إِنَّ العُيونَ عَلى القُلوبِ شَواهِدٌ فَبَغيضُها لَكَ بَيِّنٌ وَحَبيبُها وَإِذا تَلاحَظَتِ العُيونُ تَفاوَضَت وَتَحَدَّثَت عَمّا تُجنُّ قُلوبُها يَنطِقنَ وَالأَفواهُ صامِتَةٌ فَما يَخفى عَلَيكَ بَرَيئُها وَمُريبُها أبياتٌ لعلها لم تطف بكم رغم أنها لشاعر عباسي مشهور من شعراء القرنين الثاني والثالث المرموقين, وقد ذكر أنه كان مولى لبني زهرة وهو شاعر من بغداد لذلك علق به لقب البغدادي، وأكثر شعره في المواعظ والحكم، كما اشتهر بلقبين أحدهما الوراق والآخر النخاس، فأما الوراق فهو الناسخ بالأجرة ولعلها مهنة عمل بها، وأما النخاس فقد قال البغدادي: وقد كان نخاساً يبيع الرقيق وكان له رقيق. من أعجب ما قرأت في سيرته: أنه كانت له جارية من أحسن خلق الله وجهاً، وأكثرهم أدباً، وأطيبهم غناء، تُدعى «سكن»، وكانت تقول الشعر فتأتي بالمعاني الجياد والألفاظ الحسان، وعندما رقَّت حاله، قال لجاريته: قد ترين يا سكن ما أنا فيه من فساد الحال، وصعوبة الزمان، وليس بي وجلال الله ما ألقاه في نفسي ولكن ما أراه فيك، فإني أحب أن أراك بأنعم حال وأخفض عيش، فإن آثرت أن أعرضك على البيع فعلتُ، لعل الله عز وجل أن يخرجك من هذا الضيق إلى السعة، ومن هذا الفقر إلى الغنى. قالت الجارية: ذلك إليك. فعرضها، فتنافس الناس ورغبوا في اقتنائها، وكان أحد من بذل فيها أحد الطاهريين مائة ألف درهم، وأحضر المال، فلما رأى محمود تلك البِدَر سَلِس وانقاد ومال إلى البيع، وقال: يا سكن البسي ثيابك واخرجي. فلبست ثيابها وخرجت على القوم كأنها البدر الطالع، وكان محمود معها، فقالت سكن وأذرت دمعها: يا محمود، هذا كان آخر أمري وأمرك أن اخترت علي مائة ألف درهم؟ قال محمود: فتجلسين على الفقر والخسف؟ قالت: نعم، أصبر أنا وتضجر أنت، فقال محمود: أُشهدكم إنها حرة لوجه الله، وأني قد أصدقتها داري وهي ما أملك، وقد قامت علي بخمسين ألفاً، ثم قال: خذوا مالكم بارك الله لكم فيه، قال الطاهري: أما إذ فعلت ما فعلت فالمال لكما، ووالله لا رددته إلى ملكي، فأخذ محمود المال وعاش معها في رغد. رغم أنني أردت الكتابة عن العيون وأسرارها العجيبة إلا أن القصة السابقة عادت بي إلى حكايات ألف ليلة وليلة التي وجدتها في مكتبة والدي –حفظه الله– العامرة، فأعدت قراءتها أكثر من مرة، وأنا لا أزال في المرحلة المتوسطة، وكنت أحفظ أبيات الشعر التي تروق لي. إنَّ العُيُون لها بَوْحٌ وَرَقْرَقَة أسْمَى وأفْصَحُ ممَّا قِيلَ أو كُتِبَ حقاً.. العين كما نعرف جميعاً هي مرآة النفس، وبوابة القلب، وبوح الروح، ومجهر الحال. نحزن فيظهر ذلك جلياً عبر دمعة خجلى تجوب أرجاء العين حتى يتاح لها الانهمار في لحظةٍ ما بعيداً عن فضول الآخرين، ونفرح فتقفز الابتسامة إلى أعيننا قبل أن تصل إلى شفاهنا، ونقع في الحيرة أو الدهشة فتنطق بها الأحداق قبل الألسن، وتحكي الحال دون مقال. وفي ذلك يقول الشاعر عمارة بن عقيل: العينُ تُبدِي الذي في نفسِ صاحبها من المحبة أو بُغضٍ إذا كانا والعينُ تنطق والأفواهُ صامتةٌ حتَّى ترى من ضمير القلب تِبْيانا إن البغيضَ له عين يصد بها لا يستطيع لما في القلب كتمانا وعين ذي الود لا تنفك مقبلة ترى لها مِحْجَراً بَشَّاً وإنسانا ولنا مع العيون حديثٌ آخر قد أحكي من خلاله بعض ما رأيت في أعين زهرات التقيت بهن في مكان لم أتمن أن أراهن فيه، ولكن لله جلَّ وعلا حكمة في كل شيء قد لا نُدركها إلا بعد حين،، قبل الوداع: سألتني: خاتمةٌ لا بد منها؟ فقلت: قرأت لأحدهم مقولة: «قد ترى المرأة الرجل بأذنيها قبل أن تراه بعينيها»، ولذلك أُعلنها صريحة: «احذروا وسائل التواصل الاجتماعي برُّمتِها تسلموا، وتسلم فتياتكم».