فوجئ الحاج الأفريقي آدم عند وصوله لمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة بمنحه عددا من المطبوعات التوعوية والإرشادية والتي تتحدث عن الحج، لكن آدم الذي ترافقه زوجته لأداء فريضة الحج للمرة الأولى في حياتهما لا يجيد القراءة والكتابة فهو يعيش في قريته الصغيرة في أطراف كينيا وقد تجاوز من العمر السبعين، وبالتالي فإنه لن يستفيد من تلك المطبوعات التي تشرح له نسك الحج وضوابط الصحة والسلامة. ليس آدم وحده من يمنح تلك المطويات والكتب التوعوية بل إن جل الحجاج الذين يأتون لأداء فريضة الحج يقابلون بها كخدمة تقدمها الجهات المعنية في الحج لتوعية الحجاج؛ لأنها الخطوة الأولى والأهم لحج آمن وسليم. لكن تلك الخطوة تواجه بعقبات عديدة تمكن في ارتفاع نسبة الأمية لدى نسبة لا بأس بها من الحجاج القادمين من خارج المملكة فقد كشف استطلاع «عكاظ» الذي أجرته مع مؤسسات الطوافة أن نسبة الأمية تترواح ما بين 30 إلى 60 في المائة من الحجاج القادمين إلى المملكة بحسب الدولة والقارة التي تنتمي إليها ففي دول جنوب آسيا تصل نسبة الأمية بين حجاجها إلى 40 في المائة وتصل في حجاج بنجلاديش إلى 60 في المائة، بينما في دول أفريقيا غير العربية تصل نسبة الأمية لدى حجاجها إلى 60 في المائة، وتقف نسبة الأمية عند حجاج جنوب شرق آسيا والدول العربية عند 35 في المائة، مما يعني أن ما يعادل من مليون حاج من قرابة مليوني حاج يأتون من خارج المملكة أميون أو أشباه أميين، خصوصا أن أغلبهم من كبار السن القرويين مما يعني أن فائدتهم من المطويات والكتب الإرشادية معدومة، وقد كشفت دراسة موسمية غير رسمية سابقة أن المرافق والجهات الخدمية في السعودية تصرف أكثر من ثلاثة ملايين ريال سنويا على قطاع المطبوعات التوعوية لضيوف الرحمن خلال موسم الحج من كل عام، مما يعني تكبد الجهات التي تطبعها خسائر أكثر من الفائدة التي تجنيها وهي إيصال الرسالة التوعوية للحاج مما يطرح السؤال حول مدى اعتماد الجهات المعنية بالتوعية على دراسات علمية للعملية التوعية ككل والتي تشمل الرسالة التوعوية والوسيلة الناقلة لها وطبيعة الملتقي قبل قيامها بالعملية أم أن القضية روتينية وارتجالية يغلب فيها الكم على الكيف. ومع ذلك فإن الجهات التوعوية لم تقصر حملاتها التوعوية على المطويات والكتب الإرشادية، بل إنها جنحت في السنوات الماضية نحو استخدام وسائل أخرى بصرية كعرض الأفلام والاعتماد على التوعية بلغة الإشارة في نقلة نوعية للوسائل التوعوية المستخدمة في الحج يأتي ذلك مع انحسار نسبة الأمية في الحجاج القادمين إلى المملكة عاما بعد عام، خصوصا مع تقدم العلم وقلة الأمية في العالم الإسلامي وظهور وسائل التقنية الحديثة، إلا أن المشكلة ما تزال قائمة فإرسال الرسائل التوعوية بعد وصول الحاج إلى داخل المملكة لن تلقى قبولا لديه، وهو ما أكده العاملون في مجال التوعية في الحج وذلك لقصر الفترة الزمنية وانشغال الحاج بالعبادة خلالها وعدم استيعابه للرسائل الموجهة بسبب الحالة النفسية التي يعيشها، خصوصا أن أغلبهم يقدمون لمكةالمكرمة للمرة الأولى في حياتهم، وهو ما أكدته أيضا دراسة لمعهد خادم الحرمين عن أن معظم العاملين في مجال التوعية في الحج يفضلون أن تكون