية بمقاتلات من طراز «J-15 Flying Shark» ومروحيات قتالية مزودة بصواريخ مضادة للغواصات من طراز «Z-18F» و «Z-18J» في منتصف شهر نوفمبر القادم، والتي ستتمركز في القاعدة الجوية الروسية باللاذقية بعد أن تمر بالأجواء الإيرانيةوالعراقية بالتنسيق مع طهرانوبغداد. وتأتي التعزيزات الصينية بعد استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الصيني في البيت الأبيض يوم 25 سبتمبر 2015 ، ما يؤكد وجود تفاهمات مسبقة بين العواصم الثلاث واشنطن، موسكو، بكين حول الترتيبات العسكرية التي تجري في سوريا بالتنسيق مع إيران. التضييق على المعارضة واللافت تزامن الحشد الروسي مع حالة إخلاء جوي غربي لمنطقة شرقي المتوسط في ظل تطورين مهمين, هما الترحيب الأوروبي بالدور الروسي- الإيراني الجديد, والتضييق على المعارضة السورية ووقف الدعم عنها. الملامح الاولية للخطة الروسية ويضيف زين العابدين ان عملية تشخيص مخاطر التدخل الروسي تتطلب الاعتماد على معلومات دقيقة، ومن خلال ما رشح من محاضر الاجتماعات التي عقدها المسؤولون الروس في موسكو ونيويورك خلال الأسبوعين الماضيين؛ يمكن تلخيص أهم معالم الخطة الروسية في سوريا في النقاط التالية: * إنشاء منظومة أمنية إقليمية جديدة تجمع بين موسكووطهرانوبغدادودمشق، وتنسق عملياتها مع تل أبيب. * توجيه ضربات ترجيحية لتعزيز وضع النظام في المناطق التي فقدها في اجتماع عقد بالمقر الرئاسي في أوغاريوفو بالقرب من العاصمة الروسية في 21 سبتمبر 2015؛ حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طمأنة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن سلاح الجو الروسي لن يقوم بأية عمليات جنوبسوريا، وأن موسكو ستنسق مواقفها مع تل أبيب، ولن تسمح لحزب الله بنقل أية أسلحة. خطة روسية انتقالية وبعد تحقيق الأهداف أوضح بوتين أن قواته ستشرف على تنفيذ خطة انتقالية تتضمن: وقف إطلاق النار، وتأسيس من السلطة والمعارضة، والإشراف على انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية يختار فيها الشعب.. ولتحقيق هذه الخطة أكد بوتين للوفد الإسرائيلي ضرورة تمكين الحكم في دمشق من إدارة المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى أن القوات الروسية لا تنوي التمدد إلى دمشق، بل سيقتصر وجودها في اللاذقية حيث ستعمل على حماية الأقلية العلوية ومنع المعارضة من التقدم نحو جبال الأنصارية أو المناطق الساحلية. غطاء جوي للمرتزقة الإيرانيين وسربت مصادر مقربة من الموساد تفاصيل أخرى حول اللقاء تتعلق بمداخلات رئيس الأركان الإسرائيلي وقائد الأمن الفيدرالي الروسي، لمنع وقوع أي تضارب في الأهداف حيث ستركز الخطة الروسية على تمكين النظام من استعادة المناطق التي فقدها في الأشهر الماضية، وذلك من خلال توفير غطاء جوي للمرتزقة الإيرانيين في معارك تهدف إلى توطيد سيطرة النظام في دمشق والقلمون وحمص وريف حماة والريف الغربي لمدينة جسر الشغور. وينسجم الطرح الروسي مع مبادرة أطلقها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبدء بحوار وطني سوري لا يقوم على أساس «جنيف1» أو «جنيف2»، بل ينطلق من مبدأ «6+1» ويشمل دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى إيران، ويقوم على أساس وقف جميع العمليات العسكرية ودعم الفصائل والميلشيات المقاتلة. ويوضح الخبير السوري ان التدخل الروسي