يعتبر الجزء الأعظم من النخبة السياسية الإعلامية في لبنان أن قيادات «طلعت ريحتكم»، هم بالضرورة عملاء أجانب، وفي مواجهة حركة الاحتجاج التي تهزّ الوضع الراهن منذ أسبوعين، تتحد الأحزاب الحاكمة، فالأحزاب المعتادة على الخلاف، تُظهر حول هذه المسألة وحدةً في وجهات النظر، وتضامنًا غير منتظرين، إذ يقول الباحث السياسي هلال خاشان: «يُقاد لبنان من قبل منظمة احتكارية، وبالتالي ستتأثر أعمالهم بسبب خروج الوضع عن سيطرتهم». وبحسب لوموند الفرنسية فقد تجاهلت الحكومة المدة المحددة ب 72 ساعة، والتي قدمها محركو الاحتجاجات للاستجابة لمطالبهم، فيوم الثلاثاء 1 سبتمبر، أخلت قوات مكافحة الشغب بالقوة المتظاهرين الذين احتلوا وزارة البيئة آملين الحصول على استقالة الوزير محمد مشنوق. ونددت حركتا «طلعت ريحتكم»، و «بدنا نحاسب» -تجمعان من المجتمع المدني- بعدم قدرة الحكومة اللبنانية على حل أزمة جمع القمامات، التي تتكدس في شوارع بيروت، أدى هذا المأزق الدال على عدم مبالاة الطبقة الحاكمة اللبنانية إلى سلسلة من المظاهرات المناهضة للنظام، كان أهمها مظاهرة 29 أغسطس التي شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص. وفي نهاية هذا التجمع، طالب المتظاهرون -بالإضافة إلى إقالة مشنوق- بفرض عقوبات على المسؤولين عن أعمال العنف، التي ارتكبتها الشرطة خلال المظاهرة السابقة من بينهم وزير الداخلية نهاد مشنوق -ابن عم وزير البيئة- ونقل صلاحية نقل النفايات إلى البلديات، والبدء في إعداد قانون انتخابي جديد. وفي رد على ذلك، ترك وزير البيئة اللجنة الوزارية المكلفة بقضايا النفايات، في استقالة كاذبة لم ترض المحتجين. احتواء الحراك يوم الأربعاء 2 سبتمبر، أعلن وزير الداخلية أيضًا عن إحالة ضابطين إلى المحكمة التأديبية، ومعاقبة 6 آخرين، في إجراء غير كافٍ، وفقًا للمتظاهرين، حيث وعد المتحدثون الرسميون عن المتظاهرين بالاستمرار في التصعيد، وأعلنوا عن مظاهرة ثانية يوم الأربعاء 9 سبتمبر. ويعترف المسؤولون السياسيون بشرعية الاستياء الشعبي، ولكن في الواقع، يسعى الجميع جاهدين إلى احتواء هذا الحراك العابر للانقسامات الطائفية، والذي يهدد سلطاتهم القائمة أساسًا على الطائفية، لكلٍّ طريقته، إذ يسعى الجنرال ميشال عون الذي يتهم المتظاهرين في ساحة الشهداء ب «سرقة» شعاراته إلى الركوب فوق موجة الاستياء، إذ جمع القيادي المسيحي المرشح للرئاسة الشاغرة منذ أكثر من عام أنصاره يوم الجمعة 4 سبتمبر في وسط بيروت. في حين لا يزال حليفه الأساسي، حسن نصر الله -زعيم حركة حزب الله الشيعية، والحريص على الحفاظ على صورته كزعيم- فوق الخلافات صامتًا عن الموضوع، بينما يشيد نوابه بالذين يتظاهرون، مؤكدين أن المطالب يجب أن تكون «واضحة وواقعية»، وبالإضافة إلى الساحة الداخلية، يهتم حزب الله بساحة المعركة السورية، حيث يقاتل رجاله إلى جانب نظام الأسد، ناهيك عن المنطقة الحدودية، حيث يحاولون منع تسلل المجاهدين. أما تيار المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق السني سعد الحريري، فيجد نفسه في الوضعية الأكثر إحراجًا، إذ أن «المشنوقين» الذين يطالب الشارع برحيلهما، عضوان في هذا الحزب، ويحذر المسؤولون السياسيون من «الفراغ الدستوري»، الذي يهدد البلاد في حال رمى رئيس الحكومة المنديل، ولطمأنة زملائه، اقترح رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري للمرة المئة عقد جلسة حوارية حول الانتخابات الرئاسية يوم 9 سبتمبر، قبلت هذه المبادرة التي تهدف إلى تحويل الأنظار على ما يبدو من قبل الأحزاب الكبرى. وتوجد تشويهات لرجال الأعمال في الصحافة، إذ من خلال إظهار التضامن المبدئي مع المتظاهرين، تستخلص وسائل الإعلام -التي يشلّها الخوف من الوقوع في الفخ- نظريات المؤامرة، ففي افتتاحياتها حذرت صحيفة «لوريان لوجور» (اللبنانية الناطقة بالفرنسية) الموالية للحريري من «الأغراض سيئة السمعة» التي يسعى إلى تحقيقها حزب الله، في حين تسخر صحيفة الأخبار -المقربة من الحركة الشيعية- من المتظاهرين الذين «أمضوا 5 سنوات في حانات الجميزة (أحد أحياء بيروت) وثلاث سنوات على الأقل في الغرب»، وتدين هذه الصحيفة -شأنها شأن وزير الداخلية الذي أشار إلى دور تلعبه «دولة عربية صغيرة»- قطر لتدخلها المفترض في هذه الأزمة. وتقول لينا خطيب من مؤسسة كارنجي: «من المذهل أن نرى كيف يلجأ حزب الله والمستقبل إلى التقنيات نفسها، لرفع المصداقية عن الحراك، إن الطبقة السياسية توحد صفوفها لمنع أي تغيير في الوضع الراهن الذي تستفيد منه، حتى إن امتلاء وسط بيروت يوم 9 سبتمبر من جديد بالمتظاهرين، لا تبدو استدامة هذه الانتفاضة مضمونة فالمسؤولون عنها يواجهون اليوم من هم أقوى منهم بكثير».