تصدر وكالة الطاقة الدولية تقريراً شهرياً عن أوضاع أسواق النفط العالمية. ويستعرض التقرير أهم التطورات التاريخية والتطلعات المستقبلية قصيرة الأجل في الأسواق النفطية، حيث يغطي جوانب العرض والطلب والمخزون النفطي وعددا آخر من الجوانب ذات العلاقة. ويذكر آخر تقرير صدر من الوكالة في شهر يونيو أن تراجع أسعار النفط في الصيف الماضي سبقه تراجع نمو الطلب النفطي العالمي إلى أدنى المستويات خلال السنوات الخمس الماضية، حيث انخفض مقدار النمو خلال الربع الثاني من عام 2014م إلى حوالي 220 ألف برميل يومياً فقط. وبلغ حجم الطلب العالمي الإجمالي على النفط 91.6 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من عام 2014م. وبعد بداية تراجع أسعار النفط في الصيف الماضي عاود الطلب العالمي النمو في النصف الثاني من عام 2014م. وتلا ذلك تسارع معدلات نمو الطلب العالمي على النفط في النصف الأول من هذا العام، حيث ارتفع الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من عام 2015م إلى 93.5 مليون برميل يومياً، بينما تشير التوقعات إلى أن الطلب العالمي على النفط في الربع الثاني من هذا العام سيصل إلى حوالي 93.1 مليون برميل يومياً. وتتراجع مستويات الطلب في الربع الثاني من العام لأسباب موسمية، ولكن نمو الطلب في الربع الثاني السنوي ما زال قويا. وتشير التطلعات الحالية إلى أن حجم الطلب العالمي على النفط سيصل متوسطه إلى حوالي 94.0 مليون برميل يومياً في عام 2015م، مرتفعاً بحوالي 1.4 مليون برميل يومياً عن مستويات العام الماضي، وهو ما يمثل نسبة نمو سنوية تقارب 1.5%. ويعتبر حجم نمو الطلب في الربع الأول من هذا العام والبالغ 1.7 مليون برميل يوميا هو الأعلى خلال هذه الدورة الاقتصادية الحالية، بينما تراجع النمو السنوي في الربع الثاني من عام 2015م إلى 1.4 مليون برميل يومياً. ويرجع جزء كبير من النمو إلى عوامل قد لا تتكرر بنفس التأثير، مما يهدد بتراجع مستويات النمو في النصف الثاني من عام 2015م. ومن المستشرف أن يتراجع حجم النمو السنوي خلال النصف الثاني من العام الحالي إلى حوالي 1.2 مليون برميل يومياً. ولعبت ثلاثة عوامل أدواراً حيوية في دفع إجمالي الطلب على النفط العالمي في النصف الأول هذا العام مقارنةً مع الفترات الماضية. وتتركز هذه العوامل في النمو الاقتصادي العالمي، والطقس البارد نسبياً في بعض البلدان خلال الربع الأول من عام 2015م والذي رفع احتياجات التدفئة واستهلاك الوقود، والتراجع الكبير في أسعار النفط. ولكن استمرار هذه العوامل أو بعضها بنفس العزم يبدو ضعيفاً في ما تبقى من العام. وساهم الشتاء البارد نسبياً في أوروبا في عام 2015م في رفع معدلات نمو الطلب النفطي السنوي خلال الربع الأول من هذا العام. وسيساهم حلول شتاء قارس ومبكر عند نهاية العام الحالي على إحدى المناطق العالمية أو عدد منها في رفع الطلب العالمي الإجمالي خلال النصف الثاني من العام، ولكن من الصعب تحديد درجة وتأثير وإمكانية حدوث هذا من عدمه. أما أسعار النفط فقد تعافت بعض الشيء من مستوياتها المتدنية في الربع الأول من العام، مما قلل من تأثير التراجع الكبير في أسعار النفط والذي وصل أدنى مستوياته في بداية العام الحالي. ونظراً لصعوبة توقع أسعار النفط المستقبلية -وأي أسعار- تتجنب مؤسسات الطاقة الدولية والشركات النفطية الكبرى نشر أي توقعات حول الأسعار، إلا أن بقاءها عند مستوياتها الحالية أو تراجعها سيشجع زيادة الطلب على المنتجات النفطية. وقد تحسنت معدلات النمو الاقتصادي العالمي بعض الشيء في عام 2015م من