من الطبيعي أن يكون العيد هذه الأيام مختلفاً عن العيد (أيام زمان)، بسبب الطبيعة التي تقتضيها التطورات الحضارية، ولكن يبدو أن أعيادنا مكررة، وأكاد أجزم أن الحديث في بعض المجالس في هذا العيد سيتطرق إلى العيد (ايام زمان) وحلاوته وكلاسيكيته، وسيأتي من يكرر أنه في الماضي كان تعبيراً صادقاً عن التكافل والتواصل والمحبة والرحمة التي تشمل الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران والمرضى، وأن الأطفال كانوا يستعدون للنوم في ليلة العيد بعد صلاة العشاء مباشرة، وسيتكرر قولهم بأن الأعياد (أيام زمان) كانت أجمل، كما سيكرر أطفالنا (تعلقهم) في يوم العيد بألعاب (الآي باد) و(البلاي ستيشن) و(الواتس اب) والكمبيوتر، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، وقد يكرر علينا التلفاز أغنية (من العايدين ومن الفايزين..)، وقد يكرر الشعراء قصيدة المتنبي عن العيد التي مطعلها البيت الشعري الكئيب: (عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ)، رغم أنه من الكياسة والذوق أن نبتعد عن هذا البيت الكئيب؛ لننشر التعبيرات المتفائلة ونشعر ببهجة العيد ولا (نكدر) نكهته بالتنغيص على الآخرين؛ لأن الفرح في العيد جزء من العبادة بعد الصيام. سيكرر البعض تجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالدهون والسكريات، مكررين القول المشهور (حبة وحدة ما تضر).. وسيتكرر تناول الشوكولاتة بأنواعها بشغف وبحنين، ومن الحنين ما قتل..! أما الجديد في أعيادنا فهو تدخل (العولمة) في أخص خصوصيات أعيادنا، فها هي رسائل (الواتس اب) المهنئة بالعيد السعيد تنهال علينا، وها هم الناس يقومون (بالقص واللزق) فيما يتعلق بإرسال الرسائل، وتظل الرسالة الواحدة تدور بين آلاف المهنئين.. وربما يكتفي جارك -الذي بينك وبينه أمتار- بإحدى تلك الرسائل دون أن يزورك أو تزوره في العيد. الشيء العجيب والمحمود الذي لم يتكرر هذا العام، هو أن رمضان مرّ بيسر وسهولة دون أن (تنطفئ) الكهرباء.. ولم نسمع النغمة الشهيرة (المكررة) لشركة الكهرباء التي مفادها (إن سبب انقطاع الإمداد الكهربائي هو الأحمال الزائدة).. وشكراً لشركة الكهرباء (ما قصرت). أما الأشياء التي تميز عيدنا عن أعياد الأمم الأخرى هو أن أعيادنا دينية؛ لأننا نؤمن بأن الدين لا ينفصل عن الدنيا، وأن عيدنا جزء من نسيجنا الثقافي الذي به نفصح عن اعتزازنا بتراثنا، وأن العيد (رباني) أمر الله به، وهو يوم فرح الصائمين بفطرهم، وهو عبادة وتعبير عن الفرح والسعادة وذكر الله وشكره. ينبغي أن نستقبل العيد بفرح عارم، وننشر البهجة والسرور، ونصفي النفوس ونزيل ما علق بها من غبار الدنيا. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وأعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية وهي تحتفل بتحقيق المراد، وأرجو أن لا تنسينا فرحتنا بهذا العيد الدعاء لإخوة لنا لم تكتمل فرحتهم.. وأعني هنا رجال الأمن الأشاوس في كل مكان، الذين غابوا عن أُسرهم في العيد، اللهم احفظهم واحفظ أهلنا في الجنوب وفي اليمن وفلسطين وافغانستان والعراق وتونس ومصر وسائر عبادك في العالم.. وعساكم من عواده، وكل عام وأنتم بخير. * مدير مركز "اسكب" للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة