ما زالت تتقافز عبارة خطتها حروف شعر أبي العتاهية، وما زالت حاضرة في الأدب العربي وهي قوله: "لكل بطاّح من الناس له يوم بطوح" والتي تحضر معي وأنا أشاهد وأتأمل صور التبطيح السياسي الذي تقوده دول البطح والبطش والقتل وتحالف الشر الروسي السوري الإيراني الصهيوني، وفي المقابل مشاهد البطح الممنهج من قبل من استخدموا ليكون أداة لقتل أهليهم وذويهم وما ممارسات الفكر الداعشي ببعيدة، فالبطّاحون الظالمون عشاق الدماء مهما طال بهم الزمن سيبطحون وسيكونون عبرة التاريخ، ومن يطالع ويمعن في التاريخ يجد أن تاريخ الظلمة في شر حال لذا جاء وصف أبي العتاهية وهو يقوله حين حضرت المهدي الخليفة العباسي الوفاة وقد كان في رأي الناس بطاح الملوك: نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوحُ لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح كل بطاّح من الناس له يوم بطوحُ ستر الله بنا أن الخطايا لا تفوح ولعل من يشاهد اليوم التبطيح السياسي الذي تتأبط شره روسيا وإيران وحكومة بشار ومن وراءهم ضد شعب سوريا وضد المنطقة العربية واستقرارها يدرك معنى واحدا أن لغة التبطيح والتنطيح والعنجهية الاستكبارية التي يمارسونها باسم القضاء على الإرهاب، هي الإرهاب بعينه، حتى أصبحت معاني حقوق الإنسان ضربا من الكلام، وأن مصادرة الحريات، وترويع الآمنين، وقتل الأبرياء، وسلب الكرامة ما زالت هوية وسمة دول التبطيح والعناد والاستكبار العالمية التي تحاول بشتى الوسائل تغذية الصراعات والفوضى في دول الشرق _ كما يقال _، لذا ستظل مصدرة كل بطاح في زمن الانبطاح ليكون أداة ونواة لتصدير مزيد من ثقافات من العنف والبطش، فالعالم لا يزال يتذكر التنديد الذي قالته الوزيرة الاشتراكية "مارتين اوبري" على العنجهية التي تمارسها أمريكا باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان حيث قالت: "ستظل الحرب على العراق أول جريمة كبرى ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين"، واليوم وبعد عشر سنوات من حرب العراق ينطق المنطق السياسي ورجاله في العالم أن الجريمة في سوريا هي الثانية، خاصة ما خلّفته من مآس إنسانية، وتقاطعات حروب سياسية، وتفريخ دواعش في الشرق والغرب، واستعلاء البطش لتوسيع النفوذ الشيعي الغالي وحمايته، وتسريع المخططات الصهيونية لتفكيك الخارطة العربية حتى أصبحت العلامة البارزة التي تعرف فيها أن البطاحين في انتشار، وأن لغة البطح والبطش هي لغة السياسة الحالية، وما التصرفات والسلوكيات المتسمة بعشق نفس البطح والتركيع على حساب قتل الناس وضياع الأمن سمة "البلطجة العالمية" والتي قتلت اسم الديمقراطية على باب الحرية، والتي هي صورة صارخة للعنجهيات والتي تتخذ من رأي ميكافيلي "فن الممكن" صورة لها، وأظنه لو عاش في زمننا الهائج بالضوضاء والقهر، وانتشار البطاحين السياسيين لأخبره التاريخ أنه فن المستحيل، فأسلوب التلون وأنه بالإمكان أن يظل صديق الأمس عدو اليوم. وبنظرة سريعة لحال كل بطاح سياسي ستجد أنه متشرب بالتصرف المليء بنفس الضجيج، والبعيد عن الحكمة، ذلك التصرف الممزوج غالبا بالفوضى المنظمة، الصارخ بلغة الأنا والكبر والبطش، فقبل أسابيع ينادي بشار الأسد أن سوريا لكل السوريين قاصدا نظامه وزمرته وحلفاءه في المنطقة، واليوم الحال أكثر تبطيحا حين يمارس الطيران الروسي ومن حالفهم قصف مواقع في سوريا وطرد الدواعش كما زعموا، والضحية تبقى تدهور الأمن في المنطقة العربية، وتهجير من بقي من السوريين، وسينطق التاريخ يوما أن حكومة بشار استعانت بالروس لتمزيق سوريا وتثبيت الحكم العلوي فيها بتصفيق حزب الله، ومواطأة الخونة، وهذا يذكرنا بحال الفلسفة الذرائعية النفعية في المعسكر الرأسمالي لتبرير مواقفها بكل ما تملكه من قوة السلاح القوي، والجدل المنطقي والقدرة على التلون بما يحقق مكاسبها الشخصية وأهدافها الذرائعية "المصلحية" وضمان ديمومتها بضرب كل ما اعترضها في الطريق حتى أصيبت حياة الإنسان بهزة عنيفة، ومن يشاهد المشردين من سوريا في العالم مثلا يعرف أن طعم الحياة في عالم السياسة بلا قيم، وما قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا إبر مخدرة، وأن داعش ستكون في حماية الروس، وأن نُطاح دولة الفرس وبنيانها المزعوم سيأتي من يبطحه، فالأمن العربي قائم بنطحها وبطحها فهي السوس في الأسنان، وما السوس الذي تبقيه في الخليج إلا شاهد وآخرها في الحرم والبحرين، ولكن تاريخ الفرس يبرهن أن كل بناء تبنيه في سنوات يسقط في لحظات ومن داخلها، وما المنتظر من شيعة الخليج تحديدا إلا المساهمة بذلك والوقوف بالولاء لحكامهم، وتظل دعوات المنكوبين دوما اللهم يا بطاّح الجبابرة وقاصم القياصرة أرنا في كل بطاح يوما بطوحا.