ساد جو من التشاؤم وسط الرأي العام الخليجي وحالة من الحساسية والتحسس والتوجس والخوف بعد اتفاق فينا الذي توصلت له إيران والدول الست الكبرى حول المسألة النووية الإيرانية. وصل بالبعض ان قال إن هذا الاتفاق يشكل خطرا وجوديا على دول الخليج وان دول الخليج أصبحت في مهب الريح، وأي ريح... ريح صرصر عاتية، ونسي «هذا البعض» عاصفة الحزم التي اركعت مليشيات الحوثي وصالح رغم كم الدعم الإيراني الهائل لهما. خلافاً لهذا الجو المشحون وتحليلات «هذا البعض» سوف ينصب تركيزي على مسألة رفع العقوبات. واعتقد أن موضوع رفع العقوبات حسب ما نشر لم يكن كارثيا على أمن الخليج. ويمكن تلخيص هذه الجوانب في نقطتين رئيسيتين: أولا: تدريجية رفع العقوبات ظل الخطاب الإيراني الرسمي طيلة فترة المفاوضات يكرر ان أي اتفاق مشروط برفع فوري للعقوبات وأن يكون مدرجا في أي توافق نووي. ثم جاء الاتفاق ينص صراحة على أن العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران وأدت إلى خنق اقتصادها ستكون بصورة تدريجية ومشروطة لقاء ضمانات ب أن طهران لن تعمل على امتلاك السلاح النووي. ففي خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء 14يوليو 2015، بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق نووي، أكد أن إلغاء العقوبات سيكون عملية تدريجية، حيث قال: «سيتم إلغاء العقوبات المفروضة على إيران بشكل تدريجي بعد قيام إيران بالتزاماتها. وكرر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نفس الموقف في صيغة مماثلة حين قال «يتم إلغاء الحظر المفروض على إيران فقط بعد قيام طهران بالتزاماتها الأساسية». فرفع العقوبات سيكون بشكل أولي من النصف الأول من العام 2016 ثم ترفع بشكل نهائي بموجب الاتفاق في شهر ديسمبر. إلا أن قرار الرفع سوف يسبقه تقرير مقدم من رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن حول مدى التزام إيران بتعهداتها مثل الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي أو خفض مخزونها من المواد الانشطارية. بمعنى أن المجلس سوف يتلقى تقريراً من الوكالة يؤكد التثبت من أن البرنامج النووي الإيراني بات سلمياً بالكامل، عندها «يتم إلغاء» القرارات السبعة التي اتخذتها الأممالمتحدة منذ 2006 لفرض عقوبات على إيران وهي القرارات 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 و2224، القرارات التي تتضمن منع كل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة من امدادات وبيع أو نقل كل المواد والمعدات والبضائع والتكنولوجيا التي يمكن أن تساهم في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب أو المياه الثقيلة. ثانيا: تلقائية عودة العقوبات اعتمادا على النقطة السابقة، فانه في حال تم خرق وانتهاك الاتفاق المبرم من قبل النظام الإيراني يبدأ حينها العمل بالعقوبات مجددا خلال 65 يوما من ذلك. ففي نفس الخطاب أكد الرئيس الأمريكي أن العودة إلى العقوبات إذا أخلت إيران بالتزاماتها التي وافقت عليها ضمن الاتفاق. فاتفاق فيينا يتضمن آلية تسمى «سناب باك»، وتعني أن مجلس الأمن يمكن أن يعيد فرض العقوبات في حال عدم التزام إيران بتطبيق الاتفاق بشكل شبه تلقائي. فيكفي أن ترفع إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تملك حق «الفيتو» فيه، قراراً ينص على أن العقوبات تبقى مرفوعة ثم أن تضع «فيتو» على هذا القرار نفسه حتى تفرض العقوبات مجدداً. وهذه الآلية الأولى من نوعها والتي توصف ب «العودة إلى الوضع السابق» ستبقى سارية طوال مدة الاتفاق أي عشر سنوات غير أن الدول الكبرى أعلنت منذ الآن نيتها تمديدها لخمس سنوات إضافية بموجب قرار جديد لتبقى سيفاً مسلطاً على إيران لمدة 15 عاماً بالإجمال. اعتقد ان موضوع رفع العقوبات عن إيران حسب ما نشر يوفر آلية صارمة وخطوة معززة لضمان عدم تلاعب إيران واظهار مدى التزامها بما ورد في نص الاتفاق. محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية