كُتبت رثائية الوطن بدموع أشهر الشعراء في سلسلة البكائيات الشعرية الشعببة..لعقودٍ وهذا الأمير الشاعر ينزف مشاعره ويسافر بِنَا لآفاق الجمال الشاعرية وتارةً ليأخذ بخواطرنا في الملمات بأرقى الكلمات، الا انه لطالما شرب كؤوس الحزن وكتم العبرات و اخفى الدموع وراء النظرات وتفجر شعراً كأنه يواسينا...ها هو يسافر بِنَا مجدداً في هذه الرثائية التي بقدر ما آلمتنا..هزتنا... ابكتنا، الا انها أخذت مأخذاً مهنياً في كيفية تحكم الألم في شاعرية الشاعر ومدى سيطرة الشاعر على النص برغم كمية وكثافة الحزن والألم اللذين يموجان في أعماق نفسه! "ارحل» فعلٌ طاقته الصرفية بليغة البناء وقوية الأثر، هذا الفعل ذو الشكل الآمر بغلظة لا يحمل كنهه نفس المعنى الذي يبدو ظاهراً ، إنه هنا حالة استثنائية في مبناه ومعناه .أتى بمعنى - ولسان حال الشاعر مخاطباً أخاه وكأنه يصغي له - «مثلك لا يستأذن»، ولوقع الموقف وقوة أثره ولصدق البوح الصادر من نَفْسٍ تواقة لبذل كل جميل تجاه الفقيد «رحمه الله» تكرر «ارحل» في أربعة أبيات. ويأتي هذا الفعل في لهجاتنا المحكية كلزمة عتب العطوف للحبيب اذا أراد الرحيل أيا كانت مدته، بمعنى القول : «بترحل؟ ..اذاً ارحل» وفي القلب رجاءٌ أن لا يرحل ،وهنا نزَفها شاعرنا بحرقتنا جميعاً. أخذنا هذا النص في مراحل «قطع شعرية» توحدت كل منها في تركيبها البنائي ودورانها حول أسلوب وصفي مشبع بالآآآه المبطّنة والمدح المستحق ،و لم تنفصل عضوياً عن بعضها في الاطارالعام. القطعة الشعرية الاولىٰ..»مناجاة روح الفقيد» متشاركة فيما بينها في عدة أمور بنائية وفنية ، «ارحل، أشهر، غادر» أضفىٰ تساوي قوة طاقة هذه الأفعال الصرفية قوةً استهلالية لمشد هذا البيت ..»عداك اللوم» قبلها المتلقي بتلقائيته لطاقتها الصوتية المتعارف عليها في لهجتنا المحكية ولطاقتها الدلالية كجملة متوارثة ذات رمزية مدحيّة عميقة في وجدان أبناء الجزيرة ،وتعني «تعدّاك الملام» وبحذاقة الشاعر ولسمو ذكر المرثي انتقىٰ شاعرنا «اشْهَر» الفعل الممتلئ شموخاً والمكتظ أنفةً ،الفعل الإيحائي بالنزوع لطبقات السمو العليا «مالك..» ليس لك إلا «عرش الأذكار» وتنطق شعبياً «لذكار» ضرورة الانسياب اللفظي للشعر، أراد بها الشاعر جمعاً لمفردة «الذكر» وربما «الذكريات»، والصورة هنا ذات رونق فالذكر أنواع والبشر متفاوتون في مستوياته والفقيد اعتلاها وتسيدها بدافع حب الآخرين له وحبه لهم ،فالعلاقة تبادلية، ومن حيث أنها الذكريات فلن يتبوأ عرشها أكفأ سيرةً من الفقيد .