يعد مسجد الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- الواقع في المنطقة التاريخية وسط محافظة الطائف، من أقدم مساجد العالم الإسلامي، ومن أهم الآثار الإسلامية الدالة على سمو رسالة الإسلام في إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم، إذ ظل 14 قرنا منبرًا علميًا لطلبة العلم في مصر، والشام، والعراق، ومختلف أرجاء العالم الإسلامي الذين يبحثون في مجالات علوم الشريعة، وأصول الفقه، وعلم الحديث، والتفسير، واللغة، والنحو والصرف، والتاريخ. وشيّد بنو ثقيف مسجد ابن العباس في المكان الذي صلى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثناء حصاره (سنة 8ه) لفلول هوازان الذين دخلوا الطائف بعد فرارهم من المسلمين في غزوة حنين، بحسب ما روى إمام وخطيب المسجد الدكتور مهدي قاري، الذي أوضح أن النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- أمر عُثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه - أن يؤم أهل الطائف فيه. وأشار قاري إلى أنه تقع في الجهة الشرقية من المسجد مقبرة تضم جسد (11) صحابياً من الذين استشهدوا أثناء حصار المسلمين للطائف ودفنهم وصلى عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تلك البقعة، كما يقع أيضاً قبر حبر الأمة عبدالله بن العباس وبجواره قبر الإمام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وتوالى الخلفاء الراشدون ومن بعدهم الخلفاء في العصر الأموي على العناية والاهتمام بمسجد ابن العباس حتى جاء العصر العباسي، الذي شهد في زمن خلافة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء سنة (592ه) إعادة وتوسعة بناء المسجد وسمي على اسم حبر الأمة وفقيهها الصحابي عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-، الذي أحب التنقل بين الشام والمدينة المنورةومكةالمكرمةوالطائف طلباً للعلم ونقلاً للعلوم الدينية وتعليمها للناس، وأتخذ رضي الله عنهما الطائف مقراً له ومسكناً لقربها من مكةالمكرمة، حيث ظل بها حتى توفي ودفن بها رضي الله عنه عام 68ه. وُبني المسجد من الحجارة على مساحة صغيره، وبأرضية ترابية مغطاة بالسعف، وجدّدت البناء في العهد العثماني عدة مرات، بينما في العهد السعودي أمر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - سنة 1378ه بإعادة بناء المسجد العباسي عمارة كاملة، وبناء منارته وأبوابه وزيادة مساحته الإجمالية من الجهة الغربية، واستمر العمل أيضا على تجديد المسجد وزيادة طاقته الاستيعابية للضعف في مطلع عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - سنة 1381ه، لتبلغ مساحته الإجمالية 15 ألف م2، وأضيفت للمسجد منازل ودور سكن للإمام، والمؤذن، والعاملين، مصحوبا بمحلات تجارية جعلت من المنطقة مكانا مهما للتبادل التجاري والثقافي. وتعمل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على إقرار وتنفيذ مشروع إعادة بناء مسجد عبدالله بن العباس وترميمه بما يوازي مكانته الإسلامية والتاريخية، إذ تبلغ المساحة الإجمالية للمشروع (145.156.86) م2 تحيط بها أربعة شوارع رئيسة ويتكون من: مصلى رئيس للرجال في الطابقين الأرضي والميزانين يتسع ل (11.300) مصل، إضافة إلى مصلى للنساء في طابق الميزانين يتسع ل (1000) مصلية. وفي ذلك السياق أوضح مدير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف الشيخ عبدالعزيز المدرع، أن المشروع يتضمن إعادة بناء مكتبة مسجد العباس، حيث تتألف من طابق قبو وطابق أرضي وثلاثة طوابق علوية وملحق تبلغ مساحة كل طابق (1.120م2) يحتوي على صالات للمطالعة العامة والسمعية والبصرية والإلكترونية والفهارس، وبوفيه، وصالات محاضرات، وغرف إدارية للنسخ والصيانة والمستودعات.