مستويات العام السابق، حيث ستكون بحدود 3.5% كما تشير إليه تطلعات صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع تحسن معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2015م في الدول المتقدمة وخصوصاً في مجموعة اليورو، ولكن معدلات نمو بعض الدول الصاعدة الكبيرة ومصدري النفط وأمريكا اللاتينية ستتراجع. وتلعب معدلات النمو الاقتصادية العالمية دوراً محورياً في نمو الطلب على المنتجات النفطية، فإذا تحسنت معدلات النمو الاقتصادي فوق معدلاتها المتوقعة في المتبقي من عام 2015م، فإن نمو الطلب العالمي سيشهد تحسناً متزايداً خلال النصف الثاني من العام. وفي حالة تراجع أي من هذه المؤثرات السابقة المتمثلة بالنمو الاقتصادي، والشتاء القارس، وتراجع الأسعار فإن نمو الطلب العالمي على النفط سيتأثر سلباً وبلا شك. الطلب في دول التعاون والتنمية تضم منظمة التعاون والتنمية 34 دولة تشمل معظم الدول الأوروبية والولاياتالمتحدةواليابانوكوريا الجنوبية. وتعتبر عودة نمو الطلب على النفط في أعضاء منظمة التعاون والتنمية (الدول المتقدمة) من أبرز تغيرات ملامح الطلب النفطي العالمي هذا العام. وعانى إجمالي الطلب النفطي لأعضاء منظمة التعاون والتنمية من تراجع أو جمود في حجمه خلال السنوات الماضية، حيث انخفض بنسبة 1.1% في عام 2012، ثم تعافى جزئياً في عام 2013 عندما نما بحوالي 0.4%، ولكنه تراجع مرةً أخرى العام الماضي بنسبة 1.0%. وتشير التوقعات إلى أن إجمالي الطلب على النفط في أعضاء المنظمة سيتعافى جزئياً ويرتفع بحوالي 0.8% خلال عام 2015م. وجاءت هذه التوقعات بعد ارتفاع حجم الطلب النفطي السنوي في أعضاء منظمة التعاون والتنمية بنسبة 1.9% في ديسمبر 2014م، وتبع هذا الارتفاع مكاسب متوالية في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015م، مما يقوي احتمالات تغير اتجاه الطلب في الدول الأعضاء. وعلى الرغم من النمو المتوقع هذه السنة للطلب النفطي لهذه الدول إلا أن حجم استهلاكها النفطي سيظل أقل من مستويات عام 2011م بحوالي 400 ألف برميل يومياً. وارتفع الطلب الأوروبي على النفط في الربع الأول من عام 2015م بحوالي 565 ألف برميل يومياً مقارنةً مع نظيره من العام الماضي، وذلك بسبب الشتاء القارس والنمو الاقتصادي الأفضل نسبياً من الأعوام السابقة. أما في الولاياتالمتحدة فقد ارتفع الطلب على النفط بحوالي 470 ألف برميل يومياً في الربع الأول 2015م، وتركز هذا الارتفاع بدرجة رئيسية في زيادة استهلاك البنزين السنوية والتي وصلت إلى 4.2% في الربع الأول. وجاء الارتفاع في استهلاك البنزين بسبب زيادة المسافات التي تقطعها السيارات وزيادة مبيعات السيارات الكبيرة مما خفض من كفاءة استهلاك البنزين. وجاءت زيادة استهلاك المنتجات النفطية في الولاياتالمتحدة على الرغم من الانكماش المحدود في الناتج المحلي الأمريكي في الربع الأول من العام والذي بلغ حوالي 0.2%. ومن المتوقع أن ينمو الطلب الأمريكي في الربع الثاني من 2015م بحوالي 300 ألف برميل عن مستويات الربع المقابل العام الماضي. وسينمو الطلب الأمريكي السنوي على النفط في عام 2015م بحوالي ربع مليون برميل يومياً مقارنةً مع مستواه في عام 2014م. وسيشكل النمو في الطلب الأمريكي على النفط معظم النمو في طلب أعضاء منظمة التعاون والتنمية. أما في اليابان فقد تراجع إجمالي الطلب السنوي على المنتجات النفطية بحوالي 260 ألف برميل في الربع الأول من عام 2015م، على الرغم من المكاسب في إستهلاك قطاعي المواصلات والبتروكيماويات. وجاء التراجع بسبب استمرار تراجع