أكد الدكتور صلاح الجعفراوي الخبير بالمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو)، وممثلها لدى الجامعة العربية، ضرورة تبني استراتيجية شاملة ووقائية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية خلال الفترة الراهنة، وأبرزها ظاهرة الإرهاب وأعمال العنف والتطرف والنزعة العنصرية ضد العرب والمسلمين في أنحاء شتى من العالم، والإساءة إلى الأديان السماوية، وخاصة الدين الإسلامى. وقال الدكتور الجعفراوي في حديث خاص ل «اليوم»: إنه لا بد من أن تتضمن الاستراتيجية تفنيد فكر ومبررات الجماعات الإرهابية التي تلجأ إلى استخدام الشعارات الدينية لاستخدام الإسلام في تبرير أفعال سياسية، والتمييز بين تلك الأعمال التي تستخدم الدين كغطاء لتحقيق أهداف سياسية هي بعيدة في الواقع عن جوهر الدين، وبين الأفكار الدينية الحقيقية التي تنم عن عقائد حقيقية. كما طالب الدكتور الجعفراوي المؤسسات الدينية القائمة على أمر الدعوة والارشاد في العالم العربي والاسلامي بتجديد الخطاب الديني؛ لمواجهة الخطاب الفوضوي المتطرف من قبل الجماعات الإرهابية. وفي الحديث التالي نتعرف على المزيد من آرائه، فإلى التفاصيل: الاستراتيجية الثقافية * بداية بصفتك خبيرا بالمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ما هو الدور الذي تقوم به تلك المنظمة في مواجهة أفكار التطرف والارهاب؟ -نعم المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة وضعت هذه القضية على رأس أولوياتها، فوضعت على مستوى التخطيط المستقبلي الاستراتيجي للنهضة التربوية والعلمية والثقافية للعالم الإسلامي، ست عشرة استراتيجية مع آليات تنفيذها، ومنها الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامى، واستراتيجية العمل الثقافى الاسلامى في الغرب، والاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي تهتم بتكوين الانسان المسلم ثقافيا، وتغرس فى نفسه القيم الدافعة نحو التقدم والرقي الحضاري، وتحصينه ضد الافكار الخاطئة التى نهى عنها الاسلام. -لكن ما هى الأطر العامة لهذه الاستراتيجية، وما هو الدور الذى تلعبه في مواجهة الافكار المتطرفة؟ -هذه الاستراتيجية التي سهرت على إعدادها المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ترسم معالم الطريق أمام البلدان الإسلامية في اتجاه إحداث نقلة نوعية في أساليب العمل الثقافي وأدواته وطرقه وفي غياته ومراميه وفي الدور المتميز والمهم والمؤثر الذي تطلع به الثقافة بمدلولها العام في التنمية الانسانية الشاملة والمتكاملة والمتوازنة وصولا إلى تطوير العالم الإسلامي من خلال الأداء الثقافي الذي يشمل جميع مظاهر النشاط الإنساني في مجالات الإبداع والتعبير وفي ميادين التوعية والترشيد في حقول التربية والتكوين، وقد وضعت هذه الاستراتيجية الأسس العاملة لرسالة الثقافة في البلدان الإسلامية، كما تضع هذه الاستراتيجية الأمة الإسلامية على الطريق في اتجاه تأكيد الذاتية الحضارية وتنطلق الثقافة الإسلامية من ركائز أساسية يهدف إليها الإسلام، وهي الارتقاء بالانسان من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة لتحقيق التكامل لقول الله تعالى: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين» وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وإن العلم بهذا المعنى أشمل وأعمق وأرحب من أن ينحصر داخل حدود العلوم الشرعية أو العلوم الإنسانية بوجه عام، ولكنه عملية شاملة تعني بكل وجهات النشاط العلمي والفكري والثقافي في حياة المجتمعات الاسلامية فالانسان الذي يخرجه الله من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، انسان مستنير العقل والبصيرة. أسباب التطرف والإرهاب * من وجهة نظرك ما هى الأسباب الحقيقية التي أدت الى التطرف والارهاب؟ * البحث في أسباب الإرهاب ودوافعه، يطرح العديد من التساؤلات، أهمها: هل السبب هو التطرف الديني؟ أم غطرسة الدول الكبرى في تعاملها مع قضايا بلداننا العربية والإسلامية؟، أم بسبب تدخلها في الشئون الداخلية لهذه الدول؟ أم السبب هو الفقر؟، ومهما يكن من أمر فإن البعض يرى أن التطرف الديني يعد سببا من أسباب الإرهاب، بالاضافة الى تدهور الاحوال المعيشية، والاضطرابات الداخلية، وقصور برامج التنمية، وتراجع معدلات أداء الاقتصاد وسوء إدارة الموارد المتاحة فى كثير من البلدان العربية والإسلامية، وما ترتب على ذلك من ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر، والإهمال في أداء الخدمات الأساسية للمواطنين في تلك الدول، وضعف المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية وأجهزة الإعلام في القيام بدورها في التربية والإصلاح والتهذيب، وقصور الخطاب الديني في علاج القضايا الحياتية. أيضا فإن المتأمل في ظاهرة الإرهاب المعاصرة وظروف تكوينها منذ الثمانينات من القرن الماضي يدرك جليا أن أعداء العروبة والإسلام قد قاموا بدور كبير فى تشجيع هذه الظاهرة ورعايتها وتهيئة المناخات الملائمة لها ومساعدتها بكل ما يلزم، وذلك لأهداف ومصالح متعددة سياسية أو غيرها، ولم يعد خافيا أن هناك دوائر خاصة مهمتها العمل على تهيئة مناخات التطرف وإدارة اللعبة، وتجند الأموال الطائلة ووسائل الإعلام وأجهزة الاستخبارات لهذا الغرض، ولذا فمن السذاجة بمكان إغفال هذا العامل ودوره الأساسي في دراسة ظاهرة الارهاب ومعرفة سبل علاجها. الخطاب الديني * ذكرتم أن من أسباب انتشار الفكر الضال قصور الخطاب الديني في علاج القضايا الحياتية، كيف يمكن تفعيل دور الخطاب الديني في مواجهة التطرف والارهاب؟ o لا شك أن شيوع العشوائيات والخطاب الفوضوي من الجماعات الإرهابية جعل الخطاب الديني صادما دمويا، فلابد أن يتواكب الخطاب الديني مع معطيات العلم والعصر حتى يستقيم مع لغة العصر وسياقه، ويبتعد بأبنائنا عن الأفكار الشاذة التي تدعو إليها الجماعات الإرهابية، فتحولهم لمعاول هدم في جسد الأمة، فلا بد ان يوجه الخطاب الديني من أجل تصحيح ما هو خطأ من صورة وفكر، وأن يوجه نحو البناء والإصلاح في الفكر والرؤية الصحيحة وتصحيح المفاهيم بعيدا عن العنف وأعمال الإرهاب التي ترتكبها الجماعات الارهابية. -من وجهة نظرك كيف يمكن مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب؟ * إن مكافحة الإرهاب تبدأ من تفحص أسبابه بدقة وهي متعددة ومتفاوتة في أهميتها وتأثيرها وأبرزها الغلو والتَنطع في فهم الدين والعمل به، وانحراف في التعامل مع بعض المفاهيم الشرعية ذات الصلة بحياة المسلمين الجماعية وبعلاقتهم بغيرهم، وذلك يفضي بصاحبه إلى سلوك مسلك العنف والإرهاب. ومكافحة الإرهاب خاضت تجرِبتها العديد من الدول واكتسبت كل دولة خبرة من المعلومات والممارسة بحسب طبيعة الإرهاب الذى واجهته والظروف الوطنية والدولية التى زامنتها، ولا بد من تبني استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية خلال الفترة الراهنة، وأبرزها ظاهرة الإرهاب وأعمال العنف والتطرف والنزعة العنصرية ضد العرب والمسلمين في أنحاء شتى من العالم، والإساءة إلى الأديان السماوية، وخاصة الدين الإسلامى. ويجب أن تتضمن الاستراتيجية تفنيد فكر ومبررات الجماعات الإرهابية التي تلجأ إلى استخدام الشعارات الدينية لاستخدام الإسلام في تبرير أفعال سياسية، والتمييز بين تلك الأعمال التي تستخدم الدين كغطاء لتحقيق أهداف سياسية هي في الواقع بعيدة عن جوهر الدين، وبين الأفكار الدينية الحقيقية التي تنم عن عقائد حقيقية، فعلاج هذه الظاهرة أصبح معقدا، ومن الصعوبة بمكان، فهو لا يتم بواسطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تنبيه هنا أو هناك لأن هؤلاء بسبب ما أصابهم من غرور وتطرف وشطط في الفكر، وغيره من الأمراض الفكرية لا يرون في أنفسهم فاعلين المنكر أو تاركين لمعروف بل يعتقدون أنهم يقومون بواجبهم الديني. د. الجعفراوى متحدثا ل «اليوم»