في الحلقة السابقة .. تناولنا من خلال مقارنة ميدانية اختلاف النمط المعيشي وأسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية بين حيين متجاورين في مدينة الدمام، وقد كشفت المقارنة عن بون شاسع في طبيعة العلاقات الاجتماعية وأسلوب الحياة بين ما يعيشه أهالي حي مخطط 8 وبين نظير ذلك لدى جاره حي الروضة، .. وفي هذه الحلقة لنا أن نؤكد حقيقة وجود الطبقية الاجتماعية بين جارين آخرين تحويهما نفس المدينة / الدمام، وذلك لما حاولنا قراءة أوجه الاختلاف اجتماعيا بين حي الدواسر ( القديم ) وبين جاره حي (الحمراء ) الحديث نسبيا، .. وفي سبيل البحث والمقارنة خرجنا في هذه الحلقة من ملف الطبقية الاجتماعية بنتائج تؤكد وجود طبقية اجتماعية تثير العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب والمسببات والنتائج والتداعيات في واقع المجتمع المدني السعودي .. فإلى مجمل التفصيل : حي الدواسر ساهم تطور أنماط الحياة لدى الكثير من الناس في اندثار بعض العادات والتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد .. والتي كان بعض أهالي الأحياء القديمة في مدينة الدمام مشهورين بها، ومن ضمن تلك الأحياء التي كانت تنبض بالحياة المهنية حي الدواسر، فقد كانت ومازالت عادات أهالي سكان هذا الحي موجودة حتى يومنا هذا .. وقد توارثها الأبناء عن الآباء، وحول هذا المحور تحدث في البداية أحد سكان حي الدواسر وهو محمد الزوري 60 عاماً وهو اللاعب السابق بنادي النهضة ووالد لاعب الهلال والمنتخب السعودي عبدالله الزوري. وتحدث الزوري حول تاريخ هذا الحي فقال :» كان سكان حي الدواسر في الماضي وتحديداً في بداية تأسيسه « أي قبل 65 عاماً « يعتبرون هم حجر الزاوية من حيث لغة الترابط الاجتماعي، وذلك لاعتبار أن غالبية السكان هم من قبيلة الدواسر، وهذا الشيء ساعد في تلك الحقبة أن يكون هذا الترابط هو السائد، لدرجة أنك قد لا تفرق بين أحد من أبناء أو أهالي الحي من شدة الترابط الأسري الذي كان يسود المكان»، ويضيف الزوري :» لقد كان للحياة في تلك الفترة طعم خاص، ولعل أكثر ما يميز هذا الترابط أن رجال الحي من كبار وصغار كانوا على الدوام يجتمعون في مجلس أحدهم كي يتبادلوا أطراف الحديث والمواقف وذكريات طفولتهم والتي ارتبطت بهوية حي «الديرة»، كذلك كانت نساء الحي يتجمعن في أحد المنازل وبشكل يومي، خاصة في فترة الصباح» الضحى» إلى حين وقت صلاة الظهر، أما الشباب فتجدهم يمارسون كرة القدم في الساحات الموجودة في الحي، بشكل عام كان الحي تعج رائحته بالأخوة»، ومن جهة أخرى تحدث مبارك الصانع 66 عاماً حول محور الموضوع فقال :» اندثرت بعض العادات والتقاليد الاجتماعية بسبب هجرة سكان الحي الأصليين وانتقالهم إلى الأحياء الجديدة، وبالتالي يحل محل السكان الأصليين مجتمع ليس له صلة بالحي من حيث الانتماء، إلا أن ذلك لم يؤثر على من تبقى من السكان، فمازالت بعض العادات التي كانت تمارس في الماضي بين كبار السن سواء من الرجال او النساء قائمة حتى الآن، ويحرص الكثيرون على اللقاء في مجلس أحدهم حتى أصبحت لهم ك» ديوانية»!!