استخدام النفط في إنتاج الطاقة الكهربائية. ومن المتوقع أن يظل الطلب الياباني على النفط هذا العام في حالة جمود مقارنةً بمستويات العام الماضي. وشهدت اليابان تراجع حجم استهلاكها النفطي خلال السنوات الماضية، حيث انخفض الطلب الياباني بأكثر من 400 ألف برميل يومياً خلال العامين الماضيين. وعلى النقيض من اليابان، استمر نمو الطلب القوي على النفط في كوريا الجنوبية حيث تجاوز معدل النمو السنوي 4% في شهر أبريل وللشهر الرابع على التوالي. ومن المتوقع أن ينمو الطلب الكوري على النفط هذا العام بنسبة 2.8%. الطلب في باقي العالم جاء معظم النمو في الطلب العالمي على النفط خلال الأعوام القليلة الماضية من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية، وخصوصا في آسيا الصاعدة والصين ثم الهند على وجه التحديد. ووصل معدل نمو الطلب النفطي في باقي العالم إلى 3.7% في عام 2012م، ولكنه تراجع إلى حوالي 2.5%، 2.4% في عامي 2013، 2014م على التوالي. ومن المتوقع أن يستمر تراجع معدل نمو الطلب السنوي في باقي دول العالم، حيث سيبلغ 2.2% في عام 2015م. وعلى الرغم من تراجع معدلات نمو الطلب النفطي في باقي العالم إلا أنه أقوى بكثير من النمو في أعضاء منظمة التعاون والتنمية، مما نتج عنه تجاوز حجم إجمالي طلب باقي العالم النفطي إجمالي طلب أعضاء منظمة التعاون والتنمية في بداية عام 2014م. ويعود معظم التراجع الأخير في نمو طلب باقي العالم النفطي إلى تراجع معدلات نمو الطلب الصيني القوية على المشتقات النفطية، وتراجع الطلب في عدد من الدول المصدرة للنفط وخصوصاً روسيا. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن إجمالي الطلب العالمي في باقي العالم سيصل إلى حوالي 48 مليون برميل في عام 2015م، حيث سيرتفع بحوالي مليون برميل عن العام الماضي. وتقف الصينوالهندوروسياوالبرازيل والمملكة على رأس قائمة أكبر الدول المستهلكة للنفط في باقي العالم على التوالي. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الطلب الصيني على النفط سيصل إلى حوالي 10.8 مليون برميل يومياً في عام 2015، وهو ما يمثل زيادة سنوية تقدر بحوالي 320 ألف برميل يومياً، أو بنسبة 3.1% عن مستويات العام الماضي. وستحدث هذه الزيادة وبشكل رئيس بسبب توقعات ارتفاع الطلب في قطاع المواصلات، أما النشاط الصناعي فمن المتوقع تراجع معدلات طلبه على النفط والطاقة بوجه عام بسبب تراجع معدلات نموه، ودخول الصين مرحلة نمو جديدة أقل كثافةً في استهلاك الطاقة. وجاء ارتفاع الطلب على الوقود في قطاع المواصلات الصيني نتيجةً لاستمرار النمو السنوي القوي في مبيعات السيارات، والذي تجاوز 7 % في الأشهر الأربعة الأولى من العام، كما عادت مبيعات السيارات الكبيرة للارتفاع بقوة خلال الفترة. وإلى الجنوب من الصين، سيرفع نمو الهند الاقتصادي إجمالي طلبها على النفط بحوالي 5.3% هذا العام. ومن المتوقع استمرار نمو الطلب القوي على النفط في الهند، والذي سيمكنها قريباً من احتلال المركز الثالث عالمياً في استهلاك النفط بدلاً عن اليابان، وبعد كلٍ من الولاياتالمتحدةوالصين. أما في روسيا التي تستهلك ما يقارب ثلث انتاجها من النفط، فستقود التغيرات الاقتصادية الكلية غير الإيجابية -الناتجة عن العقوبات الاقتصادية- إلى تراجع متوقع في مستويات استهلاك المنتجات النفطية، حيث من المتوقع تراجع الطلب الكلي على النفط ومنتجاته بنسبة 4.2% هذا العام مقارنةً مع مستويات 2014م. وسيدعم النمو الاقتصادي المقدر بحوالي 2.9% نمو الطلب على النفط ومشتقاته في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان