"برقٍ يصبْ الرفيف" غيضٌ من فيض..! "برقٍ يَصبْ الرفيف" جزء في سياق وجملة في شطر بيت وومضة شاعرية من عدة ومضات مصدرها قصيدة مترفة البناء بجذمَيْه، مع ذلك لوَت لها رقاب التّذوق وتهافتت عليها فراشات الإعجاب، ناهيك عن نهم المهتمين بالشعر الشعبي قراءةً ونقداً.. عرضت لنا تغريدةً عابرة وليس كل عابرٍ عابرا ! كانت في هذا البيت الشعري: لبّى جبينٍ إذا ارتج الغطا كنّه برقٍ يصبْ الرفيف بقلب ديمومه كانت لؤلؤة متفردة اللمعان، باهية الطلّة، ثمينة اللب ، جاذبةً للعيان. احتواها هذا البيت "اللامع" المليء بالمؤثرات الضوئية من خلال نظرتنا لتركيبته العامة وكذلك عند تفحص مفرداته "جبين، برق، رفيف" ذات الطاقة الدلالية والصوتية المعبّرة عن النور اللمعان. ارتفع البيت بوصف المُشَبَه لعلو قدره وسمو مكانته وعمق الود له ، ناهيك عن مصدريّته الذاتية للجمال ووضاءة جبينه ، حتى أن غيره شُبّه به ! وهذا العلو اتضح أيضاً من خلال أدوات التشبيه "برق ، رفيف ، ديمومة" التي تجبر الأنظار على أن ترتفع لتراها، وهذه ومضة شاعرية وقدرة تعبيرية تفتح للوصف باباً آخر وهو توظيف التشبيه الظاهري لإثبات وصف باطني أي "التشبيه بالبرق ...." والقصد بالاضافة لوضاءة الجبين تبيان علو مكانة الموصوف ! واذا عدنا لمشد البيت "لبّى جبينٍ اذا ارتج الغطا كنّه" نجد شيئاً من المؤثر الحركي المتمثل في الفعل "ارتج" ذَا الطاقة الصرفية المستمرة والمتوافقة مع حالة اللهفة الشاعرية والمثير للتساؤلات المنطقية ، ثم ماذا بعد ؟ ماذا خلف هذا الغطاء المرتج ؟ الصور الفنية فيه متعددة "لبّى جبينٍ" كأن الشاعر يسمع صوت مع الحاله بصرية، "ارتج الغطا" موجية الحركة بسبب لم يذكر اُسلوب سنتحدث عنه "برقٍ يَصبْ الرفيف" صورة ضوئية ملموسة وكأننا نسكب عسلاً.الصورة الفنية الرهيبة لهذا البيت تمثلت في : «الجبين خلف الغطاء المتحرك كرفيف البرق في غيمة سوداء ..». أخذنا مساعد الرشيدي في هذا البيت لمناطق جمال شعري متفرّدة ربما وصلها القلة لكن أجزم بأن لا أحد وصلها بأسلوبه وهنا يكمن التفرّد.هذا الرجل الشاعر ذو مدرسة «الحداثة البدوية» حيث الكتابة بأسلوب المثقف المتمدن من حيث الأخيلة الممتدة لما وراء الأفق والتركيب البنائي البلاغي.إِلَّا أنه متمسك بأدواته البدوية من حيث المفردة الأصيلة والسياقات والأمثال ذات النكهة الصحراوية، بل الموغلة في قلب الصحراء، كغيره من أفذاذ الشعراء - قلة - الذين يقل الهزل في أشعارهم ويتكثف الجزل، فليس من الشعراء نمطيو النتاج الشعري ! يمتاز كثيراً بتركه النهايات «جُملاً ، تراكيب ، أبياتا ، قصائد ..» مشرعة الأبواب لقُرّاء شِعره كي يشاركوه، بل يعايشوه ، بل ربما ليضعوا الحلول ويرسموا التصورات. مثلاً «اذا ارتَج الغطا» هنا ترك للجميع معايشة الصورة والتخيّل لمعرفة سبب هذا الارتجاج للغطاء «حركة الوجه، الرياح، تلاحق نسمها ...» هكذا يذهب دائماً.. هذا ما وجدناه في «برقٍ يصبْ الرفيف» وما جاورها من وصف راق ووقٍ باق ! ما بالك لو أوغلنا في كل ما كتب؟.