التوعية قبل قدوم الحجاج من بلادهم، حيث بلغت نسبة المطالبين 64.82 في المائة. كما أن نسبة تعرض الحجاج لوسائل الإعلام المحلية وصلت إلى 13 في المائة فقط وفق دراسة لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، إضافة للعديد من الدراسات والأبحاث الأخرى التي تؤكد مدى جهل الحاج بطريقة أداء نسكه وعدم معرفته بالأنظمة وخطط الحج التي وضعت لسلام سير الحج بشكل صحيح وسليم وآمن بالرغم من تعرضهم لكم كبير من الرسائل التوعوية سواء عبر مؤسسات الطوافة ووزارة الحج، وزارة الداخلية، وسائل الإعلام، وزارة الشؤون الإسلامية، وزارة الشؤون البلدية، الدفاع المدني، الأمن العام، الصحة، وغيرها من الجهات الأخرى، مما يثبت نظريا وعمليا وتطبيقيا أن الفائدة قليلة وضعيفة جدا للتوعية أثناء وجود الحاج في المملكة. وقد أدركت حكومة المملكة ذلك فكانت الخطوة الأولى في طريق تصميم مفهوم التوعية في بلاد الحجاج إقامة المؤتمر الأول لتوعية الحجاج المنعقد في كوالالمبور (دولة ماليزيا) خلال الفترة من 35/7/1423ه برئاسة وزير الحج في تلك الفترة إياد بن أمين مدني وبحضور نحو أكثر من 52 وزيرا للأوقاف والحج والشؤون الإسلامية في الدول العربية والإسلامية والذي انتهى بتوجيهات في مقدمتها على الدول الإسلامية العمل مع وزارة الحج في المملكة العربية السعودية لإقامة ورش عمل لتوعية الحجاج في بلدانهم قبل وصولهم لتفادي وتجنب بعض السلوكيات الخاطئة التي تصدر من بعض الحجاج. المفهوم الأعمق ومنه انطلق مفهوم توعية الحجاج في بلادها بالشكل والمفهوم الأعمق والأشمل لتعم الفائدة جميع الأقطار الإسلامية، رغم وجود اجتهادات ذاتية من بعض الدول التي قدمت تجربتها الذاتية في مجال التوعية مثل ماليزيا وإندونيسيا والتي بلا شك استفاد منها الجميع، وعلى وجه الخصوص تنظيم الحجاج القادمين من تلك الدول التي أصلت التدريب وجعلته شرطا أساسيا لمن أراد الحج. وقد كان للدور السعودي في هذا البرنامج اليد الطولى حيث أقام عدة ورش عمل في شتى بقاع الأرض للتوعية، وذلك بإعداد برنامج خاص مع عرض مرئي الهدف منه إعداد الكوادر البشرية المدربة التي يناط بها إعداد برامج خاصة بتوعية حجاجها قبل مجيئهم للحج، إلا أن هذا المشروع توقف رغم عقد عدة ورش ووجود عدد كبير من الدورات التدريبية للحجاج قبل مجيئهم إلا أن أغلبها غير كاف ولا يفي بالطلب وهو ما أكدته دراسة لمعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، حيث بينت أن توجيه التوعية للحجاج بعد قدومهم بلغت نسبتها 61.17 في المائة، أما توعية الحجاج قبل قدومهم فكانت نسبتها 38.83 في المائة مما يعني أن التوعية قبل القدوم أقل من بعد القدوم رغم أن الفائدة تكون في التوعية القبلية في بلدانهم فهي أهم وأشمل وأكثر قدرة على إيصال الرسالة. وبنظرة فاحصة فيما يمارس في موسم الحج في مكة والمشاعر والمدينة المنورة نجد أخطاء كبيرة من قبل الحجاج عباديا ومسلكيا وهو نتاج جهلهم بأداء الشعيرة من ناحية، وعدم معرفتهم بالأنظمة والخطط الموضوعة للحج ما يسبب الكثير من الإرباكات والمشاكل في كل موسم حج، وقد أحس أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل بالمشكلة الكبيرة جراء قلة الوعي بالتوعية فأطلق حملة «حج بلا