نحن بحاجة لتناول جديد للمعلوماتية في الحج، من حيث الشكل والموضوع. فقد انقضى للتو حج هذا العام، لتعاود الأجهزة المكلفة بالحج استعداداتها لحج العام القادم دون كلل أو ملل، فالحج يلتئم كل عام في وقته وميعاده. فيه منافع للناس، ذلك هو الحج. الحج قيمة عظيمة وركن واجب على كل مسلم أداؤه مع الاستطاعة. وللحج جوانب متعددة، لكن الأول والأهم هو الجانب التعبدي، طاعة لله تعالى. وثمة جوانب تابعة، اقتصادية واجتماعية. وكلها تتطلب أن تُدار إما من قبل الجهات الرسمية أو القطاع الخاص. ومع ذلك فالجانب الإعلامي هو الذي ينقل ما يحدث للعالم، ولذا يكتسب أهمية حرجة لما ينقله عن بلادنا وجهودها وإمكاناتها. وتزامناً مع حج هذا العام، أخذت أتابع الصور التي تنشر عن جهود الكوادر في خدمة الحجاج، محاولاً فهم كيف نتعامل مع الحج إعلامياً، وكيف نقدمه للعالم، ثم كيف نقدم وطننا وأنفسنا، وبكل تجرد، أقول: يبدو أن الرسالة لم تصلنا بعد بأن ثمة إعلاما جديدا يسيطر على المشهد عالميًا، ولا سيما عندما تشتد وتيرة الأحداث وتتوالى. الحج عبارة عن سلسلة متتابعة من المناسك، يحكمها زمان ومكان وكيفية، ويشارك فيها ملايين من الحجاج وعشرات الآلاف من الكوادر وفرق الإشراف والمسئولين على تراتب مستوياتهم، بهدف إتمام الحجاج للمناسك بنجاح. أما تعاطي المنظومة الإعلامية المحلية مع الحج، فيمكن الزعم بأنه ما برح يعيش فترة ما قبل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فتعاطيه تقليدي تماماً من حيث الجوهر. على الرغم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ أن توظيفها ما برح سطحياً متثائباً؛ يقوم على التغريدات المتفرقة، وليس على توصيل رسالة محددة، رغم أن لتلك الوسائل مختصين مهنيين من المواطنين، ليس لنقل الخَبَر بل لإحداث الأثر. وتحديداً، كيف استفدنا إعلاميًا استفادة احترافية من مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية مثل فيسبوك وتوتير في حج هذا العام؟ وما التطبيقات الذكية التي يمكن تحميلها على الجوال ليستفيد منها الحاج والمعتمر والزائر، سواء في الأحكام أو في التعرف على المكان حالياً أو عن تاريخه وشخوصه؟ وبالإضافة للجانب الإعلامي والإخباري، ثمة جانب تثقيفي توعوي، بوسعنا أن نساهم فيه ونحقق نتائج ذات مردود إيجابي مؤثر، لا سيما أن الأحداث أثبتت الأهمية المتصاعدة للتوعية في موسم الحج، وحتى قبل أن يصل الحاج للأماكن المقدسة، وسأعرض بعض الأمثلة البسيطة لبيان القصد؛ فما المواد الإعلامية المحملة على اليوتيوب والتي تحكي عن مكةالمكرمة والمدينة المنورة؟ وما المواد المحملة على اليوتيوب التي تبين المناسك، وتحاكي كيفية أدائها، والتي يمكن توظيفها لتكون مادة توعوية وتدريبية وبلغات مختلفة لمن يريد أن يستفيد منها؟ بل بوسع الجهات المعنية أن تتجاوز كل ذلك بأن تطلق بوابات الحج، يمكن من خلالها تواصل الحجاج وإرشادهم وتتبع حركتهم ضمن المناسك، ولن أغرقكم في التفاصيل، لكن الأمر يتسع حتى لتوفير جهاز لكل حاج وبه تطبيق بلغته، وكما ندرك فإن التقنية تقدمت بما يكفي للتواصل صوتياً وآنياً مع من لا يجيد القراءة والكتابة. وبالتأكيد ليس الأمر كله تقنيات معلوماتية واتصالات وتواصلاً اجتماعياً، بل جزء منه. وجزء آخر يُمكنّا من تطبيق مفاهيم وأساليب «البيانات الضخمة»، بما يتيح للجهة الرسمية المخولة التعرف على تحرك الموجات البشرية ككتلة واحدة والغور فيها لسبر ماهيتها والتعرف على تفاصيلها أكثر، حتى تصل للحاج الفرد، وتحديد إحداثيات مكانه في اللحظة والتو! وليس القصد في هذه الحالة التواصل، بل التعرف على حالة الموجة البشرية، وإن كان هناك ما يستدعي تدخلاً؛ للحفاظ على سلامة الحجاج أو سلاسة تفويجهم، فإن برزت حاجة فيكون التدخل جراحياً مباشراً، مستبقاً الجميع.