أفاقت قرية ريفية صغيرة بأقصى الشمال الدنماركي تدعى كفيسيل "Kvissel"، في 16 سبتمبر 2015م، على صدى فاجعة قيام المراهقة الدنماركية (ليسا بورش) بقتل والدتها طعناً بالسكين، بعد مشاهدتها فيديو مقتل الرهينتين البريطانيين ديفيد هاينز والان هينينج على يد مقاتلي التنظيم. وذكرت صحيفة إندبندنت، أن التحقيقات أوضحت أن (بورش) كانت على علاقة بشاب من أصول عراقية، فيما كان يعتقد أن الاثنين كانا يخططان للهروب إلى سوريا والانضمام لداعش، كما وجدت التحقيقات أن (بورش) كانت تعانى من إدمان مشاهدة مقاطع الفيديو الدعائية الخاصة بتنظيم داعش من خلال فحص جهاز الكمبيوتر الخاص بها. هذه القصة رغم مأساوية بشاعتها إلا أنها أصبحت كعشرات القصص المأساوية التي باتت تتردد في وسائل الإعلام وعلى ألسن الناس، من قدرة هذا التنظيم (داعش) على استغلال شبكات التواصل الاجتماعي؛ لتجنيد المراهقين مستغلا العاطفة المشبوبة وروح المغامرة، كقضية يزيد أبو نيان (23 عامًا) والتي أشار مؤتمر وزارة الداخلية السعودية إلى أن الشاب تم تجنيده عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيره من الشباب الذين تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ففي دراستين مهمتين الأولى بعنوان "القوى الخفية لداعش في الإعلام الجديد" أجراها فريق بحثي من جامعة الملك سعود، عن أن التنظيم يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب؛ لمعرفته أن الشباب يقضون معظم أوقاتهم على "الإنترنت". كما تؤكد الدراسة أن 80% من مخزون التنظيم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للجميع، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة. أما الدراسة الثانية والتي أعدتها مؤسسة وطني الإمارات، بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات، وخدمة الأمين، ومركز دبي للأمن الإلكتروني، من أن معظم عمليات التجنيد التي يقوم بها داعش، تتم عبر مواقع التواصل الإلكتروني، مبينة أن التنظيم يملك أكثر من 90 ألف صفحة على موقعي (فيسبوك وتويتر) باللغة العربية، و40 ألفاً بلغات أخرى. وبالتالي فقد استغل هذا التنظيم مواقع التواصل الاجتماعي كأحد أبرز أدوات الحشد الشعبي خاصة (فيسبوك) و(تويتر) و(يوتيوب) بهدف جذب وتجنيد الشباب ( المراهق) للانضمام إليه. واعتقد ان نجاح التنظيم على المستوى الاعلامي يكمن في أمرين رئيسين: الأمر الأول: بروباغندا إعلامية بتقنية هوليود، فمن فيديوهات بكاميرا رديئة الجودة مع "تنظيم القاعدة" إلى استخدام تقنيات تصوير هوليودية ومؤثرات صوتية متطورة. فهذا التنظيم اعتمد على استقطاب عدد كبير من الشباب الذين لديهم خبرة في استخدام أدوات التواصل الاجتماعي وصياغة الرسائل الاعلامية الجاذبة للشباب باستخدام تقنيات هوليوودية متطورة. وأبرز الامثلة على ذلك هو مقطع الفيديو الذي بثه التنظيم لإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والذي أبهر كثيرا من المتخصصين في مجال الإخراج السينمائي والغرافيك والتصوير؛ لما احتواه من سيناريو محكم، وتصميم غرافيك محترف، وتصوير عالي الدقة من زوايا متعددة وهو ما نراه في الأفلام الأمريكية العالمية. كذلك في قصة البريطاني جنيد حسين والذي كان يسمى بالعقل الإلكتروني لداعش، عمره لم يتجاوز ال 23 سنة، سجن في 2012 لاختراقه حساب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ثم انضم الى داعش واسس فريق هاكرز سماه ب"الخلافة الإلكترونية" وأخيرا قبل موته نفذ هو وفريقه الهجوم الإلكتروني على حساب وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، على تويتر. أيضا في ابريل الماضي 2015 قام مجموعة من الشباب المنضمين إلى داعش باختراق قناة "TV5 Monde" "تي في 5 موند" الفرنسية لأول مرة، حيث شلوا 11 قناة موجهة لمختلف القارات، في سبيل اعتراضهم لانضمام فرنسا للتحالف الدولي ضد داعش. وبالتالي كل هذه الأمثلة تؤكد ان التنظيم يحرص على استقطاب شباب محترف لديه خبرة عالية في استخدام الانترنت بهدف التجنيد وإثارة الرعب. الامر الثاني: سلاح بروباغندا بعرق الشعب السوري والعراقي. ففي تقرير بعنوان "الأجنحة الإعلامية السبعة لقسم اتصالات تنظيم داعش" للباحث صبرا القاسمي، يقول فيه ان التنظيم خصص قرابة 3 مليارات دولار من ميزانيته لتمويل العمليات الاعلامية. وبالتالي استطاع التنظيم استيراد احدث الاجهزة والكاميرات التي مكنت التنظيم من التصوير بتقنية متقدمة للغاية، تكاد تصل جودتها إلى جودة الأفلام الأميركية. وهذا الصرف جاء نتيجة استيلاء التنظيم على عرق الشعب العراقي والسوري من تصدير النفط. فتشير كثير من التقارير على ان مداخيل التنظيم من عمليات تصدير النفط إلى دول المنطقة تصل إلى 3 ملايين دولار أميركي يومياً. وبالتالي اذا اجتمعت التقنية العالية مع الانفاق الكبير اختفى سر نجاح في عملية التجنيد إعلاميا. وأخيرا.. أعتقد أنه من الضروري على المؤسسات الدينية المعتدلة، الرسمية وغير الرسمية، تفعيل دورها على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ كخطوة تمهيدية لتطويرها، وتنشيط دورها في نشر ثقافة الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر، والحد من ظاهرة التطرف الديني والغلو المذهبي. فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت للأسف الوعاء الذي يستقي منه الشباب ثقافته الدينية، فلا بد من لفت الانتباه لها وعدم التغافل عنها، فقد أصبحنا في ساحة حرب افتراضية نقاتل تنظيما أسلحته هي أبطال الديجيتال.