تصريح» والتي تعنى بتنظيم الحج، ثم أتبعها بحملة «الحج عبادة وسلوك حضاري» وهذا الشعار لا يتأتى إلا بتوعية شاملة يستوعبها الحاج ويحولها إلى حقيقية بسلوكه أثناء موسم الحج. «عكاظ» تساوقا مع الجهود الكبير في إيلاء مسألة التوعية أهمية كبرى؛ كونها حجر الأساس في حج آمن وسليم، فتحت الملف الشائك على جزءين وتساءلت عن أسباب انخفاض الوعي لدى الحجاج رغم الجهود الجبارة التي تبذلها الجهات المعنية في الحج! وهل تلك الجهود مبنية على دراسات علمية أم أنها روتينية وارتجالية يغلب فيها الكم على الكيف؟ وهل راعت الوسائل المستخدمة في التوعية أمية الحجاج وضعف ثقافتهم السلوكية والتعبدية؟! وهل القائمون على حملات التوعية مؤهلون بشكل كاف للقيام بهذه المهمة؟! وما الحلول لمواجهة ضعف الثقافة التوعوية لدى الحجاج؟ وهل التوعية في بلاد الحجاج مفعلة بشكل كاف مستعرضة النموذجين الماليزي والإندونيسي في ذلك؟ وبحثت عن جهود الجهات المعنية في التوعية والدراسات والأبحاث التي تقيمها سواء على مستوى حجاج الداخل أو الخارج وذلك في سياق التحقيق التالي: غير مجدية بداية يؤكد نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا الدكتور رشاد حسين، أن التوعية بشكلها الحالي غير مجدية معللا ذلك بقصر الفترة الزمنية التي يقضيها الحاج في المملكة وعدم استعداده الذهني والنفسي لتقبل التوعية مهما كانت، واعتبر بعض الجهود التوعوية التي تقوم بها بعض الجهات والتي تعتمد على توزيع الكتب والمنشورات بأنها تأتي من باب رفع العتب وأن جلها مضيعة للوقت والجهد والمال ولن تأتي بثمار إيجابية، واصفا بعض الجوانب التوعوية المقامة بأنها «توعية بالكيلو»؛ لأن الجميع يتسابق إلى تكديس المطبوعات والكتيبات التوعوية التي تقدم لحجاج أمين جلهم لا يقرأ ولا يكتب، مبينا أن نسبة الأمية في حجاج جنوب آسيا والذين يصل عددهم إلى 400 ألف حاج تتراوح ما بين 40 إلى 45 في المائة غالبيتهم من كبار السن ومن مجتمعات قروية وريفية، موضحا أن أعمارهم تترواح ما بين 50 إلى 70 عاما. وشدد حسين على أن المشكلة مركبة فالجهات المعنية في الحج تتعامل مع حجاج يتغيرون في كل عام مختلفي الثقافات واللغات، مؤكدا أن عمل حملات التوعية أثناء وجودهم في المملكة أمر غير مجد وأنه لا حل لهذه المشكلة المتجددة في كل عام إلا بالتوعية المبكرة من بلدانهم وعلى فترة زمية طويلة، مفيدا أنه لضمان وصول الرسالة التوعوية لا بد من مادة توعوية وقناة لإيصالها وفترة زمنية كافية لإيصال الرسالة، وأي خلل في أي من أركان العملية التوعوية فإنها لن توصل الرسالة بالشكل الصحيح. وبين نائب رئيس مجلس إدارة حجاج جنوب آسيا أن المادة والمعلومات موجودة لكن الإشكالية تكمن في القناة الموصلة والفترة الزمنية، مشيرا إلى أن معظم الحملات التوعوية قصيرة الزمن ولا تفي بالغرض حتى التي تقام في بلاد الحجاج قبل وصولهم، منتقدا بعض بعثات الحج التي تتقاعس عن أداء دورها التوعوي لحجاجها في بلدانهم متجاهلة الاتفاقيات والأنظمة والاشتراطات التي تحث على التوعية في بلاد الحجاج وقبل وقت كاف. ورش عمل ولفت الدكتور رشاد إلى أن مؤسسته تواصل جهودها مع بعثات الحج بتوعية الحجاج بدولهم وتقيم عدة ورش عمل لذلك، وهناك تقدم في هذا الإطار