عام 2015م. وسيرتفع الطلب على النفط في المنطقة بحوالي 130 ألف برميل يوميا خلال 2015م، وستتركز زيادة الطلب في قطاعي المواصلات والصناعة. وعلى النقيض من باقي دول العالم والذي انخفض استخدام النفط ومنتجاته في قطاع توليد الطاقة الكهربائية بشكل كبير، ستستقر كميات استخدام النفط في توليد الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط. وتعتبر المملكة أكبر مستهلك للنفط ومنتجاته في هذه المنطقة وبمعدل يومي وصل إلى 3.22 مليون برميل في اليوم في عام 2014م حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. وتوجد بعض المؤشرات على تراجع معدلات النمو القوية في المملكة، حيث قاد ضعف الطلب على الوقود في قطاع المواصلات خلال شهر مارس إلى وقف موجة النمو في طلب قطاع المواصلات التي استمرت 16 شهراً. ومن المتوقع أن ينمو استهلاك النفط في المملكة بحوالي 2.8% في عام 2015م مقارنةً مع العام السابق، حيث سيصل معدل الاستهلاك اليومي من النفط ومشتقاته إلى حوالي 3.31 مليون برميل في اليوم. وتعتبر وكالة الطاقة الدولية غاز الإيثان جزءًا من سوائل الغاز التي تعتبر بدورها جزءًا من النفط، ولهذا قد تختلف تقديراتها لاستهلاك المملكة من الطاقة عن تقديرات الجهات المعنية في المملكة. ونما طلب القارة الأفريقية النفطي بمعدل سنوي قوي في عام 2012م وصل إلى حوالي 5.5%، ولكنه تراجع في عامي 2013م، 2014م إلى 1.2%، 1.9% على التوالي. وتحسنت معدلات نمو الطلب النفطي السنوية في الربعين الثالث والرابع من عام 2014م بعد تراجع أسعار النفط. وتواصل تحسن الطلب الأفريقي النفطي السنوي في الربعين الأول والثاني من عام 2015م، حيث بلغ معدل نموهما 2.4%، 3.4% على التوالي. ومن المتوقع أن يواصل الطلب الأفريقي على النفط معدلات نموه الجيد فيما بقي من هذا العام حيث سيصل معدل النمو لعام 2015م إلى حوالي 4.1%، أو بزيادة تقارب 160 ألف برميل يومياً عن مستويات العام الماضي. وسيتجاوز الاستهلاك اليومي للقارة 4 ملايين برميل يومياً لأول مرة هذا العام. وتعاني بعض الدول الأفريقية كنيجيريا من نقص الإمدادات بسبب إشكاليات الاستقرار الأمني، ولكن دولاً أخرى مثل جنوب افريقيا سترتفع فيها معدلات الاستهلاك. أما في أمريكا اللاتينية فسينمو الطلب على النفط ببطء قد لا يتجاوز 1% أو 80 ألف برميل يومياً. وستستمر مستويات الطلب عند نفس المستويات في بعض دول أمريكا اللاتينية، حيث سيستقر في أكبر دولة مستهلكة في القارة وهي البرازيل عند حوالي 3.2 مليون برميل في عام 2015م. وتشير تطورات الطلب العالمي إلى أن استراتيجية أوبك التي سعت للحفاظ على حصص أعضائها في الأسواق وتسببت في تراجع أسعار النفط قد أفلحت ولو جزئياً في رفع إجمالي الطلب العالمي على النفط ومنتجاته خلال النصف الأول من العام الحالي، وأن بقاء الأسعار عند مستوياتها الحالية سيدعم نمو الطلب مما سيمكن من خفض فوائض الإنتاج ويمكن المنظمة من رفع حصص أعضائها وجلب الاستقرار إلى الأسواق النفطية. ولولا الإجراءات التي اتخذتها كثير من الدول المستوردة والتي يفرض كثير منها ضرائب عالية على المنتجات النفطية، وتراجع معدلات صرف العملات الرئيسية أمام الدولار لكانت تحسنات الطلب على النفط ومشتقاته أعلى مما حدث فعلاً أو مما سيحدث مستقبلاً. من جهةٍ أخرى، تشير التطورات التاريخية لمعدلات نمو الطلب العالمي إلى زيادة أهمية باقي العالم وخصوصا آسيا في تعافي الأسواق النفطية من تخمة العرض التي تشهدها هذه الأيام، وأن تعزيز التعاون مع هذه الدول سيخدم مصالح منتجي النفط.