وجه سماحة المفتى العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد ال الشيخ كلمة الى عموم المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك فيما يلى نصها: من عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد ال الشيخ الى عموم اخوانه المسلمين سلك بنا وبكم سبيل مرضاته وجنبنا سبل سخطه وعقابه.. آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره الى يوم الدين ثم ان المسلمين فى هذه الايام المباركة قد أظلهم شهر رمضان المبارك هو شهر التقوى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وهو شهر القرآن (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن) وهو شهر الصبر والصبر جزاؤه الجنة وهو شهر الصيام يقول النبى صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه من حديث أبى هريرة. والصوم عبادة اختص بها الله من بين سائر العبادات فقال سبحانه كما فى الحديث القدسى كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل الا الصوم فانه لى وأنا أجزى به أخرجه مسلم وأصله فى البخارى. وهو شهر القيام يقول النبى صلى الله عليه وسلم ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه. وهو شهر الغفران والرحمة والعتق من النيران يقول النبى صلى الله عليه وسلم اذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة. شهر فيه ليلة خير من الف شهر( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر )من حرم خيرها فقد حرم. فهنيئا لنا جميعا بادراك هذا الشهر المبارك كما سماه المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال أتاكم رمضان شهر مبارك أخرجه النسائى والامام أحمد.فيا أخى المسلم يا من فسح الله له فى أجله ومتعه بقوته فى عقله وفى بدنه يا من من الله عليك بادراك هذا الشهر صحيحا معافى وقد حرم منه اخرون منهم من هو عاجز ومنهم من وافاه المنون فاشكر ربك يا أخى على هذه النعمة العظيمة وسله سبحانه التوفيق والاعانة على صيامه وقيامه وحسن العمل فيه. وهذا الشهر العظيم المبارك يشرع فيه عبادات عظيمة تزداد فضلا بفضيلة الزمان ومن أعظم ما شرع الله فيه الصيام وهو الامساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس يقول الله عز وجل (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل). وأصول المفطرات ثلاثة الاكل والشرب والجماع يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى الصيام لى وأنا أجزى به أخرجه البخارى. ومن المفطرات أيضا خروج المنى دفقا بشهوة ومنها أيضا الحجامة ومنها الإبر المغذية. والصوم أيها الاخوة واجب على كل مسلم عاقل بالغ مقيم قادر على الصيام فلا يجب الصوم على المجنون ولا يصح منه لقول النبى صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم والمجنون حتى يفيق. ولا يجب على الصبى ويؤمر به اذا أطاقه ليعتاده كما كان السلف رضوان الله عليهم يفعلونه كما أخبرت بذلك الربيع بنت معوذ بن عفراء حيث قالت فى صيام يوم عاشوراء فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم ان شاء الله ونذهب الى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فاذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها اياه عند الافطار أخرجه الشيخان وهذا يدل على عناية السلف بتربية أبنائهم وتعويدهم على الخير. والمسافر لا يجب عليه الصوم بل يشرع له الفطر لقوله تعالى (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وللاحاديث الواردة فى ذلك. والمريض له أحوال اما أن يكون مرضه خفيفا لا يضر معه الصوم فهذا لا يفطر واما أن يكون الصيام ضارا بصحته أو مؤخرا لبرئه فهذا له أن يفطر. فان كان الصوم يؤدى الى هلاكه أو تلف عضو من أعضائه وجب عليه الفطر. ثم المرض اما أن يكون مما يرجى برؤه فهذا اذا أفطر الصائم فعليه القضاء بعدد ما أفطر متى برىء. واما أن يكون مرضه لا يرجى برؤه فهذا ليس عليه الا الاطعام عن كل يوم مسكين نصف صاع من الطعام، وكذلك الكبير العاجز عن الصيام يفطر ويطعم ولهم أن يطعموا أول الشهر عن رمضان كله ثلاثين مسكينا ولهم أن يطعموا آخر الشهر أو بعد ذلك ولهم أن يطعموا عن كل يوم فى يومه على ما يتيسر لهم. وأما الكبير الذى قد هرم وغاب عنه عقله فليس عليه صيام ولا اطعام. والحائض والنفساء لا يجب عليهما الصيام حال الحيض والنفاس بل لا يجوز منهما وعليهما القضاء بعدد أيام الحيض والنفاس التى جلستاها فى رمضان. والحامل والمرضع متى شق عليهما الصيام أو خشيتا الضرر على الجنين أو الرضيع أفطرتا وقضتا. وان مما يشرع فى هذا الشهر مما نحب التنبيه له والتأكيد عليه الحرص على تعجيل الفطر متى ما تحقق المسلم من غروب الشمس والحرص أيضا على تأخير السحور حتى يكون قبيل أذان الفجر فهذه من السنة والبركة تحصل بسببه يقول النبى