عاما بعد عام، رابطا رفع وعي الحجاج في دولهم بمؤسسات الطوافة التي يجب ألا تيأس ولا تتقاعس من خلال متابعة قضية التوعية للحجاج في مجيئهم للمملكة وأن تستفيد من التقدم التقني في إيصال الرسائل، خصوصا للحجاج الأميين، مبينا أن المؤسسة قد اتفقت مع خطوط الطيران بعرض أفلام توعوية عن الحج في الطائرات لكن واجهتهم مشلكة في عدم قدرة بعض الخطوط على عرض هذه الأفلام التوعوية. وصنف حسين الحجاج القادمين إلى ثلاثة أصناف: قسم لديهم نسبة عالية من الوعي والإدراك والثقافة وهولاء يمثلون فئة قليلة، وقسم آخر ليس لديه أي معلومة، والقسم الثالث لديه معلومات خاطئة والفئتين الأخريين يمثلان السواد الأعظم من أعداد الحجاج، مشددا على أن التوعية ليست شكلا واحدا فهناك توعية تعليمية وهناك توعية صحية، مؤكدا على أن التوعية لا تقوم إلا على دراسات وأبحاث لمعرفة نوعية الحجاج القادمين وتقديم التوعية المناسبة لهم، مطالبا كافة الجهات المعنية بمواصلة جهودها بناء على دراسات علمية وذلك باختيار المكان والزمان المناسبين لتوعية الحجاج، ورأى حسين أن المسألة بحاجة لخبراء ومختصين في التوعية «حتى نضمن إيصال الرسالة»، مبديا تفاؤله من الخطوات التي تقوم بها كافة الجهات والتي ستسهم بعد عدة سنوات في تحسن مستوى الوعي. أمية الحجيج وصادق رئيس مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية عبدالواحد برهان سيف الدين على كلام حسين بأن نسبة الأمية الكبيرة لدى الحجاج تحتم عليهم التوعية قبل الوصول بفترة زمنية كافية وباستخدام وسائل ملائمة لثقافة الحجاج ووعيهم، مبينا أن نسبة الأمية تصل في حجاج أفريقيا غير العربية إلى 60 في المائة من الحجاج البالغ عددهم 180 ألف حاج يأتون من 46 دولة أفريقية. وأوضح أن مؤسسته تتعاون مع بعثات الحج في التركيز على التوعية القبلية مستفيدة من تجربتي إندونيسيا وماليزيا، وشدد على أن مسألة استفادة الحجاج من التوعية بعد وصولهم إلى المملكة ضعيفة ومحدودة لذلك فإن المؤسسة كثفت البرامج التوعوية للحجاج الأفارقة في كافة المجالات التعبدية، السلوكية، الصحية، والتنظيمية، مفيدا أن هناك تقييم أداء للبرامج التوعوية لتطويرها عاما بعد عام. وأرجع رئيس مؤسسة مطوفي حجاج دول جنوب شرق آسيا زهير سدايو ضعف قدرة الجهات المعنية في إيصال الرسائل التوعوية إلى عدم المعرفة الدقيقة لثقافات الحجاج، مبينا أن هناك اعتقادا بأن الحجاج الذين يأتون من بلد واحدة ثقافتهم واحدة ولغتهم واحدة وهذا أمر خاطئ؛ لأن كثيرا من الدول الإسلامية مختلفة الثقافات واللغات وبالتالي فإن نجاح إيصال الرسالة مرهون بمعرفة خلفيات الحجاج وثقافتهم ولغاتهم، خصوصا أن غالبية الحجاج أشباه أميين أو كبار السن، مفيدا أن هذا لا يكون إلا بالتوعية في بلاد الحاج لمعرفة بعثاتهم باختلاف ثقافاتهم ولغاتهم، وأفاد سدايو أن نسبة الأمية في حجاج دول جنوب شرق آسيا تصل إلى 40 في المائة من أصل 300 ألف حاج، معتبرا أن مؤسسته محظوظة بانتساب دولتين تعدان إنموذجا في التوعية المبكرة قبل وصول الحجاج وهي ماليزيا في المقام الأول ومن ثم إندونيسيا. الرسالة التوعوية ورفض سدايو التهمة التي تلاحق الخطط التوعوية الموضوعة من الجهات الرسمية في المملكة بأنها ارتجالية لكنه