يستهدف ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تركته أمريكا في المنطقة, وتؤكد مصادر أمنية غربية أن العملية الروسية قد جاءت كضربات استباقية لإفشال مخططات فرض مناطق عازلة شمال وجنوب غربي البلاد، وهذا ما يفسر تكديس منظومات الدفاع الصاروخية المتطورة. السيطرة على اجواء المنطقة وتأتي هذه العمليات ضمن خطة طويلة الأمد تهدف من خلالها موسكو إلى مد شبكاتها الصاروخية في المنطقة الممتدة بين بغدادودمشق، والسيطرة على أجواء بين طهران وبيروت مرورا بالمنطقة من خلال إنشاء شبكة دفاع جوي مع هذه الدول. وفي مقابل سعي واشنطن إلى استدراج موسكو لعمل عسكري في سوريا؛ يبذل الروس جهودا لتأسيس وجود بحري دائم في المياه الدافئة شرقي البحر الأبيض المتوسط، حيث تمكن هذه السياسة موسكو من صياغة تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة والدخول بقوة في أسواق السلاح والطاقة. انعاش السلاح الروسي وتهدف موسكو من وجودها في المنطقة الى إنعاش سوق الصناعات العسكرية الروسية كما تروج موسكو لنفسها في الآونة الأخيرة على أنها لاعب دولي يمكن الاعتماد عليه في احتواء إيران وحملها على الالتزام بالاتفاق النووي، ومنع النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية، والمساهمة الفاعلة في محاربة الإرهاب، ومنع انسياب الأزمة السورية خارج الحدود، والترويج لتقنيات الطاقة السلمية في الشرق الأوسط. ومن خلال هذه الحزمة من المعطيات يعمل الكرملين على إنعاش الاقتصاد الروسي عبر استعادة مجاله في سوق السلاح العربي والدولي. سوريا المفيدة وتندرج التوجهات الروسية ضمن خطة بشار الأسد العسكرية بتقليص سيطرة قواته على «سوريا المفيدة» المتمثلة في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس، وعلى أن محدودية التحرك الروسي تندرج في هذا الإطار؛ إذ إن 48 مقاتلة و6 دبابات و35 عربة مدرعة متمركزة في قاعدتي: «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، لا يمكن أن تنفذ عملية «احتلال» أو «اجتياح» للقطر السوري، خاصة وأن قوام القوات الخاصة وسلاح البحرية التي تم حشدها لا يتجاوز 1776 جنديا يعمل أغلبهم في روسيا ومجال تقنيات الرصد والدفاع الجوي. وتمنع الضغوط الاقتصادية على موسكو من شن حملة اجتياح بري واسع النطاق خارج البلاد، إذ إن عملية ضمّ شبه جزيرة القرم فاقمت الضغوط الاقتصادية على روسيا التي باتت تعاني العزلة الدولية، وهبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30 في المائة. قطعان المرتزقة ولا يتوقع أن تسفر عمليات شحن المزيد من قطعان المرتزقة الشيعة إلى الأراضي السورية بتغيير فعلي؛ إذ إن التقارير العسكرية تؤكد فشل سياسة الحشد الطائفي التي يقوم بها قاسم سليماني بسبب قصر فترة تدريب هذه القوات على ستة أسابيع في مخيمات، وعجز هؤلاء المقاتلين عن المواجهة، وتشير المصادر إلى أن المبادرة الإيرانية- الروسية الأخيرة تأتي كمحاولة لوقف الاستنزاف المالي الذي تعانيه طهران. وتأتي أنباء حشد إيران للمزيد من المرتزقة على خلفية إنهاك «حزب الله» وتكبده نحو 1800 قتيل و3000 جريح منذ تدخله في سوريا، واضطراره لعقد الهدن مع المعارضة حتى يتمكن من استعادة معنويات قواته المنهارة، ما يؤكد أن العمليات المرتقبة ستكون محدودة بإطار زمني لا يتعدى شهرين، وستنحصر في إطار القيام بضربات ترجيحية تحاول استعادة