يؤكد الهجوم الدامي في ولاية سوسةالتونسية ان ليبيا -الغارقة بالفوضى الامنية والنزاعات العسكرية والسياسية- باتت تتحول الى مركز استقطاب رئيسي لجماعات متشددة، والى محطة تدريب تحضيرا لشن هجمات في بلدان اخرى. والمهاجم الذي قتل 38 سائحا اجنبيا بدم بارد الاسبوع الماضي في سوسة، تونسي، شأنه شأن المهاجمين اللذين قتلا في مارس 21 شخصا في متحف باردو في العاصمة، وقد تلقوا جميعهم بحسب السلطات التونسية تدريبات في ليبيا التي يوفر النزاع فيها ملاذا لمقاتلين غير ليبيين. ويقول مايكل نايبي-اوسكوي الخبير في شؤون الشرق الاوسط في مؤسسة ستراتفور الاستشارية الامنية الامريكية: إن ليبيا تشهد "حركة (تنقل للمقاتلين) بين جبهات القتال الداخلية" وجبهات قتال خارجية، وخصوصا سوريا، مضيفا: "هناك عودة (...) متواصلة لمقاتلين من سوريا". ويرى هذا الخبير ان الفوضى الامنية التي يخلفها النزاع في ليبيا اصبحت تفرض "تحديات امنية خطيرة وبعيدة المدى على المنطقة". وتشهد ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 فوضى امنية ونزاعا على السلطة تسببا بانقسام البلاد قبل عام بين سلطتين، حكومة وبرلمان معترف بهما دوليا في الشرق، وحكومة وبرلمان مناهضان يديران العاصمة بمساندة تحالف جماعات مسلحة تضم اسلاميين تحت مسمى "فجر ليبيا". وتخوض القوات الموالية للطرفين معارك يومية في مناطق عدة من ليبيا قتل فيها المئات منذ يوليو 2014. وقد تسبب انشغال السلطتين بالتقاتل فيما بينهما بتوفير أرضية خصبة للجماعات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم داعش الذي تبنى الهجمات الاخيرة في تونس انطلاقا من ليبيا. ويرى المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أن "الوضع الراهن في ليبيا والامكانيات التي تمتلكها القوات (...) الارهابية اصبحت تمثل خطرا حقيقيا على الامن الاستراتيجي في تونس"، معتبرا ان "تونس لن تستعيد وضعها الطبيعي الا بعد ان يحسم الوضع في ليبيا". وتابع الجورشي: "رغم الاجراءات الامنية التونسية، ما زالت هناك شبكات قادرة على اختراق الحدود لإيصال الشباب الى معسكرات في ليبيا لتدريبهم على استعمال الاسلحة (...) ثم تأمين عملية رجوعهم الى تونس ليجري استخدامهم في الوقت المناسب". وكانت السلطات التونسية اعلنت الثلاثاء ان الجهادي التونسي سيف الدين الرزقي الذي قتل الجمعة برشاش كلاشنيكوف 38 سائحا أغلبهم بريطانيون في فندق "امبريال مرحبا" بولاية سوسة السياحية (وسط شرق)، تدرب على حمل السلاح في ليبيا المجاورة. وقال مسؤول امني: "اتضح انه (أي سيف الدين الرزقي) ذهب الى ليبيا بشكل غير شرعي، وتم تدريبه (على حمل السلاح) في صبراتة" في معسكر تابع لجماعة "انصار الشريعة" القريبة من تنظيم القاعدة. ولفت الى ان الرزقي (23 عاما) غادر تونس نحو ليبيا خلال الفترة نفسها مع التونسيين الآخرين اللذين قتلا شرطيا تونسيا و21 سائحا اجنبيا يوم 18 مارس الماضي في هجوم دموي على متحف باردو الشهير بالعاصمة تونس. تقع مدينة صبراتة -التي تخضع لإدارة الحكومة غير المعترف دوليا بها وسيطرة تحالف "فجر ليبيا"- على بعد نحو 60 كلم غرب العاصمة طرابلس، على الطريق الساحلي المؤدي الى معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا حيث تبعد عن هذا المعبر نحو 100 كلم. ويقول فيليب ستاك الخبير في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجموعة "فيريسك ميبلكرافت" التي تقدم تحليلات واستشارات امنية ان المنطقة التي تقع فيها صبراتة "تعتمد على عمليات التهريب". ويرى ان "وصف صبراتة بأنها مركز تدريب لا يعني بالضرورة ان طبيعة هذا المركز عسكرية. هناك احتمال كبير ان يكون هدفه الرئيسي نشر التطرف". فلوجة ثانية وعلى بعد نحو 500 كلم من صبراتة، يسيطر تنظيم داعش -الذي سبق وأعلن عن قيام "ولايات" له في طرابلس- على كامل مدينة سرت، مسقط رأس معمر القذافي. وقال مسؤول في المجلس المحلي في المدينة: إن "هذا التنظيم وجد ارضا خصبة له في المدينة بعدما تحالف مع عدد من الجماعات المسلحة المؤيدة للقذافي والتي دخلت في هذا التحالف بدافع الانتقام من سلطات عمدت الى تهميشها بعد الثورة". وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه: "المدينة قد تتحول الى فلوجة ثانية، والى مرتع لتدريب وتخريج العناصر المتطرفة من دول مختلفة، حيث ينتشر فيها اليوم عناصر يحملون جنسيات عربية مختلفة يديرون حياتها اليومية ويلقون الخطب في مساجدها". ويقول مسؤولون امنيون في طرابلس ان اعداد المقاتلين الاجانب الذين دخلوا ليبيا في الاشهر الاخيرة غير محددة لكنها بالمئات، مشيرين الى ان اعدادا كبيرة من قادة هؤلاء المسلحين المتشددين يحملون الجنسية التونسية، وقد قدم بعضهم من جبهات القتال في كل من سوريا والعراق.