تحتفي فضاءات صيف الفنون بالعديد من المشاهد البصرية التي تعبر عن حالة الحوار الحضاري الإنساني الذي تطلقه وتعزز مساراته الشارقة بانفتاح على الثقافات وسخاء في تمهيد كل السبل التي من شأنها تعزيز دور الفن والنهوض بمستوى التلقي والتذوق، وهذا ما يؤكده الاستقطاب للتجارب القيمة الدولية والمحلية، التي يستضيفها وينظم عرضها مجمع الشارقة للآداب والفنون، إذ يقيم المعارض النوعية في مختلف أنواع الفنون البصرية في كل أنحاء إمارة الشارقة. من هذه المعارض لصيف الفنون اللوحة الجدارية التجريدية التي تزين واجهة رواق الشارقة للفنون، للفنان الأمريكي مات دبليو مور والمشغولة حسب مبدأ "الامتداد يفضي إلى الإبداع"، واللوحة بطول 41 مترا وارتفاع 3.5 أمتار، تغطي الواجهة البحرية لرواق الشارقة للفنون، يتصدرها تصميم هندسي مدروس بعناية، ويتألف من مساحات لونية متجاورة تفصل بينها خطوط بكافة الاتجاهات، والملاحظ أن المجموعات اللونية لنسيج اللوحة متناغمة ومتعددة القيم، وقد وجدت ضمن نظام مدروس له تأثيره بالرغم من أن عناصر المشهد غير متطابقة في الشكل والقياس، فقط يجمعها التصميم المثير للانتباه للفنان "مات"، الذي بدأ الرسم على الألواح إضافة إلى اشتغاله على فن الجرافيتي، وتتميز هذه الفنون بسرعة الأداء وإثارة الحماسة للاكتشاف، وتحفيز روح التعاون. ويعتمد مات الأسلوب الرقمي المجرد "فيكتورفنك" الذي يستخدمه لتصميم العديد من العلامات التجارية وتظهر مشاريع الجرافيك والجداريات الضخمة للفنان مات في أحياء مدن بمختلف أنحاء العالم، وتشكل سلسلة أعماله السنوية للوحات المائية المرسومة بالأبيض والأسود رمزا تصميميا. وفي واجهة المجاز المائية بالقرب من مركز ألوان يرى الجمهور آلافا من العبوات البلاستيكية المعاد تدويرها عبر الفن وقد تم تشكيلها على هيئة زهور ملونة ومتشابكة، وهي منسوجة مع بعضها لتكون عملا فنيا تركيبيا يحتفي بالأرض "أفق الفرح، جسور التواصل" للفنانة ديل وين. فقد استطاعت الفنانة تحويل المخلفات البلاستيكية التي يسعى المرء للتخلص منها إلى عمل فني، فتستكشف الفنانة ألوانا وأشكالا كأفق للفرح والتواصل. ونفذت الفنانة الفرنسية موريس عملها الجداري الفني "أوريغامي" في ميجا مول الشارقة ومن الملاحظ أن أعمالها متأثرة بفن تصميم الورق الياباني أوريغامي (فن يعتمد على تشكيل الورق بعد طيّه)، ومثاله عملها الحالي المعروض في الشارقة ضمن هذه التظاهرة، وهي تشكل من خلال تصاميم ورق الأوريغامي مشهدا ما في المحيط التي تكون شاخصة فيه، فتضيف بذلك إخراجا ومضمونا جديدا لفن الغرافيتي. أما معرض رؤى إسلامية الذي نظمه مركز الذيد للفنون بالتعاون مع اتحاد المصورين العرب لأربعة من الفنانين الضوئيين هم يوسف الزعابي، أبوبكر الاحمر، حسين البحراني، وسيم خير بك فتتجلى فيه بوضوح ملامح العمارة الإسلامية في الشارقة، فنجد فيه مفردات وتفاصيل بصرية توصل لها المعمار العربي في الشارقة على مدى قرون، لتظهر ماثلة ومكونا أساسيا في البناء الإسلامي الحديث والمعاصر، اعتمادا على تاريخ من التراكم الثري للمنجز المحلي، وبالطبع فإن العين الحاذقة للمصور الضوئي الذي يبحث بشغف عن مادة غنية تجد ضالتها في هذا الإرث الحضاري والمنتج الراهن من العمارة العربية والإسلامية، فالعمارة كنوع هام من الفنون المرئية وكجزء أساس من الفنون الإسلامية التي تطورت وازدهرت على مدى قرون، تتطلب الإضاءة عليها، والفنان الضوئي يلبي هذا الأمر، لا بل يزيد على ذلك بما يضيف من قيم للعنصر المعماري من قباب ومآذن وأقواس وأبواب وعناصر زخرفية بل وحتى الخطوط العربية الأصيلة التي تزين واجهات المساجد، وتملي عليه خبرته وشغفه وتقنياته ورغبته في التوثيق كل هذه الإضافات الفنية الجمالية، لنرى العديد من المساجد في إمارة الشارقة برؤى متنوعة للمشاركين في هذا المعرض "رؤى إسلامية". الفرصة النادرة أمام المتلقين من متابعي صيف الفنون 6 هو عرض القوالب الخطيّة لقامات من الخطاطين هم مصطفى الراقم وعبدالله الزهدي وسامي أفندي ومحمد نظيف وهذه القوالب مأخوذة بالحجم الطبيعي عن بعض المساجد والمدارس. وهذه القطع الفنية التاريخية تم الحفاظ عليها في المتاحف والمجموعات الخاصة وهي المسودات النهائية لخطوط المساجد وبعض الكتابات التي سطّرها أساتذة فن الخط العربي عبر العصور على العديد من الآثار والأوابد التاريخية، وتعرض بيوت الخطاطين هذه النماذج وأشهرها قالب خطي لسورة النبأ في مسجد نصرتية التاريخي باستانبول لمصطفى الراقم، ومجموعات مدرسة خليل أغا في القاهرة للخطاط عبدالله الزهدي، ومن خلال هذا المعرض يمكن للمتلقي أن يرى نوادر فنية تعكس أصالة الخط العربي والتقنيات التي تسهم في إخراجه بالشكل النهائي بالرخام أو الخشب أو غير ذلك من الخامات الصلبة.