لم أكن أعرف شيئاً قبل حادثة العنود الإرهابي عن الكاتبة والمفكرة السيدة الفاضلة كوثر الأربش ولم أطلع على أيٍ من اسهاماتها للأسف الشديد. لمت نفسي كثيراً وأنبني ضميري على ذلك وتجلّت لي صورة من صور قلة اطلاعي وما أكثرها. أذهلني رثاؤها المؤثر الذي كتبته في ابنها وأذهلني تجلدها، فبدأت أبحث عن أي معلومات عنها فوجدت أنها كاتبة قديرة تكتب بانتظام في جريدة الجزيرة الغراء وأنها صاحبة رأي ورؤية مستقلين. شاهدت مقابلتين تلفزيونيتين لها الأولى -وهي قديمة- مع الكاتب والإعلامي سليمان الهتلان، والثانية وهي حديثة مع الإعلامي القدير الدكتور عبدالعزيز قاسم. من أكثر ما لفت نظري في المقابلتين وضوح الرؤية والثقة بالنفس والتعبير عن الرأي بأقل العبارات. أسعدني كثيراً تفريقها بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، الذي عرفتُه أول مرة من خلال كتابات المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي رحمه الله التي تشكل في نظري المدخل الأمثل لتطهير مدرسة آل البيت من كل ما تعرضت له من تشويه وانحراف. لقد رسخت أطروحات السيدة كوثر إيماني العميق بالحرية وأكدت اعتقادي الثابت بأنها هي الأمانة التي عرضها الله عز وجل على السموات والأرض والجبال، وأنها من أعظم نعم الله في هذا الوجود، وأنها مُقدَّمةٌ على الدين والبابُ الصحيحُ للدخول فيه، فلا حياة حقيقية بدونها ولا إيمان مكتمل الشرائط في غيابها، وما أحوجنا إلى نشر هذا النوع من التفكير المستقل الشجاع في جميع الدوائر السنية والشيعية، فهو المدخل الحقيقي للتقارب والوحدة بين الطائفتين، وهو جسر الانتقال من سجون الماضي الطائفية الضيقة إلى فضاءات المستقبل الفسيحة. أسأل الله عز وجلّ أن يجبر مصاب أختنا كوثر وأن يعظّم أجرها وأن يعوضها خيراً في فلذة كبدها، وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجمعها به ومن تحب في جناته، وأن يتقبل جميع شهدائنا ويجبر مصاب ذويهم، وما أولانا جميعاً بأن نفخر ونحتفي بكوثر وأن نعرّف بها على أوسع نطاق وبخاصة في أوساط الشباب، ولا أملك إلا أن أذكرها وأذكر جميع ذوي الشهداء والمصابين بقول الله عزّ وجلّ: «فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شيا وَيَجْعَلَ 0للَّهُ فِيهِ خيرا كَثِيرا»، وقوله عزّ وجلّ: «إِنَّ مَعَ 0لْعُسْرِ يُسْرا»، وما أجمل قول ابنِ عطاءِ اللهِ السّكنْدريّ رحمه الله: «رُبّما أعطاك فمنعك ورُبّما منعك فأعطاك، ومتى رُزِقت الفهم في المنْعِ عاد المنْعُ وهو عينُ العطاء». أكَوْثَرُ لا شِعْرٌ شَجِيٌّ وَلَا نَثْرُ وَلَا نَادِبٌ في العَالَمينَ وَلَا زَفْرُ وَلَا أحْرُفٌ مَهْمَا تَسَامَتْ وَأَشْرَقَتْ وَتَاقَتْ إلى آلائهَا الأَنْجُمُ الزُّهْرُ تَفِيكِ عَزَاءً يَا أَعَزَّ مُصَابَةٍ وَأَكْرَمَ ثَكْلَى نَالهَا وَيْحَهُ الغَدْرُ أَفِيضِي عَلَيْنَا مِنْ سَنَاكِ وأشْعِلي قَنَاديلَ إيمَانٍ يُزَيّنُهَا الصَّبْرُ وَأحيي دُرُوبَ السَّالِكينَ بِمَوْقِفٍ يُخَلِّدهُ التّاريخُ والنَّاسُ والدَّهْرُ وقُولي لَنَا إن الأُمُومَةَ رَوْضَةٌ يُولّدُ فِيهَا الحُبُّ والخَيْرُ والطُّهْرُ وإنَّ هَوَى الأوْطَانِ فِي النَّاسِ نِعْمَةٌ وإنَّ عُرَى الإيمَانِ فِي المِحَنِ الذُّخْرُ وَإنَّ جَمِيعَ الآلِ والصْحَبِ إخْوَةٌ وَفِيهِمْ لَنَا مَجْدٌ وَفِيهِمْ لَنَا فَخْرُ وَإنَّا جَمِيعَاً رغَم مَا دَبَّرَ العِدى أَحَبَّةُ آلً البَيْتِ مُذْ نَزَلَ الذًّكْرُ وَإنّكِ رَغْمَ الشَّامِتِنَ وَمَنْ بَغَوْا سَحَابَةُ خَيْرٍ مَاؤُهَا النُّورُ والفِكْرُ بِقَلْبِكِ يَا زَيْنَ النِّساءِ تَعَانَقَتْ أَزَاهِيرُنَا يَوْمَ اسْتبيحَ بِنَا الزَّهْرُ وَمِنْكِ وَمِنْ إشْرَاقِ رُوحِكِ غَرَّدَتْ بَلَابِلُنَا يَا مَنْ سَنَاكِ هُوَ الفَجْرُ ومِنْ نبضاتٍ فِي فُؤادِكِ كُوِّنتْ أهازِيجُنا لمّا اسْتبان لنا النّصْرُ فَلَا تَحْزَنِي هَلْ يَحْزَنُ النُّورُ والشّذى وَهَلْ يَتَوَارَى عَن أزَاهِيرِهِ العِطْرُ وهلْ تهْجُرُ الأطْيارُ فِي الدّوْحِ شدْوها وهلْ يتخلّى عنْ رياحِينِهِ القطْرُ ومَا مَاتَ يَا فَخْرَ النِّسَاءِ مُحَمَّدٌ وَمَا وُورِيَتْ فِينا منازِلهُ الخُضْرُ وَكَيْفَ وقَدْ بالروح جاد مُضَحِّيَاً فأحيا جُمُوعاً كَادَ يُزْهِقُهَا المَكْرُ عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ مَا هَبَّتِ الصَّبَا وَمَا ضَاقَ بِالأشْجَانِ مِنْ وَلَهٍ صَدْرُ وَمَا سُكِبَتْ مِنْ أعْيُنِ النِّاسِ أَدْمُعٌ عَلَيْهِ وَمَا غنّى بِتذْكارِهِ الشِّعْرُ