استضاف مهرجان الدوخلة في سنابس، الفنان الكويتي الكبير سعد الفرج، لعرض أحدث مسرحياته في المهرجان. اسم الفرج يعود بالذاكرة إلى عز المسرح الكويتي، وهو أحد رواده المهمين، الذين ساهموا في صناعة حركة مسرحية مؤثرة في الكويت والخليج. طَرَحَ الفرج من خلال أعماله المسرحية، قضايا اجتماعية وسياسية، بأسلوب كوميدي ساخر، وبجرأة كبيرة، ويمكن أن نعود لحقبة الثمانينات من القرن المنصرم، لنجد أعمالاً رائعة مثل «ممثل الشعب»، «دقت الساعة»، «حامي الديار»، وصولاً إلى مسرحية «هذا سيفوه»، التي تم حصارها، وتَوَقَّف عرضها في نهاية الثمانينات. يتذكر سعد الفرج مسرحية «هذا سيفوه»، في أحد لقاءاته، ويؤكد تكالب عدة أطراف عليها، فقد جاءت بعد عدة مسرحيات عالجت قضايا هامة بلغة جريئة، مثل الطائفية والوحدة الوطنية، وكان نص المسرحية يشير إلى مجموعة من التجار في الأربعينات، الذين تبلغوا من المعتمد البريطاني في الكويت، بأن مرحلة النفط قادمة، وأن عليهم الاستعداد لها، فأرسلوا أولادهم إلى الهند والعراق استعداداً لهذه المرحلة، وفي هذا إشارة واضحة إلى انتهازية هذه المجموعة، وارتباط مصالحها بشكل مباشر بالمُستَعمِر، والنص استند إلى وثائق بريطانية تُوَضِّح هذا الأمر. يقول الفرج إن مجموعة من التجار ساءهم نص المسرحية، فعمدوا إلى استخدام الكتل الدينية في البرلمان الكويتي، لمحاصرة المسرحية وأبطالها، ومنهم، إضافة إلى الفرج، عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي ومحمد السريع، وقد تم تحويلهم جميعاً إلى التحقيق والمحاكمة، وصدرت أحكام بتبرئتهم جميعاً، عدا الفنان عبدالحسين عبدالرضا، الذي حُكم عليه بثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، بسبب كلماتٍ قالها خارج النص. ما حصل لمسرحية «هذا سيفوه»، كان ضربة قوية للمسرح الجاد الذي كان يتميز في الثمانينات بالإسهام في صناعة وعي وطني، وتقديم رسائل هامة، وسط موجة من السعار الطائفي اجتاحت المنطقة العربية، في أجواء الحرب العراقية الإيرانية، والصحوة الدينية وإرهاصاتها. كانت المسرحيات التي قدمها سعد الفرج ورفاقه، تؤثر في شريحة واسعة من الجمهور في الخليج، وترفع الصوت عالياً وبجرأة، في مواجهة الإشكالات الاجتماعية والسياسية آنذاك، وتقدم خطاباً يحث على الوحدة الوطنية، بعيداً عن الحالات الوعظية التقليدية، وضمن قالب كوميدي ساخر، يدخل إلى القلوب بشكل مباشر. اليوم، نعاني بسبب الأحداث في المنطقة العربية، من سعارٍ طائفي مماثل، تضخمه بشكل أكبر وسائل الإعلام التقليدية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو بحاجة إلى خطاب إعلامي مضاد، يرتكز إلى تعزيز المشترك بين الناس، والتأكيد عليه، ونبذ ما يزرع الفتنة ويغذيها، والمسرح يمكنه أن يكون جزءاً من هذا الخطاب المضاد للفتنة، لكنه يحتاج إلى تشجيع، ومساحات حرة للحركة، كما يحتاج أيضاً، إلى فنانين جادين، ونصوص تؤسس لأعمال رصينة، بعيداً عن الحالة العبثية، والتهريج المبتذل، الذي نشهده على المسارح في الخليج، في السنوات الأخيرة، حيث تغيب الفكرة، والنص، والأداء الفني، وحتى الكوميديا، وسط موجة التهريج.