بعد التخبط المتكرر، ظهر لدى أوروبا فجأة فرصة القيام بالشيء الصحيح حول ديون اليونان التي هي غير قابلة للاستدامة. قد يكون هذا أمرا مأساويا- بالنسبة إلى كل من اليونان وأوروبا على حد سواء- لو لم يتم استغلال هذه الفرصة. هناك تطوران حدثا في الفترة الأخيرة، وقد اجتمعا معا لخلق هذه اللحظة: وهما فوز حزب سيريزا في الانتخابات اليونانية التي أقيمت يوم الأحد الماضي، وطوفان المهاجرين الداخلين إلى اليونان. تماشيا مع القدرة على المناورات السياسية الثاقبة التي أظهرها أليكسي تسيبراس خلال العام الماضي، عمل زعيم حزب سيريزا مرة أخرى على تحدي التنبؤات وضَمِن ولاية ثانية لقيادة الحكومة. لقد حقق هذا النصر رغم انقلابه المذهل بمعدل 180 درجة عن وعده الأساسي الذي قامت عليه حملته السابقة- وهو أنه سوف يضع حدا للتقشف المفروض من قبل منطقة اليورو- والذي أدى إلى خروج شخصيات هامة من حزبه. وعندما يتولى منصب رئيس الوزراء هذه المرة، فسيجد أن شركاءه الأوروبيين الذين كانوا معادين له سابقا قد تحسنت علاقاتهم معه إلى حد كبير. إن التاريخ حافل بأمثلة على سياسيين كانوا عناصر حافزة على التغيير وكانوا قادرين على تحقيق نتاجات غير محتملة. في كثير من الحالات، قدمت لهم خلفية الحدس لديهم مصداقية لإقناع مواطنيهم بالحاجة إلى اتخاذ خطوات جذرية. كمثال على ذلك لننظر إلى رئيس البرازيل السابق لويز إناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان مسؤولا في اتحادات العمال والذي قدم، بعد أن تم انتخابه في عام 2002، سلسلة مؤثرة وفاعلة من الإصلاحات الاقتصادية التقليدية التي بدت متعارضة مع المعتقدات التي اعتنقها خلال السنوات العديدة التي قضاها في المعارضة. بإمكان أوروبا تقوية يد تسيبراس عن طريق تقديم المزيد من إعفاءات الديون، التي حجبتها مرارا وتكرارا والتي يعتقد معظم المحللين، بمن فيهم الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي، بأنها لازمة لتحقيق انتعاش قابل للاستدامة في اليونان. وفي الوقت الذي تتدفق فيه موجات اللاجئين من الشرق الأوسط إلى اليونان، الأمر الذي يصعِّد ويعمِّق من ضغوط الهجرة غير العادية التي تمر بها أوروبا، لدى الدائنين، بقيادة ألمانيا، الآن ذريعة للإعفاء من قروض الإنقاذ السابقة التي سبق أن قدموها إلى اليونان. في الواقع، بإمكان تلك البلدان تبرير المساعدة المقدمة لليونان بالإشارة إلى دورها الحدودي المتمثل في كونها ميناء دخول إلى أوروبا، الأمر الذي يجعل تأثير أزمة اللاجئين حادا بشكل خاص. إن اتخاذ إجراءات مبكرة تدل على العزم من قبل أوروبا لتخفيف عبء الديون المفرطة في اليونان قد يعطي دفعة لحكومة سيريزا الجديدة التي ما زال عليها أن تنفذ سلسلة من الإصلاحات المالية والاقتصادية الصعبة. كما أنها قد تفتح أيضا الباب أمام صندوق النقد الدولي لإعادة الانخراط مع القضايا الخاصة بديون اليونان، وقد تعمل على تأمين أساس أفضل للمشاركة المستمرة من قبل البنك المركزي الأوروبي. لكن الأهم من كل ذلك هو أن هذا سوف يساعد على رفع سحابة الديون التي تثبط وتحول دون قدوم تدفقات داخلة من القطاع الخاص، وهو ما يعمل على تقويض النمو نتيجة عدم توافر الأموال اللازمة للاستثمار. علينا أن ندرك أن رفع سحابة الديون عن كاهل اليونان هو أمر لا تستطيع أية جهود واقعية من التقشف أن تتغلب عليه من الناحية العملية.