يرى أن مشكلتها أنها رسالة توعوية واحدة لحجاج مختلفي الثقافات واللغات وهو أمر يؤثر على إيصال الرسالة، مطالبا بضرورة مراعاة اختلاف الثقافات واللغات وتفصيل الرسائل وفقها بالاستعانة مع بعثات الحجاج. وفي الوقت الذي اتفق رأى نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة حجاج الدول العربية المهندس طلال بن حسين محضر مع آراء حسين وسيف الدين وسدايو في أن التوعية القبلية هي حجر الأساس، لكنه اختلف معهم في أن مشكلة عدم تطبيق الحجاج للرسائل التوعوية تأتي بسبب عدم معرفة القائمين على التوعية في مؤسسات الطوافة ببعض الأمور الأساسية في الحج مثل استخدام جسر الجمرات، مشيرا إلى أن الدولة تنفق عشرات الملايين على المشاريع حتى تسهل على الحجاج أداء نسكهم لكن المشرفين على هذه المشاريع لا يركزون على قضية استخدام الحجيج لمثل هذه المنشآت مثل جسر الجمرات وقطار المشاعر وغيرها، وتساءل محضر إذا كان المطوف لا يعرف كيف يستخدم هذه المشاريع التي وضعت لخدمة الحجاج فكيف يستطيع أن يوصل المعلومة للبعثة أو حجاجه؟! وأشار إلى أنه في حالة إعطاء شرح للمطوف أو للبعثة عن طريقة استخدام هذه المشاريع أو عن بعض الأنظمة في الحج فإنها تكون في فترة زمنية قصيرة وقبل الحج بأيام معدودة وتركز على الجانب النظري بحيث لا يستوعب الحاج أو البعثات بشكل كاف يؤهلهم لتوصيل المعلومة الصحيحة للحاج. وبين محضر أن نسبة الأمية في حجاج الدول العربية لا تزيد عن 40 في المائة في أقصى الحالات من أصل 350 ألف حاج عربي يأتون سنويا، مبينا أنه لا توجد دراسة علمية تقيس نسبة الأمية بين الحجاج وهو أمر في غاية الأهمية؛ كونه يضع اليد على الجرح ويوجه التوعية بالطريقة الصحيحة وفق المعطيات العلمية، ورفض محضر معرفته بعلمية الحملات التوعوية التي تقوم بها الجهات الرسمية من عدمها، مشددا على أن القضية برمتها تحتاج إلى دراسات علمية تبين ذلك. ولاحظ محضر أن الحجاج العرب قد يملكون معلومات وخلفيات عن الأنظمة في المملكة لكن كثيرا منهم لا يملك الثقافة الدينية التي تعينه على أداء نسكه بيسر وسهولة، محملا ذلك وزارة الشؤون الإسلامية بضرورة توعية الحجاج بشكل وسطي ووفق ثقافتهم الدينية مراعية الاختلافات المذهبية والدينية. اختلاف الثقافات لكن مستشار وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الحج والعمرة والزيارة الشيخ طلال العقيل نفى أن تكون وزارة الشؤون الإسلامية مقصرة في جانب التوعية الدينية، مبينا أن الوزارة بنيت توعيتها على دراسات وأبحاث علمية وأنها راعت اختلاف ثقافات ومذاهب الحجاج باستخدامها 32 لغة في التوعية، مفيدا أن الوزارة جنحت نحو استخدام طرق أخرى للتوعية غير توزيع الكتب والمطويات والإرشادية بتوجهها الكبير نحو الفضائيات حيث أعدت الوزارة برامج فضائية وزعت على 80 فضائية عربية منذ بداية شهر القعدة، وكذلك أعدت 130 حلقة ب 11 لغة مثل «الإنجليزية والفرنسية والهولندية والتركية والفارسية والإندونيسية والأوردو والهوسا وغيرها» لبثها في تلفزيونات الدول الإسلامية إضافة للتلفزيون السعودي، مبينا أن الوزارة تتواصل مع التلفزيونات الحكومية عبر الملاحق الثقافية والدينية في سفارات المملكة المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وأفاد