كل يوم لك احتمال جديد ومسير للمجد فيه مقام وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام في قصيدته «أين أزمعت أيهذا الهمام؟»التي أنشدها الشاعر الفذ الذي مضى علي زمان لم استشهد بأبيات من الحكمة له حتى ظننتكم اشتقتم إليه، مدح أبو الطيب المتنبي سيف الدولة الحمداني، وقد راق لي البيت الثاني المذكور آنفا فاخترته شعارا لي منذ سنوات ليست بالقليلة، وربما لأنه لامس شيئا جميلا بداخلي هو «الهمة»، ولأنني أثق بأن الطموح الذي ينبع من داخلنا هو وحده الذي يقودنا نحو الإنجاز. وكذا تطلع البدور علينا وكذا تقلق البحور العظام ولنا عادة الجميل من الصبر لو أنا سوى نواك نسام ليس من المستغرب أن نتحدث بأن النفس البشرية، تلك المعجزة الربانية التي يحملها كل إنسان بين جنبيه تتفاوت في أفكارها ورغباتها وتوجهاتها، فمنا من يتطلع إلى الأفضل في كل أمره، ومنا من يرضى بالقليل، وآخرون يرضون بالدون، ولعلهم قلة بفضل الله تعالى. وابن القيم الجوزية رحمه الله يقول: «فلو كانت النفس شريفة كبيرة لم تر بالدون، فأصل الخير كله بتوفيق الله ومشيئته، وشرف النفس ونبلها وكبرها، وأصل الشر خستها ودناءتها وصغرها، قال تعالى (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ))سورة الشمس 9-10 أي أفلح من كبرها وكثرها ونماها بطاعة الله، وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله وختم كلامه بقوله: «فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى ( قل كل يعمل على شاكلته) سورة الإسراء -84. ونعلم جميعا أن الإنسان بفطرته مجبول على الخير، مطبوع على قبول الحق، لكن النفس كالطفل إن أدبها وهذبها صاحبها استقامت وارتفع قدرها وعلت قيمتها، وإن أهملها خابت وخسرت. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم وفي أبيات أكثر من رائعة للإمام الشافعي رحمه الله يقول واصفا نفسه: علي ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو يقاس بمثلها نفوس الورى كانت أجل وأخطرا وذلك لأنه لما أشخص إلى سر من رأى دخلها وعليه أطمار رثة، وطال شعره، فاستقذره المزين لما رأى رثاثته، وقال له: تمضي إلى غيري، فاشتد على الشافعي أمره، وقال لغلامه: ما معك من النفقة ؟ فقال: عشرة دنانير، قال: ادفعها إلى المزين، وولى الشافعي وهو يردد هذه القصيدة. ولو تفكرنا قليلا في أحوال الناس لوجدناهم يضعون كل واحد منا حيث يضع نفسه، ولن أزيد قبل الوداع: سألتني: ماذا يمكن أن نتعلم من أبنائنا الصغار؟ فقلت: يعلمنا الصغار أن الحب عطاء، والفرح حينما نتقاسمه مع الآخرين بإخلاص تنتج عنه سعادة غامرة تسع الكون، فشكرا لابنتي «مريم» ورفيقاتها في مدارس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران اللاتي أهدين أمهاتهن يوم تخرجهن أسهما في وقف الأم، وشكرا لابنة أختي «تريم» وصويحباتها في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالخبر اللاتي فاجأن أمهاتهن بحفر بئرين بأسمائهن، ومازلنا يا أحبتنا نتعلم منكن الكثير. رئيسة قسم العلاقات العامة والإعلام الاجتماعي النسائي بالمنطقة الشرقية