شهد الأسبوع الماضي اقتحام المستوطنين المتطرفين تحت حماية قوات الاحتلال المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة لتأمين اقتحامات المستوطنين واحتفالاتهم بما يسمى ذكرى خراب الهيكل المزعوم، وبناء المسجد الأقصى على أنقاضه، على حد مزاعمهم، ووقعت مواجهات عنيفة بين مصلين فلسطينيين والشرطة الصهيونية في المسجد الأقصى. ووصف مفتي القدس والديار المقدسة ما حدث بقوله إن قوات الاحتلال حولت المسجد إلى ثكنة عسكرية وهي تعتدي على المصلين والمسجد. حدث يتكرر فالمسجد الأقصى يتعرض لاقتحامات شبه يومية يقوم بها المستوطنون تحت حراسة من قوات الاحتلال؛ لكن عملية اقتحام الأقصى هذه المرة تعتبر تصعيدا خطيرا يعكس ارتفاع وتيرة التهويد في مدينة القدسالمحتلة، تمت بحماية الأمن ومشاركة مسؤولين صهاينة وتحت حماية المخابرات، وقاموا بخلع أحد أبواب المسجد الأقصى، ووصلت انتهاكاتهم إلى حد ضرب السيدات والأطفال، ولم يراعوا أي حرمة للمقدسات، ولعل الصهاينة يختبرون ردود الأفعال المحتملة على الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية ليتسنى لهم تنفيذ مشروعهم التاريخي في إعادة بناء هيكلهم المزعوم.. و«الهيكل» حسب زعم الصهاينة، هو هيكل النبي سليمان عليه السلام، أو معبد القدس، والمعروف باسم الهيكل الأول، غير أن هذا البناء تعرض للتدمير على يد القائد البابلي، نبوخذ نصَّر، أثناء غزوه القدس عام 586 قبل الميلاد. ويصر الصهاينة على أن الهيكل كان في الموقع الحالي للمسجد الأقصى، ولكن الحفريات الواسعة التي قامت بها إسرائيل في المنطقة منذ الاحتلال الصهيوني عام 1967 لم تثبت وجود الهيكل في المنطقة دون أن يكون من الواضح حتى الآن موقعه الحقيقي. وإذا كان العرب والمسلمون مزقتهم الاختلافات وصراعاتها، والأزمات واختناقاتها فإن قضية فلسطين والمسجد الأقصى هي القضية التي لا يختلف عليها اثنان في مشرق عالمنا العربي والإسلامي ومغربه. فمتى ينتبه العرب والمسلمون إلى خطورة الوضع في مقدساتهم التي نص عليها الكتاب العزيز {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء. هذا الحدث أثار موجة من التنديدات والبيانات حيث طالب الفلسطينيون بتحرك عربي وإسلامي عاجل لإنقاذ القدس والمقدسات، وحذر البيان الصادر سلطتهم من التعامل مع عمليات التهويد الإسرائيلية لمدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية بشكل اعتيادي ومألوف. واعتبر أن القدس بحاجة ماسة لوقفة عربية وإسلامية جدية، وفاعلة، وقادرة على ردع ومحاسبة إسرائيل على عدوانها المتواصل ضد المدينة المقدسة. وأعلنت الجامعة العربية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحضير والترتيب لإقامة الهيكل المزعوم، كما أدانت منظمة التعاون الإسلامي، هذا الاقتحام الصهيوني الذي يعد استفزازا لمشاعر الأمة الإسلامية، وانتهاكاً صارخاً للقرارات والمواثيق الدولية. ووجهت دعوة إلى مجلس الأمن الدولي، لتحمل مسؤولياته تجاه وضع حد لهذه الانتهاكات. وشددت هيئة كبار العلماء في بيانها، على أن هذه الجرائم الصهيونية توجب على المسلمين حكومات وشعوبا، الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين، والعمل على منع اليهود من الاستمرار في اعتداءاتهم على المسجد الأقصى وإنهاء الاحتلال الظالم للأراضي الفلسطينية. ودعت المجتمع الدولي إلى عدم الكيل بمكيالين والنظر للإرهاب نظرة واحدة، مؤكدةً أن ما تقوم به قوات الاحتلال في فلسطين، هو إرهاب دولة، وهو أخطر من أي إرهاب لما تتوفر عليه الدولة من إمكانات وقدرات. لكن كل هذه البيانات والتنديدات غير كافية لردع الصهاينة عن عدوانهم بل لا بد من وقفة عربية إسلامية جادة تلزم المعتدي بالكف عن عدوانه. والآمال معقودة في أن يتخذ قادة العرب والمسلمين موقفا موحدا وحازما إزاء هذه الاعتداءات على الحرمات والمقدسات، يعبر عن إرادة شعوبها ويترجم إلى فعل مؤثر على الأرض يوقف هذه الانتهاكات الصهيونية لمقدساتنا وأعراضنا. لقد تأملت صور الأبطال من شباب فلسطين وشاباتها حتى المسنين والمسنات، لا سيما من المرابطين في المسجد الأقصى الذين يعملون بشكل تطوعي للبقاء داخل المسجد الأقصى للتصدي لأي محاولة اقتحام من قبل المتطرفين اليهود وقوات الاحتلال، وتظهرهم الصور وهم يواجهون بأجسادهم عدوان المستوطنين وشرطتهم وأصيب العشرات منهم، واضطرت جنود الاحتلال، للانسحاب من ساحات المسجد الأقصى، مخلفين دمارًا كبيرًا، فيما أصيب 17 فلسطينيًا اصطبغت ساحات الأقصى بدمائهم. إنهم من الطائفة المنصورة التي أنبأتنا بها مبشرات النبوة: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) رواه مسلم. * أستاذ مشارك بجامعة الدمام