توازن النظام في المناطق التي فقدها في المعارك الأخيرة، وستشنها قوات منهكة سبق وأن انكسرت في معارك سابقة مع المعارضة. الاهداف العسكرية وفي ظل المعطيات؛ يؤكد المسؤولون الروس أن الهدف من العملية العسكرية يقتصر على ترجيح كفة النظام، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والبدء في مفاوضات المرحلة الانتقالية، في ظل إدراك الكرملين أنه من غير الواقعي محاولة القضاء على عشرات آلاف المقاتلين الذين يتمتعون بأفضلية القتال على أرضهم، ويستفيدون من تحول الاستراتيجية العسكرية لجيش النظام إلى «الدفاع» وفقدانه عنصر المبادرة، وضعف الكفاءة القتالية للميلشيات التابعة لإيران. سياسة «الكمون الاستراتيجي» وانتهى الباحث الى انه يتعين على المعارضة أن تبادر إلى تبني سياسة «الكمون الاستراتيجي» والذي يتمثل في امتصاص الضربات المبدئية، واستيعاب عنصر المفاجأة من خلال رصد التحركات واستقراء نمط العمليات المعادية، وتجنب استدراجها في مواجهات غير متكافئة في هذه الفترة الحاسمة. وتنفيذ استراتيجية «إعادة التموضع» لتشتيت إحداثيات غرفة العمليات المشتركة ببغداد، وذلك من خلال عدة صيغ أبرزها: «الانتشار الكيفي»، وتجنب التجمعات، وشن حرب العصابات، وتنفيذ العمليات الخاصة، والمبادرة إلى «إعادة التشكيل». وإنشاء «غرفة عمليات مشتركة»: حيث تمثل عملية إغلاق غرفة العمليات المشتركة في الأردن «الموك» فرصة سانحة لإنشاء غرفة عمليات سورية تعزز مفاهيم الأمن الوطني، وتمنح فصائل المعارضة ما تحتاجه من شخصية اعتبارية في المعادلة الإقليمية، من خلال تبني استراتيجيات «إدارة الأزمة»، واتباع وسائل احترافية لتبادل المعلومات، ورسم الخطط، وتقدير الموارد المطلوبة، وتوظيف مصادر القوة الكامنة بمختلف أبعادها، ووضع ذلك في إطار قالب تطبيقي يستوعب التحولات الإقليمية والدولية وآليات توظيفها في إفشال خطة التدخل الخارجي. وإعداد خطة للمحافظة على «المكتسبات الاستراتيجية»: عبر تحديد الأولويات، وتنفيذ عمليات الإخلاء، وتنسيق خطط الكر والفر، وإعادة التشكل في إطار المحافظة على البؤر الاستراتيجية التي اكتسبتها المعارضة، ومن ثم التوسع في مناطق «الخاصرة الرخوة» التي لا تصل إليها ميلشيات المرتزقة ولا تطالها عمليات القصف الجوي. والتركيز على العمليات النوعية والضربات الموضعية في المناطق الآمنة للنظام: وذلك من خلال شن عمليات نوعية تطال النظام في مقراته الآمنة وتستثمر مشاعر السخط في صفوفه البشرية التي يتنامى سخطها ومحاولة نقل المواجهات إلى مناطق متفرقة، وخاصة في قلب العاصمة ومحيطها، فضلا عن محافظتي اللاذقية وطرطوس. وإعادة صياغة التحالفات الإقليمية: حيث يحاول تحالف (موسكو- طهران- بغداد- دمشق) توظيف «فراغ المجال» الغربي- أمنيا وعسكريا- لفرض عزلة على بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها الرياض وأنقرة، ولا شك أن الاستفادة من هذه القوى كداعم يتجه نحو التحلل من بعض القيود والالتزامات الدولية، والتعامل معه كظهير دبلوماسي يتحدث بقوة في الأروقة الدولية. والإعداد لخطة تحول سياسي تحظى بإجماع وطني تنطلق من منظور وطني وترتكز على مفاهيم الاحترافية والانضباط وتعمل على توفير الاحتياجات الأساسية للشعب السوري، وتفهم المتطلبات الأمنية لدول الجوار، والأخذ بزمام المبادرة للتقدم بمبادرة وطنية جامعة على أنقاض الدكتاتورية المتهاوية.