اذاً المطالبة بالرحيل أيضاً بداعي الانتقال إلى موقع أسمىٰ والوصول لحالة من الرضا للنفس المحزَنَه.. «إرحل رحيل..» تعاقب الفعل ومصدره يزيد من قوة المعنى خاصة وأن المصدر جاء مضافاً يعرّفه ما بعده، وتقارب المفردتين في تركيبهما الحرفي أضفىٰ على الشطر جرساً موسيقيا ذَا صدى لحني مؤثر ، «أبوك للمجد ثاير» عرّف المفعول المطلق «رحيل» فاكتمل الشطر بمعناه كورقة وثائقية خالدة في صورةٍ جمالية شعرية غير متخيّلة,والتشبيه هنا بين حالتي فقْد مختلفتي الشخوص والأزمنة إلا أن لها ذات الآثار الموجعة بكل تأكيد إلا أنها شامخةٌ لا نِدْ لها إلاالمجد! ( ثبّت الشاعرفي صدر أبياته حرفي القافية «الروي» وهو «الراء» الساكنة ، وحرف التأسيس «الألف» الذي فصل بينه وبين حرف الروي حرفا صحيحاً وفي ذلك قوة تضبط الإيقاع الشعري حتى نهاية النص،بينما ثبّت حرفي القافية في أعجاز الأبيات «الروي» وهو «الراء» المسبوقة مباشرة بحرف القافية الاخر المعروف بالردف «الألف» و في ذلك ضبط لقفلة النص بشكل لا يقبل الاهتزاز).. أيها الوريث لثائر المجد إن مكانك ومكانتك ليست هنا حيث حياة التغير والتقلبات بل هناك حيث التاريخ الناصع البياض والذكر الشرفي الخالد ،تكررت «مكان،مكانك» بين عجزي البيتين وفي ذلك ربط بنائي بينهما وسجع فني يصل للجناس التام ..»يا بر الابرار» في «يا الندائية» كمية حزن لمٰنادى لا يمكن بأي حالٍ أن يرد و لكنها اللهفة «بر أي أبر» الابرار» تلفظ «لبْرار» مع الأخذ بعين الاعتبار في أن ذكرها ماهو الا رجاء المؤمن في ربه أن يُنزل فقيده منازل الأبرار»ارحل على..»كم هي قاسية هذه ال«ارحل» بالرغم مما في جواباتها من شموخ,علو,سمو «هامات الأيام طاير» صورة ملموسة «هامات» للأيام هامات وهي القمم والذروات ، ليكن طيرانك الحقيقي على ذروة وهامة الزمن ، في هذه الجزئية رمزية موفقة تعطي ومضة عن جزء من تاريخ الراحل حيث لم ينفك في حياته طائراً محلقاً بين العواصم «في موكب الأفلاك» يخرج بِنَا الشاعر في رحاب الفضاء الأوسع حيث أطراف المجرة السماوية المرصعة بنجومها وكواكبها وشُهبها..كأنه يقذف بِنَا - بانسيابية أخّاذة من مستوى تعبيري توثيقي واقعي إلى آخر تخيّلِي جماليّته في سموه - صعوداً من هامات الأيام لنعايش الحدث بين الأَجرام السماوية المنتظمة في أفلاكها حيث الفقيد وقد صار نجماً محلقاً بالعز يُحتفىٰ به في «موكب الأفلاك»، تكمن قوة الشاعرية في دقة انتقاء «موكب»ذات الطاقتين الصوتية والدلالية القويتين ،الصورة الفنية تبدو في هيئة الاحتفاء الفضائي بهذا الممتطي لهامات الأيام «سيّار» لا يُنسِي وميضه ذكراه...»ارحل وللعدوان..» شهادة ووسامٍ أن يزداد التعلق بعد الرحيل...ولتعلم بأن «كسر الخواطر» قهراً ليس لنا ، لكنه «للعدوان» الذين تمنوا فراق مرهقهم فكراً ومُقض مضاجعهم همّاً ومحطَّم آمالهم فعلاً و ملجمهم قولاً ،مع ذلك لم يفرحوا..نعم نحن أيضاً مكسورون لكننا صابرون ،لذا حفرناك فينا وسماً و نقشناك في ذاكرة الوطن اسماً ورسماً ، لقد سجّل لك الوطن في ديوانه الشرفي الأرفع «المجد تذكار»..هذه العبارات المعبرة و الجُمَل المُحبّرة في سياقات جوابية لِ»ارحل» ملأها شاعرنا بكثيرٍ من المحسنات البديعية كالجناسات «مكان،مكانك»، وبعض الأجراس الموسيقية البنائية «ارحل رحيل»، والتشبيه في «أشهر» مثلا كالطير و»موكب الأفلاك» تشبيه بالعرس والفرح. القطعة الشعرية الثانية..»