إن رحلة الحج على ما فيها من مشقة وتعب وغربة وصعوبات، تعتبر حلم كل مؤمن لما يجده من الراحة النفسية الكبيرة بعد الحج. والغريب أننا إذا سألنا أي حاجّ قدم حديثاً من الأراضي المقدسة وقلنا له: ما رأيك بالعمل الذي قمتَ به، فسيقول على الفور: أتمنى أن أحج إلى بيت الله كل عام!! فما هو سرّ هذه الراحة النفسية التي يلمسها كل إنسان ذهب لأداء هذه الفريضة؟ إن الجواب بسيط، وهو أن هذه العبادة إذا أداها الإنسان بشكل صحيح فإنها تقوم بتفريغ الشحنات السلبية وإعادة شحن بالشحنات الإيجابية. ومن عجائب ما وجدت في أحاديث النبي الكريم إشارة واضحة إلى هذا الأمر، حيث يؤكد أن الحج يفرغ ما يحمله الإنسان من ذنوب وأخطاء، يقول عليه الصلاة والسلام: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة) [رواه ابن حبان في صحيحه]. ولكن إذا كان الحج ينفي الذنوب فكيف ينفي الحج الفقر؟ كما رأينا فإن هذه الرحلة تعيد للجسم طاقاته فيصبح أكثر قابلية للعمل وكسب الرزق، ولذلك فإن الحج يساعد الإنسان على القضاء على الفقر!! من عظمة القرآن أنه تحدث عن منافع كثيرة للحج قبل أن يكتشفها العلم الحديث فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 27-29]. ولو أردنا أن نتعمق أكثر في هذه العبادة العظيمة فلن نستطيع إحصاء فوائدها ومنافعها. إن علماء الغرب اليوم يعترفون بالمنافع الكثيرة للحج، ولكن على طريقتهم، حيث إن الحج عندهم هو مجرد رحلة إلى مكان محدد كل عام أو كل عدة أعوام، ومع أن هذه الأنواع من الحج لا يمكن مقارنتها مع الحج إلى بيت الله الحرام، إلا أنني أجد من المناسب أن نستشهد بأقوالهم عن منافع الحج. فإذا تأملنا المواقع التي تقوم بدعاية للحج إلى مناطق مقدسة عند الهندوس في الهند، وهذه الدعاية ينجذب لها الناس من مختلف دول العالم الغربي، فإننا نجد أحد أساليب الدعاية لديهم الحديث عن منافع هذا الحج وهو حج يعتمد على زيارة لقبور القديسين للتبرك بهم فقط، وتجدهم يعددون المنافع لهذا الحج: فهو وسيلة لشفاء العديد من الأمراض، وهو وسيلة لتعلم الكثير في الحياة والحفاظ على مستوى طاقة عال، يعيد توازن الجسم، ويزيد النشاط العقلي والعاطفي والجنسي، وهو مصدر للطاقة. فإذا كانت هذه المنافع قد لمسوها من مجرد زيارة لقبر قديس فكيف بزيارة بيت الله رب العالمين سبحانه وتعالى؟!