لا تصالح.. ولو قلّدوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى..؟ هكذا صرخ يوماً، الشاعر المصري الراحل، أمل دنقل، احتجاجاً على توقيع الرئيس الراحل أنور السادات لأول معاهدة سلام عربية مع إسرائيل، قبل 36 عاماً، وبالتحديد في 17 سبتمبر عام 1978.. قبل أن يتم توقيعها بشكل نهائي في 26 مارس 1979.. فأقامت الدنيا ولم تقعدها. وبينما تساءل دنقل: (أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك بيدٍ سيفها أثْكَلك؟) كانت الصحف العبرية تضع قلنسوتها اليهودية، وتشكر "الربَّ" معتبرة أن "السادات هو الرجل الذي جاء ليحقق نبوءة التوراة.. بأن يعيش الحمل مع الذئب".! وإذا كان السادات من وجهة نظر الإسرائيليين قد حقق النبوءة التوراتية، فإنه ظلَّ طيلة العقود السابقة، أحد "المختلف عليهم" في التاريخ العربي الحديث، وبمثل ما كان توقيعه للمعاهدة مع إسرائيل، مفاجأة لم يتوقعها أحد، فإن موته بالاغتيال، كان المفاجأة الأكبر، والتي ربما اعتبر معارضوه أن قتله على يد خصومه من الإسلاميين المتشددين عام 1981، جزاءً منطقياً، رأى آخرون أنه الرجل الذي استبق عصره، وأن العرب، وبالذات الفلسطينيين، يعضون أصابع الندم على عدم التحاقهم بعربة السلام التي انطلقت في منتجع كامب ديفيد، والذي تندر عليه الزعيم الليبي الراحل، مستخدما ترجمة عربية غير دقيقة، أطلق عليها "اسطبل داوود".! مرحبا كاتوكتين ووفق ما تذكره موسوعة "ويكيبيديا" العالمية، فإن المنتجع تأسس بداية تحت اسم مرحبا كاتوكتين كنزل لعملاء الحكومة الاتحادية وعائلاتهم، وبدأ بناؤه في عام 1935 وأتم العمل به في عام 1938. وفي عام 1942 تم تحويله إلى منتجع رئاسي على يد الرئيس فرانكلين روزفلت والذي سماه بشانغري لا، تيمنا بالفردوس التبتي المذكور برواية "الأفق المفقود" للكاتب الإنجليزي جيمس هيلتون. وفي عام 1945 جعله الرئيس هاري ترومان المنتجع الرئاسي الرسمي. ثم أعيد تسميته بمسماه الحالي من قبل الرئيس دوايت أيزنهاور تيمنا باسم حفيده ديفيد. يقع المنتجع على مساحة 200 فدان من المناطق الجبلية ذات المناظر الخلابة المحاطة بسياج أمني شديد الحراسة، وهو مغلق أمام الجمهور والزيارات العامة ولا يشار إلى موقعه على خرائط متنزه جبل كاتوكتين لدواعي الخصوصية والأمن. يدار المنتجع من قبل المكتب العسكري للبيت الأبيض ويتضمن مكتب الرئاسة وأماكن للمعيشة، وحمام سباحة، وقاعة للاجتماعات. ومنذ الاجتماع الذي تم خلال الحرب العالمية الثانية بين كل من روزفلت وتشرشل، أصبح المنتجع مسرحاً للعديد من المؤتمرات الرئاسية رفيعة المستوى مع رؤساء الدول الأجنبية. مذبحة التنازلات 12 يوما من المفاوضات بين الراحلين، المصري أنور السادات، والإسرائيلي مناحيم بيجين، في المنتجع الرئاسي بولاية ميريلاند، على بعد قرابة 100 كيلو متر، من العاصمة الأمريكيةواشنطن، برعاية من الرئيس الأسبق جيمي كارتر.. أفضت لما نحن عليه الآن. 12 يوماً من الشد والجذب، انتهت بأن تضمنت المحاور الرئيسية للمعاهدة إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967، وضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، والبدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، ليحدث أول خرق عربي "رسمي" من الموقف تجاه الدولة العبرية.. ولتبدأ مرحلة جديدة لا يزال العرب يدفعون ثمنها إلى اليوم.. وأولهم السادات، الذي استقال وقتها فوراً وزير خارجيته محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية، حيث سماها مذبحة التنازلات، وكتب مقالاً كاملاً في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" وقال فيه: إن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. مواد كارثية حسب كثيرين، فإن المعاهدة حملت مواد كارثية أهدر فيها الجانب المصري الكثير من الحقوق، حيث نصَّت على تحديد عدد أفراد الجيش المصري في سيناء، التي قسَّمتها إلى ثلاث مناطق طولية؛ منطقة (أ) غرباً، وهذه يُسمح فيها للمصريين بقوات لا تزيد على 22 ألف مقاتل. ومنطقة (ب) في الوسط، ليس فيها إلا أربعة آلاف جندي من حرس الحدود بأسلحة خفيفة. ثم منطقة (ج) في الشرق، وهي ملاصقة لدولة فلسطينالمحتلة بإسرائيل، وهذه ليس فيها إلا قوات شرطة فقط. ليس هذا فقط، بل إن الباحثة المصرية، فاتن عوض، صاحبة أول رسالة ماجستير حول اتفاقية كامب ديفيد، كشفت أن الاتفاقية كان لها العديد من البنود السرية مشيرةً إلى أن السادات ومناحيم بيجين وكارتر وقعوا على بنود سرية أثناء مباحثات كامب ديفيد، حيت التزم السادات بموجب الاتفاقية الأولى التي وقعها مع بيجين بعدم اشتراك مصر في أي حرب يمكن أن تنشب بين إسرائيل ودولة عربية أو أكثر، بجانب التزام السادات بمساعدة إسرائيل في الكشف عن قواعد المقاومة الفلسطينية، وتبادل المعلومات الأمنية بين المخابرات المصرية والإسرائيلية!! الأخطر، وفق الباحث الدكتور عادل عامر، فإن المعاهدة رسخت لأول مرة في التاريخ العربي استبعاد فكرة الحرب كوسيلة لحل الصراع العربي الإسرائيلي.. وهذا ما ندفع ثمنه غالياً اليوم وطيلة كل السنوات الماضية عبر كل ما نراه على الأرض العربية. ويبقى تساؤل أمل دنقل قائماً، ينحرنا من الوريد إلى الوريد: فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ.. (في شرف القلب) لا تُنتقَصْ والذي اغتالني مَحضُ لصْ سرق الأرض من بين عينيَّ والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!