سيظل مسجد وقبر الصحابي الجليل، وحبر هذه الأمة عبدالله بن عباس، أهم معلم ديني وسياحي في الطائف ما دارت الأيام وتنفست الناس، ولو سألت أي سائح للطائف عن أهم معالم الطائف حالياً لقال لك قصر شبرا، أو التفت يمنة نحو جبل الهدا، ويسرة نحو مطل الشفا، ولعل ذلك يرجع إلى مدى الحساسية المفرطة غير المبررة التي احتجزت الناس طوال عقود في مربع قائم على الخوف من تقديس كل ما ارتبط بالنبي العظيم وصحابته الأكارم، فلا نحن أعطينا أماكنهم حقها من الاحترام، ولا سمح لنا بالاهتمام بها ولو سياحياً وتراثياً، ومن ضمنها هذا المسجد العظيم، الذي احتضن الثرى المجاور له الجسد الطاهر لسيدنا عبدالله بن العباس و11 صحابياً آخرين. ولأن مسجد ابن عباس ليس مسجداً عادياً، لا في وجدان «الطائفيين»، ولا في وجدان كل من عرفه وتعلق به، فكل الروايات المتعلقة به تؤكد ثراءه المعرفي والديني، التي لا يمكن تجاوزها ولا الالتفات عليها. ولنأخذ قليلاً من المعلومات عن المسجد، على لسان مؤرخ الطائف السيد عيسى القصير، لنعرف تلك الأهمية التاريخية، فالمسجد أنشئ عام 592ه، أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء العباسي، وسمي بذلك لأنه يقع بجوار مقبرة حبر هذه الأمة وفقيهها الصحابي الجليل عبدالله بن عباس «رضي الله عنهما»، الذي تنبأ رسول الله بموته ودفنه في الطائف. يقول القصير «أحب ابن عباس التنقل بين الشام والمدينة المنورةوالطائف لنقل العلوم الدينية وتعليمها للناس إلا أنه أحب الطائف لقربها من مكةالمكرمة، واستقر بها حتى وافته المنية عام 68ه، ودفن بها في الجهة التي تقع أمام مصلى النساء حالياً، وهي مسورة بالزنك، وبني بعد ذلك المسجد حوله وسمي باسمه». ويقع بجوار قبر ترجمان القرآن، قبر الإمام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، الأخ غير الشقيق للحسن والحسين، وهناك بعض الروايات التي تؤكد أن هناك قبراً ثالثاً لعبدالله بن رسول الله، الملقب بالطاهر الطيب الذي دفن هو الآخر هناك. ومن الجهة الشرقية للمسجد، يقع قبر الشهداء، وهو ذو مساحة صغيرة جداً، ويضم رفات 11 صحابياً كريماً، دفنهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في تلك البقعة التي وقفوا عليها خلال معركة تحرير الطائف، التي قادها بنفسه، وتسمى حالياً مقبرة الشهداء وتقع بجوار المسجد. وهذا يقودنا إلى أهمية بناء مركز معلومات تراثي لكل الأماكن التاريخية والمقدسة، وأن يصبح لدينا ما يُسمى بالتراث الوطني المحمي المسيج بقوانين صارمة، تحرم العبث بها، أو حتى الاجتهاد فيها، أو البت فيها، فلا أقل من أن توضع تلك «الأيقونات» تحت حماية الهيئة العليا للسياحة، التي لا نشك أبداً في أنها الأكثر فهماً ووعياً بهذه المسائل والأقدر على حمايتها ووضعها ضمن التراث الإنساني. فمسجد ابن العباس، كما يحلو لأهل الطائف أن يطلقوا عليه، لديه مكونات ثلاثة، هي المقبرة، والمكتبة، والطراز العمراني للمسجد، وهي مكونات لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ولا يمكن التحايل عليها، ورثناها منذ 1400 عام، ويجب أن نحافظ عليها من دون تدخل جراحي، أو تدخل متحرج من وجود المقبرة، أو الطراز العمراني، ولا المكتبة الملحقة بالجامع. لأن قضم هوية المسجد وبتر علاقته مع الماضي هو ما يجعل المهتمين بالتراث يطالبون بإبقاء مسجد عبدالله بن العباس كما هو الآن، إذا كان البديل مشوهاً ولم يُبنَ على معايير المحافظة على مكوناته الحضارية. لأن النيات الحسنة الدافعة نحو هدم المسجد وإعادة بنائه لا «تسمن ولا تغني من حضارة»، فالمسجد تراث إسلامي مهم يمتلكه كل من يسكن الطائف، وبالتالي كل سكان المملكة، ولا تملك أوقاف الطائف أي حق في تعديل معالم المسجد، أو تغيير موقع المقبرة إلا ضمن المعايير العالمية التي تحافظ على التراث الإنساني، مع وجود رؤية حضارية متكاملة ترسخ الموقع في ذاكرة الناس ولا تلغيها. [email protected] @dad6176