العقيل أن الوزارة تتبع في بيان أحكامها للحج على الكتاب والسنة ومبدأ المشقة تغلب التيسير وأنها في كل برامجها التوعوية ترفع شعار «افعل ولا حرج» تخفيفا عليهم، نافيا أن تشتت الوزارة الحجاج بالفتاوى والإرشادات الدينية المخالفة لما تعلموه في بلادهم قائلا «مهمتنا تكمن في تهدئة الحاج بتثبيت المعلومة التي لديه لأن غالبية الحجاج يقدمون لمكة لأول مرة فتكون حالتهم النفسية والذهنية غير مستقرة وتكثر الأسئلة لديهم حول كثير من القضايا الدينية في الحج ونحاول أن نثبت لهم المعلومة إن كانت لديه في الأصل أو نشرحها له إذا لم تكن لديه معلومة أصلا» . وأضاف العقيل «بعض الحجيج لديه معلومة خاطئة وهنا تكمن المشكلة لأنه قد لا يقبل تصحيحها خصوصا أن كثيرا منهم كبار سن وأميون لا يستعبون ما يقال لهم لذلك نحاول استخدام طرق إقناعية مختلفة». التفرغ الذهني وحمل العقيل وقوع الحجاج في الأخطاء أثناء أدائهم للفريضة لجهلهم وعدم سؤالهم وكذلك عدم استيعابهم للتوعية والإرشاد بسبب انشغالهم بأداء النسك وعدم تفرغهم الذهني لتلقي أية معلومة جديدة، مشددا على أهمية التوعية القبلية، ومحملا الحجاج جزءا من المسؤولية بضرورة السؤال والتواصل وتثقيف النفس قبل الحج من خلال مختلف الوسائل المتاحة كالعلماء والدعاة والشبكة العنكبوتية، وأشار إلى أن معالجة ندوة الحج الكبرى لقضية التوعية في هذا العام بعد أن عالجتها عام 1397ه يأتي ضمن الجهود المبذولة لعلاج قضية التوعية التي تعتبر الحجر الأساس في أداء الحاج لنسكه بشكل صحيح وسليم. وهنا يوضح مستشار وزير الحج وأمين عام ندوة الحج الكبرى الدكتور هشام العباس أن الندوة عالجت التوعية من جميع الجوانب السلوكية والدينية والصحية، مشددا على أن الباحثين المشاركين من الدول الإسلامية ستستفيد وزارة الحج من بحوثهم في مسألة تطوير برامج التوعية في الحج من جميع الجوانب. ولم يختلف رأي أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار عن رأي سابقيه بأن التوعية بعد وصول الحاج ليست ذات جدوى عالية بسبب ضيق الوقت الذي يقضيه الحاج، واختلاف الثقافات واللغات وارتفاع نسب الأمية وعدم استعداد الحجاج ذهنيا ونفسيا لتقبل الرسائل التوعوية، مشددا على أهمية مسألة صياغة الرسالة الإعلامية لا يمكن أن نوعي الحاج الأمي بكتب ومطبوعات، مؤكدا على أهمية التوعية في بلدان الحجاج مستفيدين من التجارب الماليزية والإندونيسية والسنغافورية، وبين البار الذي عمل في وقت سابق عميدا لمعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج أن هناك مسألة غاية في الأهمية لا تلتفت لها الجهات المعنية بالتوعية وهي مراعاة خلفيات الحجاج، موضحا أن الجهات التوعوية على سبيل المثال تعتقد أن كل قادم من باكستان يتكلم الأوردية فتصيغ رسالتها على هذا الأساس وهو أمر خاطئ لأن هناك في الباكستان لغات محلية مثل السندية وغيرها يتكلمها الحجاج ولا يعرفون غيرها، وبالتالي فإن الرسالة لا تصل خصوصا عندما نتعامل مع شريحة القرويين والريفيين الذين يمثلون الفئة الكبرى من الحجاج، لكن البار أكد أن هناك ارتفاعا في مستوى الحجاج المتعلمين. الحمل الأكبر وبين البار أن أمانة العاصمة التي تعتبر جزءا من وزارة الشؤون البلدية