، فيما لم تزل عادات بعض النساء مستمرة حتى يومنا هذا، وهذا الشيء نابع من حرصهن على الترابط الاجتماعي، ولعله من الملفت أن تطور نمط الحياة في الدمام وانشغال الكثير من السكان بظروف المعيشة لم يؤثر على عشق سكان الحي الأصليين له، فترى الكثير ممن هاجروا الحي منذ سنوات يترددون على الحي بين حين وآخر، .. خاصة في المناسبات سواء مع قدوم شهر رمضان الكريم أو في الأعياد والمناسبات، كذلك تجدهم يترددون بين حين وآخر لزيارة أقاربهم»، ويشارك الصانع رأيه علي النشمي 70 عاماً ويضيف فيقول:» كانت أبرز العادات الحميمة التي كنا نقوم بها خاصة في شهر رمضان هي التزاور وتبادل أنواع الأطباق والمأكولات فيما بين الجيران، لدرجة أن البعض من نساء البيوت لا تطهي سوى صنف واحد وبقية الاصناف تأتيها من الجيران»، وعن عادات وتقاليد سكان الحي في الوقت الحالي وما طرأ عليها من تغيير يقول أحمد عيسى البالغ من العمر 52 عاماً :» يحد حي الدواسر من الشمال شارع الملك عبد العزيز، ومن الجنوب شارع الملك سعود، ومن الشرق الشارع الحادي عشر، ومن الغرب الشارع الثامن عشر، وتعتبر عادات وتقاليد مجتمع هذا الحي جزءا لا يتجزأ من العادات والتقاليد التي توراثها الأبناء عن الآباء. حي الحمراء على الجهة الشرقية الشمالية لحي الدواسر يقع حي الحمراء أحد الأحياء الجديدة في مدينة الدمام والواقع بمحاذاة كورنيشها، وهو على شكل شبه جزيرة يحده الكورنيش من ثلاث جهات الشمال والشرق والغرب .. وفي نهاية الجهة الشمالية للحي تقع جزيرة المرجان السياحية الشهيرة، وكان الحي لوقت قريب مشهورا بحي « المباركية « نسبة لصاحب المخطط، وحالياً يعرف « بالحمراء «، وعمر الحي لم يتجاوز بعد ال 17 عاما، .. علي الحسن 55 عاماً وهو أحد سكان حي الحمراء، تحدث حول محور موضوعنا فقال :» هناك عادات وتقاليد سائدة بين أهالي المنطقة الشرقية والتي كانت تتسم بقوة الترابط الاجتماعي بين أهالي الحي، وهذه موجودة في كل زمان ومكان .. بيد أنها اندثرت وأصبحت بشكل متواضع جدا،. ولكن الذي مازال قائماً هو الترابط الاسري فقط، ونحن في حي الحمراء خاصة الذين لديهم أقارب تجدهم يتزاورون في كل الأوقات وفي بعض المناسبات سواء في الأعراس أو الأعياد»، وفيما يتعلق بسكان الحي غير أولئك يقول الحسن :» هؤلاء قد يكونون غائبين بتاتاً، والسبب يعود لتوفر الفلل وشقق الإيجار المفروضة على الحي وأهله، والتي تقطنها تشكيلة متنوعة من أبناء الشعب السعودي ومن جميع المناطق، حيث تجدهم يمكثون في الحي فترة وجيزة، ومن ثم يعودون إلى مناطقهم، وهذا الشيء خلق نوعا من التنافر بين الجيران، وساهم بطبيعة الحال في عدم تكيف الجار مع جاره، وكذلك صنع ذلك نوعا من تعدد الأنماط والطبائع بين السكان الموجودين حالياً»، ويؤكد هذا الرأي عبدالله أحمد 60 عاماً في حديثه فيقول :» رغم وجود مركز للتنمية الاجتماعية بالحي منوط بكل أنشطتها وفعالياتها إلا أن ذلك لم يساعد على خلق جو من الترابط الاجتماعي بين أسر الحي،و قد يكون اختلاف أنماط المعيشة فيما بين الناس ساهم بشكل كبير في هذا التنافر القائم بين سكان الحي، وإن ما يميز الحي أنه يعتبر من الأحياء الراقية والحديثة، كما تتوفر فيه جميع الخدمات، فضلا عن موقعه الفريد الذي يجعلك تستمتع بالجلوس على الكورنيش و الاستمتاع بساحل مياه الخليج العربي ومشاهدة ميناء الملك عبدالعزيز من الجهة الأخرى ورؤية مدينتي سيهات والقطيف وجزيرة تاروت «