تتجلى عظمة هذا الدين في أنه شرع للمسلمين عبادات موسمية تجدد نفوسهم وتهذب أخلاقهم وتغرس فيهم من المعاني والقيم ما لا يمكن تحصيله في زمن قصير ومن تلك المواسم العظيمة شهر رمضان المبارك الذي يغرس لدى المسلم معاني عظيمة من أهمها استحضار الرقابة الإلهية وتنقية النوايا من مقاصد مجاملة الناس أو التصنع لهم، فالمسلم عندما يصوم بإمكانه أن يفطر خفية ولكنه يحرص على الإمساك عن المفطرات ولو خلا بنفسه وتحرر من قيد رقابة الناس وهذا يدل بلا ريب على استشعاره اليقيني لاطّلاع الله تبارك وتعالى على سرائره وخفاياه وهذا مكسب إيماني عظيم، كما يغرس الصوم في نفس المسلم التطلع للدار الآخرة وعدم التعجل في انتظار الثمرة والثمن بعد تعبه وصيامه ففيها توطين لقلب الصائم على الإيمان بالآخرة والتعلق بها مع ما يحصله الصائم في الدنيا من انشراح الصدر بالإيمان وفرح القلب بالطاعة. إن الصوم والشعور بالجوع ينبه المسلم الذي منّ الله عليه بالأمن في الأوطان والعافية في الأبدان بأنه له إخوة في الشام وغيرها يعانون آلام الجوع والمرض فيكون هذا الشعور عند تأمله دافعاً لنصرة إخوانه المسلمين وإغاثتهم ونجدتهم وهذا من شكر نعمة الله عز وجل ومن مقتضيات أخوة الإيمان التي عقد الباري أواصرها من فوق سبع سماوات فقال (إنما المؤمنون إخوة)، كما أن الصيام يساهم في تربية المجتمع على التلاحم والتعاضد حيث ينقلب برنامج المجتمع المسلم في طعامه وشرابه خلال يوم واحد وهذا فيه تربية وتنبيه على أهمية الاجتماع ونبذ التفرق كما أنه يربي أفراده على يسر العبادة وسهولتها ولذا يعاني من كان خارج المجتمعات الإسلامية في أداء شعيرة الصيام وذلك لأن المجتمع من حوله لا يمارس هذه العبادة فتصبح العبادة أشق على النفوس وإن كان هذا فيه مزية من جهة أخرى وهو أن المسلم في تلك المجتمعات يفوز بأجر الصبر والمجاهدة في أداء عبادة الصيام.