تعتمد موازنات الدول الخليجية بشكل كبير على سعر برميل النفط في احتساب موازناتها العامة، حيث يحدد سعر البرميل ما إذا كانت الموازنة ستحقق فائضًا أم عجزًا في نهاية السنة المالية. وتكون أكثر الاقتصاديات تأثرًا بالتذبذب في أسعار النفط هي تلك الدول التي تعتمد على عائدات النفط بصورة أكبر في موازنتها العامة. ووفقا لتقرير موقع مباشر الاقتصادي حول تأثير تقلبات أسعار النفط على معدلات النمو في دول الخليج، تأتي الكويت على رأس تلك الدول حيث يستحوذ القطاع النفطي على 64% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تبلغ النسبة 54% في قطر و49% في عمان و47% في السعودية وأخيرًا تبلغ النسبة في الإمارات والبحرين 32% و28% على الترتيب. ووفقًا للبيانات السابقة يفترض أن أكثر الاقتصاديات الخليجية تأثرًا بانخفاض أسعار النفط هي الكويت، إلا أن الموازنة الكويتية تتمتع بأمان نسبي نظرًا لأن سعر البرميل المعتمد للموازنة هو 70 دولارًا. كما ينعكس تراجع أسعار النفط على الانخفاض التدريجي للفوائض النقدية في موازنات دول الخليج، وانخفض الفائض المالي للموازنة السعودية إلى 2.5% فقط من إجمالي الموازنة خلال عام 2014 الأمر الذي قد يتطور إلى حدوث عجز بالموازنة ربما خلال عام 2015. ورغم إصرار عدد من المسئولين في الدول الخليجية على أن الانخفاض الحالي في أسعار النفط لن يؤثر بشكل كبير على اقتصادياتها، فإنه وعلى غرار تشهده حكومات عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبدو الحاجة ملحة ومتزايدة لاتخاذ إجراءات صعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من أجل تخفيض العجز الكبير في المالية العامة. ومما لا شك فيه أن تخفيض العجز ليس هدفاً في حد ذاته. لكن مستويات العجز في العديد من البلدان تضخمت للغاية وستؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالنمو والاستقرار المالي. وفي نفس الوقت، قد تسفر إجراءات تخفيض العجز عن ظهور آثار سلبية على النمو الاقتصادي في الأجل القصير. ومن ثم فإن السؤال الآن هو ما التدابير التي يتعين على صانعي السياسات اتخاذها لتخفيض عجز الموازنة مع الحد من الأثر السلبي على النمو الاقتصادي وعلى محدودي الدخل. في دراسة حول هذا الموضوع، يقول صندوق النقد الدولي أن الكثير من حكومات بلدان المنطقة توسعت توسعا كبيراً في الإنفاق على الدعم والأجور طوال الأعوام الماضية وذلك لتلبية المطالب الاجتماعية ومواجهة زيادة أسعار الغذاء والوقود. غير أن الإيرادات العامة ظلت تتراجع لأسباب مختلفة، منها تباطؤ النشاط الاقتصادي على المستوى الإقليمي. ونتيجة لذلك، لا تزال بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه زيادة كبيرة في عجوزات المالية العامة المزمنة، من حوالي 5.5% في عام 2010 إلى متوسط قدره 8.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014. وسوف يتعذر تحمل مثل هذه الزيادة في الاختلالات المالية لفترة طويلة. والواقع أن المجال لا يتسع في الفترة المقبلة لزيادة الإنفاق الحكومي. فقد ارتفع متوسط الدين العام في بلدان المنطقة إلى أكثر من 78% من إجمالي الناتج المحلي، وقد تصل الديون إلى مستوى لا يمكن الاستمرار في تحمله إذا تباطأ النمو بدرجة تفوق التوقعات أو ارتفعت أسعار الفائدة. وعادة ما يقتضي تخفيض العجز اتخاذ تدابير لزيادة الإيرادات الحكومية، من جهة، وتخفيض الإنفاق من جهة أخرى. وبالنسبة لزيادة الإيرادات فيمكن أن تتحقق برفع المعدلات الضريبية أو بتوسيع القاعدة الضريبية. وتتحقق هذه الأخيرة بتنفيذ التدابير الإصلاحية التي تهدف إلى زيادة كفاءة النظام الضريبي وحل مشكلتى التهرب والتجنب الضريبي. أما تخفيض الإنفاق الحكومي فيقتضي خفض المصروفات الجارية (بخلاف الفوائد) والرأسمالية. ومن شأن مراعاة التوازن بين المكونات المختلفة للإيرادات والنفقات أن تساعد في التخفيف من الآثار السلبية على النمو من جراء تنفيذ تدابير خفض العجز. وهنا يمكن توضيح بعض التدابير في مجالي الضرائب والإنفاق في بلدان المنطقة التي يمكن اللجوء إليها في الوقت الراهن. فعلى جانب الإيرادات، يلاحظ أن ضرائب الممتلكات وضرائب المبيعات هي أقل أنواع الضرائب ضرراً على النمو. وفي المقابل نجد أن الضرائب على التجارة وضرائب الدخل هي الأكثر ضرراً على النمو. وعلى جانب النفقات، يلاحظ أن المزايا الاجتماعية والدعم هي أقل التدابير دعماً للنمو، بينما يلاحظ أن المصروفات الرأسمالية هي غالباً أكثر الأدوات دعماً للنمو. ومن أهم الأولويات المالية في المنطقة استخدام شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف المستحقين، بحيث تكون بديلاً لنظام الدعم المعمم الذي لا يوفر المساندة الكافية للفقراء إلى جانب ارتفاع تكلفته. لذا هناك حاجة ماسة بوجه عام لتحسين جودة الإنفاق الحكومي في بلدان المنطقة بهدف تحقيق آمال شعوبها وتلبية احتياجاتها الاجتماعية، الأمر الذي سيفسح المجال لزيادة الإنفاق الاستثماري والحد من العجز المالي الذي يتسبب في رفع مستويات المديونية ومزاحمة القطاع الخاص فيما يحتاجه من قروض. ومن شأن سياسات الإصلاح الهيكلي الرامية إلى زيادة الإنتاجية الكلية في الاقتصاد، وبالتالي زيادة النمو المحتمل، أن تعوِّض الأثر السلبي لتدابير التقشف المالي. ومن المفترض أن يؤدي النجاح في تنفيذ هذه المبادرات المعنية بتحسين جودة الإنفاق وإعادة التوازن بين مكونات زيادة الإيرادات والإنفاق إلى زيادة فرص العمل وتحسينها، وتحقيق توازن أكبر في مواجهة تراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية وهو ما يبدو واضحا إن دول المجلس تسعى إليه في الوقت الحاضر من إجراءات تحفيزية للاقتصاد تتمثل في التركيز على المشاريع الاستثمارية التي تحرك الطلب على أنشطة عديدة في الاقتصاد مما يسهم في تحريك دورة كاملة من التأثير المتبادل للنمو في هذه الأنشطة.