شيءٌ من صفات الفقيد» «وداع»يا لها من مفردة مؤلمة ونحن ننطقها بمد حرف «الألف» بآهةٍ عميقة ملوّحين بأيدينا للمغادرين على أمل اللُقاء ،ماذا عن من قالها مودعاً لمسافرٍ لم يذب في الأفق بل ذاب في بطن التراب !..قوة طاقة هذه المفردة في صوتيتها حيث نشعر بأثرها بمجرد سماعها ، كذلك قوتها في دلالتها على معنى متعارف عليه. بعد «ارحل» حيث ناجىٰ الشاعر مجازاً روح أخيه وبثها أمانيه له بالمقام الأوفى والذكر الأعلى كأفضل مما كان عليه حياً ,أتى «وداع» التي استهل بها مشاد أبيات هذه القطعة الشعرية الواصفة للفقيد والمبينة لبعض مآثره العظيمة.. «وداع يا باقي...»وداعاً يا بقيّة جيل الرجال النادرة «باقي» تأتي للحصر في مجموعة «البقية» التي لا تتقطع وليس نفياً لتواجد الرجال النوادر البتة..»النوادر..اللي لهم بالنائبة..»استتمام المعنىٰ في العجز أداة معتبرة للربط ببن شطري البيت «النائبة» وهي ما ينزل بالرجال من الحوادث والمواقف الأليمة ،النوادر المعيار لصفة المدح ليسوا كذلك فقط في أوقات «الرخاء..»ولكنهم في النوائب لهم «موقف» حضور مشرف والشاعر يوميء لمواقف «سعود رحمه الله» ، و»كار» قيمة ومكانة ،و قد قيل أن «الكار» تعني المهنة و الحرفة وبالتالي هي من يعطي لصاحبها قيمته ومكانته, «وداع يا صوتٍ...»ندلف مع شاعرنا مودعين الفقيد من أوسع أبواب التباهي والتفاخر من خلال هذا البيت المبتهج بهذا المؤثر الصوتي الفخم و الذي وجدناه في المفردات «صوت..، المحافل ، الأخبار»و كل منها ذات طاقة صوتية قوية انعكست مستقلة أو متكاملة مع نظيراتها على محتوى هذا البيت الوصفي القوي بذاته و بقيمة محتواه و مظهره «يهز المنابر ، نجم ‹السياسة ،المحافل،الاخبار›» هكذا توالت المفردات الواقعية الوصفية للفقيد كطلقات متسارعة في خواطر الأعداء المنكسرة حقداً وقهراً ، بينما هي كهبات نسائم عطرة متتابعة يفرح بها أحبابنا في الوطن و خارجه..»وداع ياللي...»طبعاً «اللي و تغيراتها الحرفية «ماهي الا تحوير شعبي ل»الذي».يا مرجع كل محتار..»حار حاير»يأخذ هذا التركيب شكل الجناس الناقص محدثاً موسقة جزئية في قافية هذا الشطر ،والوصف هنا يتمثّل في عبقريته التي رُصدت ك «أيقونة في السياسة العالمية»وصيّرته مرجعية وقدوة في الصبر وذروة لمعاني النجدة»تلفتت..»أيقظ هذا الفعل فينا حزناً كامناً منذ اكثر من أربعين عاماً ،ما أشبه الليلة بالبارحة أيها الشاعر!..اتذكرك عندما قلت «تلفتت رؤوس المخاليق وين انت» مناجياً ومخاطباً الفيصل؟ هاهي تعود في هذه الرثائية، ونقاط التلاقي بين القصيدتين كثيرة..»تلفتت يمّه..»جملة فعلية اقتبسها الشاعر من لهجتنا المحكية الدارجة وذلك الأسلوب دائما نجده في شعره ،كما أن لهذه الجملة إيحاء ووقعا يشعر به المحتاج لل»فزعه»قولا وعملا!..»مطاليب الاشوار»أي الباحثين عن أصحاب العقول الراجحة والاّراء الرشيدة ،»وداع ياللي» العناق هنا عناق حقيقي بالرغم أن الصورة الظاهرية «عانقته الضمائر»صورةً مجازية ،لكن من يُدرك يتأكد من حقيقة هذه الصورة حيث العناق بالقلوب والضمائر النقية..والتشبيه في هذه الجزئية من القوة بمكانٍ ومن الحقيقة بوضوح، لقد تجاوز الحب المساحات الإنسانية الأرحب والفضاءات الأبعد..»حبّوه»..فعل قوي الطاقة الصرفية وحيداً وفي سياقه الأشمل «خلق الله..»باختلاف أجناسهم وألوانهم وتعدد مشاربهم...صفات متعددة ومزاياً متفرّدة ومآثر عديدة ومناقب كثيرة للفقيد الغالي رحمه الله ،توجها الشاعر بجامعة الصفات وتاج المرايا وهي»محبة الخلق للمخلوق»وإذا أحب الله عبداً حُبِّب لخلقه أجمعين «كبيرين وصْغار» بما يندرج تحتهما من معانٍ ولما بينهما من مسافات زمنية،مكانية,اجتماعية. القطعة الشعرية الثالثة»قبل النهاية وبعض الصفات الشخصية» «خلّدت اسمك..» تحوّل من «التحدث عن» إلى «التحدث مع» بالنظرللأفعال «خلّدت،رضيت،تركت» لايقاظ المتلقي عن التوهان بآلية التغيير في الأساليب والتنويع في الصياغات..تميزهذا البيت الذي تكوّن من ثلاث جمل فعلية بقوة تركيبه وتعاضد مكوناته لتوافق قوى طاقات افعاله الصرفية. فالشطر الاول اسميه الشطر السببي لأن إحدى جملتيه سبب لتحقق الأخرى,ف»خلّدت اسمك» تحققت بسبب أنك أيها الفقيد «مارضيت الصغائر» وهي ميزة الكبار الذين هدفهم الخلود الرضواني لاغير...»تركت..»توافق طاقته مع ما سبقه حافظ على رباطة جأش السياق وتماسكه كأداةٍ من أدوات الربط الشعري, و التَرْك في هذا المقام ليس التنازل عن شيء بعد تملّكه ولكنه الابتعاد عنه إبتداءً وهو من المروءات الانسانية. تم عن قناعة فالدنيا «عابرة» فانية لا تستحق حتى أَن تُرمق بطرف نظرته, هي للباحثين عن أوساخها وأصفارها ,لقد ترَكها بحثاً عن الخلود في ذاكرة التأريخ كالثائر خلف المجد .»ثروة حياتك...» كشف الحساب الفاخر والثراء الحقيقي بهذا الشطر الممزوج بالصدى الصوتي «الحناجر» أدت دورها فيه، إذا فالثراء المقصود ليس كما هو المُتصوَّر عند سماع كلمة «ثروة» بل هنا ثراء حياتيٌ أزلي ضجّت به الحناجر على اختلاف لغاتها ونبراتها ومنابرها تجاه الفقيد «حب، تقدير، تعظيم ،اكبار» اذ تبدو الصورة الذهنية للمشهد عبارة عن وشاح يتلألأ بقطع جمالية ليست ألماسية الإشعاع ولا مخملية الملمس بل قطعٌ من مشاعر البشر واحاسيسهم التي لا تُقدَّر بثمن تجاه من أسعدهم حياً وآلمهم ميتاً»وكتبت»اكبار»حيث تلفظ همزة وصل قبلها .لم يأتِ هذا الانتقاء اعتباطاً ولكنه أتى وفقاً لمقاييس بلاغية توافقت مع مشاعرواستُنبطت منها..»ناسٍ مظاهر شي وناسٍ مخابر»هذا البيت على شكل «ناس كذا وناس كذا» إذ أخذنا الشاعر في لفتة أدبية أخرى هي المقارنة ،..وكمنت قوة المعنى في خاصية التناقض بين مفردتي «مظاهر ، مخابر» التي تناظرتا في البيت فأحدثتا فيه قوة تبيان للفرق بين الحالتين الإنسانيتين ..وفي هذا تمهيد للاستشهاد بالله - وأنعم وأعظِم به من شاهد - أن الفقيد «خيار الاخيار» مظهراً ومخبراً واللتان حركتا بجرسهما الموسيقي في أواخر الشطر ذائقة المتتبع للسياق الشعري بكل تنوعاته البنائية والفنية...»