مشكلة حوادث المرور ليست بالأمر المستحدث، فهي مشكلة تعاني منها جميع الدول والبلدان على حد سواء منذ عقود طويلة ولكن بنسب متفاوتة، وترتب على إثرها ارتفاع متزايد في معدل الوفيات والإصابات الخطيرة وتضاعف الخسائر البشرية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الهائلة، وهذا ما دفع الدول نحو الإسراع للتصدي لتلك المشكلة واتخاذ ما يلزم لمقاومتها، إلا أن الدول النامية لم تتخذ الإجراءات والاحتياطات الكافية لضمان تحقيق السلامة على الطريق، مما جعلها تواجه مخاطر كبيرة تهدد حياة الأفراد والجماعات بصورة مستمرة. والمملكة واحدة من الدول التي لحقها جملة من الأضرار والخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن حوادث المرور، والاحصائيات تشير إلى ارتفاع نسبة الحوادث وبالتالي ارتفاع نسبة الوفيات والإصابات والخسائر الاقتصادية، ولو نظرنا لحجم الخسائر الاقتصادية فقط لوجدنا أن المملكة تتكبد خسائر قدرها 21 مليار ريال سنوياً، ونصيب المنطقة الشرقية وحدها من تلك الخسائر هو ثلاثة مليارات ريال سنوياً. ونتيجة لذلك قامت المملكة باتخاذ العديد من الإجراءات الوقائية والعلاجية لمقاومة تلك المشكلة، ومنها إصدار نظام المرور ولائحته التنفيذية، الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (85) وتاريخ 26/10/1428ه لتفعيل أخلاق القيادة وإلزام قائدي السيارات والمركبات بالالتزام والتقيد بكافة التعليمات الصادرة في ذلك النظام، وتخويل الجهات الخاصة المكلفة بأمن الطرق بعمل كل ما يلزم للحد من حوادث السير، وضبط جميع المخالفات الصادرة عن قائدي السيارات والمركبات لمخالفة تجاوز السرعة عن الحد المسموح به، وقيادة السيارة أو المركبة بدون رخصة قيادة، والقيادة في الاتجاه العكسي للسير، وغيره من المخالفات الأخرى التي تتسبب في وقوع الحوادث المرورية. ولو خصصنا الحديث عن تلك المشكلة في المنطقة الشرقية لوجدنا أن هذه المنطقة تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة ومكانة اقتصادية مرموقة، حيث تعتبر هي المركز الرئيس لقطاع الصناعة في المملكة، خاصة أعمال الزيت والغاز والبتروكيماويات. كما تحتضن العديد من المدن الصناعية والموانئ سواءً في الدمام أو الجبيل مما جعلها منطقة نشطة وذات أهمية اقتصادية كبيرة على جميع الأصعدة. وقد كان لهذه العوامل وغيرها العديد من النتائج ذات الصلة بالحركة المرورية، حيث إن تنامي وازدياد الحركة التجارية والصناعية أدى إلى تضاعف حجم الإقبال على الطرق الرئيسية من قبل الشاحنات والمركبات، وهذا ما يعني حدوث ازدحام وتكدس مروري تشهده أغلب شبكات الطرق في معظم المناطق الحيوية، الأمر الذي يكون له انعكاساته السلبية في وقوع حوادث السير بنسب مرتفعة، علاوة على إيقاف وتعطيل حركة السير. ولمواجهة هذه المخاطر بادر القائمون والمسئولون باتخاذ إجراءات متعددة لتحقيق السلامة المرورية، ومنها تأسيس وإنشاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة الشرقية، حيث تأسست هذه اللجنة في عام 1430ه ويترأسها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية. والهدف الرئيس من إنشاء هذه اللجنة هو تحقيق السلامة لقائدي السيارات والشاحنات والمارة، وذلك من خلال وضع آليات واستراتيجيات ولوائح مرورية وبرامج متنوعة لضمان سلامة الأفراد وللحفاظ على الموارد الاقتصادية للدولة التي يتم استنزاف جزء ليس باليسير منها بفعل حوادث السير، ولهذا تعمل هذه اللجنة على تقديم الحلول المتكاملة والمتزنة لبلوغ السلامة المرورية المنشودة. ورغم هذا كله إلا أن هذه الجهود لن تتأتى ثمارها إلا عندما يحترم قائد السيارة أو المركبة أو الشاحنة أنظمة المرور ويتحلى بأخلاق القيادة ولو بالقليل منها، لأن اللامبالاة لأنظمة وأخلاقيات القيادة هو مصدر الداء في بلادنا. وعليه لابد أن يشمل الدواء أنظمة صارمة تحد من هذه المخالفات الخطيرة لأن من أمن العقوبة أساء الأدب. ونغتنم هذه الفرصة لنقدم لجميع قراء جريدتنا الغراء «اليوم» أحلى التهاني بمناسبة قرب حلول عيد الفطر المبارك أعاده الله على هذه البلاد المباركة وعلى الأمتين العربية والإسلامية بالخير والمسرات. وختاماً نفيد القراء الكرام بأن رؤى قانونية ستتوقف خلال هذه الإجازة، وستعاود مقالاتها الأسبوعية مع بداية شهر ذي القعدة إن شاء الله تعالى. * المحامي والمستشار القانوني