كثير من دول العالم والشركات والمصارف استثمرت في سندات الدين اليونانية البالغة 380 مليار يورو, ومتى اعلنت اليونان افلاسها ستضطر هذه الدول والشركات والمصارف الى شطب استثماراتها كلية من قوائمها المالية. ومتى افلست اليونان, (وهذا ما اتوقع حدوثه ولو بعد حين), ستجد كثيرا من الدول الأوروبية المتأزمة ان الباب مفتوح لها وربما اتجهت في نفس الاتجاه, كإسبانيا والبرتغال وغيرهما من دول الاتحاد التي انهكت نفسها بالدين بأكثر مما تستطيع سداده. التأثير المباشر لإفلاس اليونان سيكون الشطب المباشر لأدوات الدين التي اصدرتها وللديون التي تحملتها من القوائم المالية لمن دين واستثمر في سندات اليونان. ونفس الشيء سيحدث لو افلست أي دولة اخرى في الاتحاد. بالضبط كما يحدث مع الأفراد والشركات والمصارف, لا فرق في التعامل المحاسبي مع دين لدولة او لشركة او لمصرف او لفرد, حين الإفلاس تكون النتيجة الشطب, الا ان افلاس الدول لا يعقبه تسييل الأصول لتوزع العوائد على الدائنين, بل خسارة كلية لا يرجى منها عائد تسييل. الا ان هناك تأثيرا غير مباشر متى افلست اليونان, تأثيرا سيلقي بظلاله على الجميع, حتى نحن في بلادنا سنتأثر بذلك. اذا افلست اليونان سنجد ان كثيرا من احتياطات الدول من عملة اليورو ستسيل, وستتجه الى الدولار الأمريكي والين الياباني والجنية الإسترليني, وهذا لا شك سيجعل اسعار الصرف لصالح العملات الرئيسية الأخرى مقابل اليورو. وتأثير هذا على بلادنا ايجابي لأنه يعني ان احتياطات بلادنا من الدولار سترتفع قيمها مقابل اليورو, مما يزيد من قدرتها الشرائية وخصوصا امام المنتجات الأوروبية. ولكن في المقابل افلاس اليونان سيدخل الاتحاد الأوروبي في نفق مجهول, وسيكون الأمر سلبيا للغاية لو تبعت اليونان دول اخرى, مما قد يؤدي الى دخول القارة الأوروبية في حالة ركود عميقة, خصوصا اذا علمنا ان القوائم المالية لمصارف وشركات الدول الأوروبية الأكبر, المانيا وفرنسا وسويسرا, مثقلة بسندات الدين اليونانية ولغيرها من السندات التي تعود لدول صغيرة على وشك الإفلاس, وهذا سيجر اسعار النفط الى انخفاض حاد وسيزيد من حدته ارتفاع الدولار المتوقع متى اعلنت اليونان افلاسها. مما يعني ان عوائد بلادنا ستقل قيمها نتاج الانخفاض الحاد المتوقع لأسعار النفط التي تعاني اساسا من التقدم التقني وزيادة المعروض, خصوصا معروض الولاياتالمتحدةالأمريكية. أزمة اليونان تسلط الضوء على مدى ترابط العالم اقتصاديا ببعضه البعض. فانهيار دولة صغيرة في اتحاد كبير سيلقي بظلالة على عملات الدول الصناعية الكبرى كالولاياتالمتحدة واليابان والجنيه الإسترليني, كما ويؤثر في اسعار النفط واسعار الغاز والذهب والفضة وغيرها مما يتداول في البورصات العالمية. العالم لم يصل الى مرحلة ان يكون كتلة واحدة بعد (الا انه سيصل ولو بعد حين), الا انه اصبح سلسة مترابطة تؤثر حلقاتها على بعض بطريقة مباشرة وغير مباشرة. لسنا بمعزل عن ازمة اليونان, فاحتياطاتنا الضخمة في الخارج واعتمادنا الكلي على النفط كمصدر للدخل يجعل من الحتمي تأثرنا بكل ما يحدث حولنا, والى ان يأتي الوقت الذي نصبح فيه دولة صناعية متقدمة وخدمية راقية وتقنية اساسها العلم والمعرفة, فسنظل نتأثر بما يجري من حولنا بدلا من ان نؤثر فيه. ما يحدث في اليونان درس لكافة دول العالم التي تعتقد ان بالإمكان تحقيق التنمية بالاقتراض, وتتجاهل الإصلاحات الهيكلية التي ترفع الإنتاجية والجودة. التنمية تحقق بالصناعة والعلم والعمل والتخطيط السليم والمحاسبة الفعالة للمقصر وبالسير على نهج تجارب الناجحين, وغير ذلك مضيعة للوقت والجهد. * متخصص مالي ومصرفي