يعد مسجد عبدالله بن عباس من أشهر مساجد مدينة الطائف الجبلية، والذي أنشئ عام 592ه أيام الناصر لدين الله أبي العباس احمد بن المستضيء العباسي، وسمي بذلك لأنه يقع بجوار مقبرة حبر هذه الأمة وفقيهها الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما الذي تنبأ رسول الله بموته ودفنه في الطائف. يقول الباحث عيسى القصير: «أحب ابن عباس التنقل بين الشام والمدينة المنورةوالطائف لنقل العلوم الدينية وتعليمها للناس إلا انه أحب الطائف لقربها من مكةالمكرمة، واستقر بها حتى وافته المنية عام 68ه، ودفن بها في الجهة التي تقع أمام مصلى النساء حاليا، وهي مسورة بالزنك، وبني بعد ذلك المسجد حوله وسمي باسمه». ويقع بجوار قبر ترجمان القرآن، قبر الإمام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، الأخ غير الشقيق للحسن والحسين، وهناك بعض الروايات التي تؤكد أن هناك قبرا ثالثا لعبد الله بن رسول الله، الملقب الطاهر الطيب الذي دفن هو الآخر هناك. ومن الجهة الشرقية للمسجد، يقع قبر الشهداء وهو ذو مساحة صغيرة جدا، وللقبر قصة، فقد شهدت مدينة الطائف قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في عام الحزن في العام العاشر من البعثة، والأخرى في العام الثامن من الهجرة، فقد قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام وبعض الصحابة رضوان الله عنهم أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم لفتح الطائف ودعوة قوم بني ثقيف للدخول إلى الإسلام بعد غزوة حنين. واختار رسول الله أرضا بيضاء قاحلة تقع في قلب الطائف (حاليا هي موقع المسجد) لتكون مواجهة لسدود بني ثقيف، وبدأت المعركة بدق المنجنيق الذي وقف أمامه السور دون أن يحركه حتى انهالت على المسلمين النبال، والتي أدت إلى استشهاد 11 صحابياً كريماً والذين دفنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقعة التي وقفوا عليها وتسمى حاليا مقبرة الشهداء وتقع بجوار المسجد.وأشار القصير الى ان المسجد قديما في عهد الأشراف، حكام الحجاز سابقا،كان صغير المساحة مبنيا كغيره من المباني بالحجارة، وأرضه تراب وعليه مئذنة عثمانية الزخرفة، و جددت عمارة المسجد في العهد العثماني مرات عدة، وتم بناؤه بالمسلح الحديث في العهد السعودي، الأول في عهد الملك سعود والذي قام بتوسعته وتجديده مناسبا لزخرفة العصر الحديث، والتوسعة الأخرى. والتي هي عليه حاليا كانت مطلع عهد الملك فيصل وبلغت مساحة المسجد ما يقارب 15 ألف متر مربع. وكان المسجد كما يقول القصير يؤدي دوره في حلقات التدريس وعلوم القرآن والحديث والفقه منذ القدم، فكان يضم حلقات تحفيظ القرآن وسبقته الكتاتيب لتعليم الأولاد والأطفال مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وكانوا يفترشون الأرض بالحنابل أو بساط الخصف «سعف النخيل»، أو صوف. ومن ابرز تلك الكتاتيب المجاورة للمسجد كان كتّاب الشيخ محمد صالح الخادم إمام وخطيب المسجد، والشيخ عبد القادر الخادم، والشيخ صالح قطان، إضافة إلى أن مؤرخ الطائف العلامة أحمد الميروقي كان يدرس ويتلقى تعليمه بالمسجد سنة 644ه على يد العالم تقي الدين المهدوي القرشي وغيره.