والقروية تصنع رسالتها التوعوية للحجاج بالتعاون مع مؤسسات الطوافة ووزارة الحج ووسائل الإعلام، وحمل البار الحمل الأكبر في مسألة التوعية على وزارة الحج المناط بها تنظيم كل مسائل الحج ومن أهمها التوعية، ولم يستثن المعهد في متابعة الجهود وتقييمها وعمل الدراسات والأبحاث التي تساعد كافة الجهات على أداء رسالتها التوعوية والتخطيط لها مطالبا وزارة الثقافة والإعلام بأداء دور أكبر في هذا الصدد. ولم يستثن الدول التي يأتي منها الحجاج من مسألة القصور، معتبرا أن لها المسؤولية الأكبر في نجاح الحملات التوعوية على كافة الأصعدة. وزارة الصحة لم تكن بعيدة عن قضية التوعية كونها أحد أبرز القطاعات الحكومية المساهمة في هذا المجال فقد دافعت عن دورها على لسان المتحدث الرسمي باسمها الدكتور خالد المرغلاني الذي أكد على أن الصحة تتبع منهجا عمليا في قضية توعية الحجاج، مبينا أن هناك في الوزارة إدارة عامة متخصصة في التوعية ومركز معلومات، موضحا أن الوزارة تحدد الشريحة التي تريد مخاطبتها حتى تصنع لها الرسالة المناسبة، مشيرا إلى أنهم سبقوا وأعدوا دراسة عن أفضل الطرق لإيصال الرسائل الصحية للحجاج خصوصا الأميين منهم فاتجهوا إلى الاتصال الرمزي القائم على إشارات الصح والخطأ على الصورة حتى يستوعبها الحاج إضافة لطبعة كتب بثلاث عشرة لغة وعرض أفلام مصورة في وسائل الإعلام وعلى متن طائرات الخطوط الجوية السعودية المحملة بالحجاج وفي منافذ وصول الحجاج البرية والبحرية والجوية، لافتا إلى أنهم قد وضعوا خطوطا مجانية للرد على استفسارات حجاج الداخل أو الخارج وأرسلوا كتيبات إرشادية للدول الإسلامية واستخدموا كل الوسائل المتاحة لمخاطبة كل الحجاج بكافة شرائحهم مراعين اختلاف لغاتهم وثقافتهم وخلفياتهم العلمية والإدراكية، وبين المرغلاني أنهم طلبوا من جهات علمية محايدة تقييم كل وسائلهم ومن تلك الجهات معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، وأفاد أن الوزارة لا تنتظر حتى يصل الحاج للمملكة حتى توعيه، مضيفا «منذ انتهاء الحج نراقب الوضع العام الصحي في العالم بمساعدة منظمة الصحة العالمية وبناء على ذلك توضع الاشتراطات الصحية وترسل عن طريق سفارات المملكة لكل الدول حتى لا يأتي حاج إلا وهو ملتزم بالاشتراطات والضوابط التي تضعها وزارة الصحة، مشيرا إلى أن ثمرة ذلك جاءت بعد دراسة أجرتها الوزارة وجدت أن 97 في المائة من الحجاج القادمين إلى المملكة جوا ملتزمون بالاشتراطات الصحية التي وضعناها، معتبرا أن العمل الصحي في مجال التوعية يعتبر منظما أكثر من أي قطاع خاص ومبني على روئ علمية، مرحبا بالتعاون مع كافة الجهات ومؤيدا لفكرة وضع استراتيجية للتوعية تلتزم به كل الدول الإسلامية من كافة الجوانب لتحقيق حج آمن وسليم وصحي. مسؤولية المؤسسات وحمل مساعد مدير الأمن العام قائد قوة أمن المشاة في الحج اللواء سعد الخليوي مؤسسات الطوافة مسؤولية توعية الحجاج كونها أكثر الجهات تواصلا مع البعثات وأكثر قدرة على إيصال الرسالة التوعوية لهم، مشددا على رأي سابقيه بأن التوعية في بلدان الحجاج هي الأساس، مشيرا إلى أن عملية التوعية تكاملية تشارك فيها كافة الجهات بلا استثناء. وأوضح الخليوي أن جهود الأمن في التوعية تبدأ قبل الحج بثمانية أشهر عند حضور رؤساء البعثات إلى مكة حيث يتم الالتقاء بهم وشرح كافة الخطط الأمنية للحج المقبل بالتعاون مع وزارة الحج ومؤسسات الطوافة، إضافة لعقد العديد من ورش العمل واللقاءات التوعوية من بعد عيد الفطر في حملة توعوية كبرى عبر وسائل الإعلام واللوحات الإرشادية في الطرق التي تستخدم الرموز والكلام لمخاطبة كافة شرائح الحجيج، وطالب الخليوي بأهمية وضع روزنامة تشمل كل المحاذير في الحج وتوزيعها على الدول الإسلامية لضمان تقيد الحجاج بها، معتبرا أن هناك تقدما كبيرا في الوعي التوعوي للحجاج القادمين من الخارج. رأي الناطق الإعلامي لقوات الدفاع المدني في الحج الرائد عبدالله العرابي الحارثي لم يذهب بعيدا عن أهمية التوعية للحجاج في بلادهم، نافيا أن تكون البرامج التي تنفذها الجهات العامة في الحج تقليدية ومرتجلة وقال «لا يمكن إطلاق أحكام عامة حول برامج التوعية في الحج، فهناك بالطبع وسائل تقليدية، وهناك برامج مبتكرة، وهذا التنوع في برامج التوعية يتناسب مع التباين الكبير في المستويات التعليمية والثقافية للحجاج. وأشار الرائد الحارثي إلى حرص الدفاع المدني على تقييم البرامج التوعوية التي يتم تنفيذها في الحج، ضمن الدراسات الخاصة بتقييم الأداء في تنفيذ خطة تدابير الدفاع المدني لمواجهة الطوارئ خلال موسم الحج سنويا، ويتضمن ذلك دراسة مدى استفادة الحجاج من هذه البرامج والشرائح الأكثر استفادة من رسائل بعينها، مؤكدا أنه على ضوء تلك الدراسات تقرر إطلاق قناة خاصة للدفاع المدني على «يوتيوب» وصفحات خاصة على « الفيس بوك» و«تويتر» لتوعية الحجاج بمتطلبات السلامة قبل وصولهم إلى المملكة والاستفادة من الزيادة الكبيرة في مستخدمي شبكة الإنترنت. محدودة التأثير وأوضح الرائد الحارثي أن ثمة مشكلة تحد من تأثير البرامج التوعوية خلال موسم الحج ترتبط بعدم وصول الرسالة التوعوية في الوقت والزمان المناسب، ومرجع ذلك هو انشغال الحجاج بأداء المناسك طوال الوقت، لافتا إلى سعي الدفاع المدني لتكثيف برامج التوعية في مساكن الحجاج عبر أفلام يتم بثها داخليا بالتنسيق مع إدارات الفنادق ومساكن الحجاج، ومؤسسات الطوافة، ونشر عدد كبير من اللوحات التي تعرض إرشادات توعوية في الطرق التي يسلكها الحجاج بالعاصمة المقدسة والمدينة المنورة، والمشاعر، وتوزيع مطبوعات مصورة في منافذ الوصول بأكثر من عشر لغات وفي هذا الإطار تم التنسيق مع أكثر من 18 شركة طيران هذا العام، لبث مواد توعوية على متن الرحلات التي تقل الحجاج إلى المملكة. ولفت الرائد عبدالله العرابي الحارثي إلى أن برامج التوعية في الحج، تظل محدودة التأثير، حيث إن الوصول إلى الأهداف المنشودة يستلزم تنفيذ هذه البرامج، في بلدان الحجاج، قبل وصولهم إلى المملكة بوقت كاف، وأن تكون الرسائل التوعوية باللغة التي يفهمها الحجاج، وأن تشتمل هذه الرسائل من حيث المحتوى على ما يعزز السلوكيات الإيجابية، وتغيير الأنماط السلبية في التعامل مع الأخطار التي قد يتعرض لها الحاج. وأشار إلى أن الدفاع المدني كان سباقا في توعية الحجاج في أوطانهم منذ عام 1415ه، من خلال التعاون مع سفارات حكومة خادم الحرمين الشريفين في الخارج وبالتنسيق مع وزارة الخارجية السعودية ووزارة الحج.