يمكن أن نعذر قادة آسيا إذا شعروا بدرجة من السخط إزاء الفوضى اليونانية الجارية، والتباطؤ وفوضى سوق الأسهم في الصين يسببان ما يكفي من القلق، وآخر شيء تحتاجه المنطقة التي تعتمد على التصدير هو أن تكون أوروبا في حالة من الفوضى، والأسوأ من ذلك، يبدو أن القادة الأوروبيين عازمون على إساءة قراءة أو تجاهل الدروس المستفادة من تجربة آسيا مع الانهيار. وبالطبع، كانت الظروف السائدة في عام 1997 مختلفة تماما، ففي حين أن اليونان تفتقر إلى الملاءة المالية في الوقت الحاضر، كانت آسيا حينئذ خالية من السيولة، ومع هروب رؤوس الأموال من آسيا، فجأة لم يكن بإمكان كل من تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية تسديد ديونها بالعملة الأجنبية، وكثير منها كانت من الديون قصيرة الأجل. مع ذلك، هنالك على الأقل ثلاثة دروس يمكن للمسؤولين في أثينا وبروكسل الاستفادة منها من خلال الإصلاحات التي جرت في آسيا ما بعد الأزمة. الدرس الأول: أن الحوار المتعلق بالتقشف هو أمر مشتت للانتباه. إن النقاد والخبراء الذين يتشاجرون حول دوافع رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، أو فيما إذا كان لدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قلب أو مشاعر رحمة، كلهم تغيب عنهم القضية الحقيقية: الإصلاحات الهيكلية. وتراقب الدول الآسيوية تطورات الأزمة اليونانية بمزيج من الحسد والشماتة، بحسب ما كتب لي جونج- وا، الخبير الاقتصادي في جامعة كوريا، في مقالة افتتاحية حديثة. «عندما تعرضت بلدان آسيا لأزمتها المالية، تلقت مساعدات أقل بكثير، في ظل شروط أقسى بكثير. لكنها تعافت أيضا بشكل أقوى بكثير». ولقد قامت بذلك ليس بسبب الشروط القاسية التي فرضها صندوق النقد الدولي، والتي سببت الألم الشديد بين المواطنين العاديين، وإنما على الرغم منها. رغم جميع الاختلافات بين اقتصادات هذه البلدان، تشاطر اليونان كثيرا من أوجه الشبه مع كوريا في عام 1997: الفساد المستشري، التهرب الضريبي على نطاق واسع، وتحركات العمال الجامدة، والاقتصاد الضخم غير الرسمي، والقلة الحاكمة التي تكتنز الثروة الوطنية. تعافت كوريا عن طريق اعترافها بصراحة بمقادير حجم الديون العامة والخاصة والمبالغ النقدية المتوافرة في خزينة الحكومة. تم السماح بانهيار الشركات الضعيفة والمصارف التي لديها «واسطة» مع السياسيين. وبُذِلت الجهود من أجل تقديم المزيد من الشفافية للمجموعات الصناعية المملوكة للأسر المعروفة بالتشيبول، والتي ساعدت أساليبها المسرفة في الإطاحة بالاقتصاد. أصبح جمع الضرائب هاجسا وطنيا، مثلما انتشرت التضحيات: حيث تبرع ملايين الكوريين بمتاعهم، وخواتم زواجهم، والسبائك الذهبية والأعمال الفنية للمساعدة في سد النقص الحاصل في الخزينة. في شهر إبريل، أذاع تلفزيون دويتشه فيلي حلقة بعنوان «تبرعات الكوريين من الذهب- هل يصلح نموذجا لليونان؟». الدرس الثاني: الاقتصادات الأصغر حجما هي عبارة عن أضرار جانبية. كما توقع إيان بريمر بشكل صحيح في عام 2012 في كتابه «كل دولة لنفسها: الفائزون والخاسرون في عالم بلا جاذبية»، يحصل أكبر اللاعبين على ما يريدون. تقترض الولاياتالمتحدة وتنفق وتصدر إسرافها إلى جميع أنحاء العالم، وعمل تخفيض قيمة الين الذي قامت به طوكيو بنسبة 35 بالمائة على تحويل الين الياباني إلى جواب آسيا على البيزو، دون أي اكتراث بالبلدان المجاورة التي تكبدت خسائر ضخمة نتيجة لذلك. إن الممارسات التجارية المفترسة تعني أن الصين سوف تصدر لفترة طويلة وبشكل لا محدود أكثر مما تستورد. ألمانيا تمسك بجميع الأوراق في أوروبا. لهذا السبب، مثل تايلاند وإندونيسيا وكوريا، يكون الخيار الوحيد لليونان هو تحديث اقتصادها. وفي هذا المقام، تقدم ماليزيا درسا مفيدا. تمكنت ماليزيا من تجنب برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي عن طريق فرضها ضوابط لرأس المال مشابهة لليونان. لكن بعد مرور 18 عاما، لا تزال مفاهيم المحسوبية والخلل الوظيفي والتعتيم الذي دفع رأس المال للهروب موجودة في كثير من المحافل. إن الفضيحة الكبيرة التي تحيط بشركة استثمارات الدولة (ون ماليزيا للتطوير) يبدو أنها تؤكد على عدم وجود إصلاحات في دولة غنية بالموارد مثل أي بلد آخر في آسيا. وحتى لو كان رئيس الوزراء نجيب رزاق بريئا- كما يصر- من التهم التي تقول إن ما يقارب 700 مليون دولار في صناديق شركة استثمارات الدولة تدفقت إلى حساباته الشخصية، يشير تعامل الحكومة مع الأزمة إلى أن ماليزيا عالقة في فترة التسعينيات. بإمكان اليونان مغادرة منطقة اليورو، أو التمسك بها. ما لا يمكنها فعله هو الدفاع عن الوضع الراهن وأن تأمل في أن تبقى قادرة على المنافسة أو أن تكون ذات صلة. الدرس الثالث: تحمَّل الالم الآن، وليس فيما بعد. في عام 1998، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في كوريا بنسبة 6.7 بالمائة. في عام 1999، ارتفع بنسبة 9.5 بالمائة. عادت الأموال لأن المستثمرين رأوا أن سيؤول تتصرف بجرأة لبناء اقتصاد أكثر انفتاحا وأكثر استدامة. لم تقطع الإصلاحات شوطا كافيا، حيث انه لا تزال مجموعات التشيبول مهيمنة بشكل كبير جدا وتعمل على خنق الابتكار. مع ذلك، بحلول عام 2003، كما يشير لي من جامعة كوريا، أغلقت الحكومة ما يقارب من 776 مؤسسة مالية. بعد مرور خمس سنوات على الأزمة، ما مدى ما فعلته أثينا لتطهير تجاوزاتها؟ وتستطيع بقية أوروبا أن تواصل طريقها وتعطي المزيد من الشيكات إلى اليونان، وأن تطالب أثينا بتقليص هذا البند أو ذاك من النفقات. لكن النهاية ستكون سيئة بالنسبة لمنطقة اليورو إذا لم تعمل اليونان على التصدي لمشاكلها الكامنة. إن تجربة آسيا هي دليل على أن الإنكار والتقشف في غير زمانه لا يصلح شيئا.