خيار لخْيار»ومن أصدق شهادة ممن يعرف الأمورعن قٰرب؟ وتأتي في معنى خيرة الاخيار وأطيب الطيبين !وكم كان شاعرنا وفياً في ذكر المناقب الخاصة لسمو الفقيد وهوغيضٌ من فيض.. القطعة الشعرية الرابعة «الخاتمة و شكوى الحال» في هذه القطعة المشاعرية كثافة من الحزن السحيق وصور من الانكسار العميق و التصبّر المؤلم و العباير المكظومة...يا من رحلت لتكون نجماً في مسار العز «شمسك»طلّتك..مٰحيّاك..وجهك...»غشاها»حال بيننا و بينها حائل ، «دونك»أي فيما بيننا وبينك,»غباير» مفردة تعطي ذات المعنى المتصوّرعند سماعها ألا وهو»الغبار»كمشبه به - في صفة الحجب و الاختناق وضيقة النَفَس وتعكير الأمزجة -لمشبهٍ هوالموت!..»خليتنا يا سعود..»بعد هذه الموجة الغبارية في مشاعرنا التي حجبت عنا كل جميل ،لنتفاجأ بالرحيل فيتساءل بِنَا الشاعر بهذا الصوت المتحشرج بلواعج الفراق والذي استمده المتلقي من قوة طاقة الفعل»خلّيتنا» الصوتية وكمية الشجن في داخلها..»..يا سعود»من أوجع النداءات ذلك النداء المسافر بين جنبات الموجوع فيمن فقْده ليس كغيره ورحيله بعيد.. ومما يزيد الطين بلة أن الراحل فجعنا في حالتين «رحيله و الوقت القاسي الذي تركنا نكابده»..مع هذا الاستهلال الندائي القلبي الدامع نستشعر عمق الألم وشدة المعاناة والذي يتنفسه الشاعر في هذه المشاكاة الأخوية..»ياعين اخوك..»لايساوي العين الا من هو أغلى منها وليس كلٌ ينال هذه المرتبة والدرجة من الغلا ،ولقد درج بيننا في لهجاتنا المحكية مثل هذا القول ك»يا عين أبوي»و»يا عيوني» وهكذا..نداء بالقلب ، نداء الروح للروح «يا عين أخوك» نشعر معها بقشعريرة قسوة الفراق والمفارقة بين المنادي والمنادىٰ ، إنها العين التي «ترد العباير» تصبّراً وتجلّداً وتحمّلاً فليست هذه الفاجعة الاولى ، «حبستها» طاقته الصوتية مدويّة في أعماقنا قبل عمق البيت ، لكن ليس من السهل حبْس الدمع لأنه « غدّار» فلا يلبث إلا و ينساب مدراراً رغماً عنا مهما بلغنا شأواً و شأناً ، ألسْنا بشراً؟ الصورة الفنية تمثلت في جمالية التشبيه بوصف الدمع بالغدر حيث يأتي من حيث لا نحتسب ولا ندري فيكسرنا و يظهر ضعفنا..يعود شاعرنا معبراًعن ذاته إبتداءً من الفعل «حبستها» «يقولها»هل الشاعر يعني مضمون ما في البيت السابق ؟ أَم يُشير للنص برمته ؟ أم يعني تجاربه مع المواجع ؟كل ذلك وغيره يشمله القول .."بالمواجيع خابر" لك الله فكم نشعر بسطوة الحزن التي لا تلبث أن تخف حتى تتجدد .."رجل على صكّات الأيام صبار »أورد المعنى المناسب لتصوير الحالة التي عايشناها مع سموه ..»صكّات ليّام» حوادث الدنيا وملمّات الحياة ، «صَبَّار» تبيان حالة ليست أداة لمدح الذات ولكنها إيصال فكرة بأن ما يراه الاخر من هذا التماسك رغم فداحة الفقد ما هو الا نتاج التجارب والخبرة بالمواجع ،ومع ذلك يعترينا ما يعتري غيرنا !