صلى الله عليه وسلم تسحروا فان فى السحور بركة أخرجه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر متفق عليه وفى رواية بزيادة وأخروا السحور أخرجه الامام أحمد رحمه الله. وعلى الجميع تقوى الله عز وجل فى هذه الفريضة العظيمة فهى ركن من أركان الاسلام وواجب من واجباته العظام ولا يجوز التساهل فيها بل الواجب الحرص على صيامه واستغلال الوقت فيه بصالح الاعمال ويجب على المسلم من حين بلوغ خبر الشهر أن يستعد له ويبيت النية بصيامه ثم يكفيه استصحابها فى بقية الشهر ولا يلزمه كل ليلة ما لم يقطعه بفطر لعذر مما سبق بيانه فان قطعه لزمه استئناف نية الصوم اذا رجع للصيام. ويجب على المسلم أن يحفظ يوم صيامه عن اللغو والرفث وعن الغيبة والنميمة وعن سائر الكبائر ليسلم له دينه وتسلم له عبادته ويبقى له أجر عمله والنبى صلى الله عليه وسلم يقول من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه. ويقول صلى الله عليه وسلم الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وان قاتله أو شاتمه فليقل انى صائم مرتين أخرجه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى. فأوصى نفسى واخوانى بالحرص على تقوى الله فى هذا الشهر العظيم والبعد عن كل ما يجرح الصوم وينقص ثوابه والحفاظ على الاعمال الصالحة من صيام وقيام ليل مع جماعة المسلمين فان النبى صلى الله عليه وسلم يقول من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة أخرجه الترمذى وهذا فضل عظيم فالله الله بالحفاظ على صلاة التراويح مع جماعة المسلمين وينبغى للمسلم أن يعتنى بهذا ولا يشغل وقته بالتنقل بين المساجد وتتبع الاصوات فيصلى مع من يكون أقرب الى قلبه وأدعى لتدبره لكتاب ربه وخشوعه معه ويتم معه الصلاة فى شهره حتى يختم كتاب ربه فينال الاجر العظيم ويحوز الفضل الكبير. واحرصوا اخوانى على كتاب الله فان هذا الشهر شهر القرآن فيه ابتدأ نزوله وفيه كان يجتمع جبريل عليه السلام بالنبى صلى الله عليه وسلم فيدارسه القران حيث يلقاه كل ليلة يدارسه القران فاعتنوا بكتاب ربكم وانقطعوا له اقرأوه وتدبروه واحرصوا على تكرار ختمه ففى هذا الفضل العظيم. وأحث اخوانى على استغلال هذا الشهر فيما يفيد وألا تمضى أيامه سدى وان من الحرمان ما يفعله البعض هداهم الله من السهر فى ليله على الملاهى وتضييع الاوقات والنوم فى نهاره حتى لا يحس بالجوع بزعمه فتضيع أوقاته سدى وهذا حرمان عظيم وقد يفوت عليه فضائل كثيرة وقد يفوت بسببه أيضا فرائض من الصلوات والعياذ بالله وهذا اثم كبير. هذا وانى لأحث اخوانى فى هذه الأيام التى نشاهد فيها اضطراب الاحوال من حولنا أحثهم على الصبر والثبات والعناية بالعلم والعبادة والحرص على ذلك وعدم الخوض فيما لا يحسنه المرء مما يكون عليه وبالا وبلاء فالسلامة لا يعدلها شىء. ثم ان السعى فى الاخلال بالامن أو تعريض البلاد المسلمة للاضطراب من الامور المحرمة فلا يجوز للمسلم السعى فيها. وليحرص المسلمون جميعا على ديانتهم وليتقوا ربهم واياهم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وما نسمع عنه من الدعوة الى قيام مظاهرات هنا وهناك هذه أمور منكرة محدثة فلا يجوز القيام بها ولا الاستماع الى من يدعو اليها من دعاة الضلالة والفتنة الذين لم يعرفوا بعلم ولا شهد لهم أهل الفضل بالاهلية فى الكلام فى أمور الشرع فحقيق بالعاقل أن يربأ بنفسه عن الاستماع اليهم ويسلم بدينه ويسأل ربه العافية يقول النبى صلى الله عليه وسلم اسألوا الله العفو والعافية فان أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية. أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على صيام هذا الشهر وقيامه والعمل فيه بما يرضيه سبحانه وتعالى وأن يتقبل منا ويغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا ومن له حق علينا وسائر المسلمين وأن يجعلنا من عتقائه من النار فى هذا الشهر الكريم وأن يجعلنا ممن أدركه هذا الشهر المبارك فغفر له ذنبه وأسأله سبحانه أن نكون جميعا ممن أدرك ليلة القدر فعمل فيها بما يرضيه سبحانه وكتب له قيامها وكان ممن حاز فضلها وأجرها. كما أسأل الله العلى القدير العزيز الحكيم أن يعز الاسلام وأهله وأن يجعل هذا الشهر الكريم هالا على أمة الاسلام بالخير والعافية والنصر والتمكين وأن يذل سبحانه بقوته وعزته أعداءه أعداء الدين فى كل مكان وأن يجعل كيدهم فى نحورهم ويدير دائرة السوء عليهم وأن يرد للمسلمين المستضعفين ما أخذ منهم وأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون وأن يصلح ولاة أمر المسلمين جميعا ويلهمهم العمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه ويجعلنا جميعا من المتعاونين على البر والتقوى السائرين فيما يرضى المولى عز وجل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.