أعادت مؤسسة بروكينغز لتوها نشر دراسة تقليدية حول السياسة الاقتصادية- كتاب آرثر أوكون «المساواة والكفاءة: المقايضة الكبرى»، الذي ظهر للمرة الأولى في عام 1975. يعد هذا كتابا مفضلا، وقد عمل في الواقع على تشكيل طريقة تفكيري. إن إعادة قراءة الطبعة الجديدة جعلتني أعتقد أنه لم يفقد أي شيء من قوته. إذا كان قد تغير أي شيء فيه، أعتقد أنه قد اكتسب بعضا من القوة. لقد تغير الكثير حول الاقتصاد منذ عام 1975. توفي أوكن في عام 1980 (كان عمره فقط 51 عاما)، ولا يمكننا معرفة كيف كان من الممكن أن تتطور أفكاره. في رأيي، رغم ذلك، تبقى فكرته الرئيسية فكرة أساسية: في هذا المقال، بدأت مناقشة موضوع متكرر يقع في جزءين: السوق تحتاج إلى مكان، والسوق تحتاج أن تبقى في مكانها، بمعنى أن تتم السيطرة عليها. سيواصل المجتمع الرأسمالي الديموقراطي البحث عن سبل أفضل لرسم الخطوط الحدودية ما بين مجال الحقوق ومجال المال، وبإمكانه إحراز تقدم. لا شك أنها لن تحل المشكلة أبدا، ذلك لأن الصراع ما بين المساواة والكفاءة الاقتصادية أمر لا مفر منه. في هذا السياق، تعتبر الرأسمالية والديموقراطية حقيقة مزيجا غير محتمل بشكل كبير. ربما يكون هذا السبب في حاجتهما لبعضهما البعض - لإضفاء بعض العقلانية على المساواة وبعض الإنسانية على الكفاءة. نظمت مؤسسة بروكينجز حلقة نقاش احتفالا بهذه المناسبة وقد أثار اهتمامي أن أرى أن توقيري للكتاب هو أمر لم يشاركني فيه الجميع. (إن شريط الفيديو يستحق المشاهدة). تحدثت ميليسا كيرني من مؤسسة بروكينغز ببلاغة بالنيابة عن جميع المعجبين، وقالت ما كنت أود قوله حول الأهمية الكبيرة الدائمة للمقايضة التي أجراها أوكن. وافق على ذلك جريج مانكيو من جامعة هارفارد بشكل رئيسي. لكن يبدو أن جوستين وولفرز من مؤسسة بروكينغز وهيذر بوشي من «مركز واشنطن للنمو المنصف» يرون أن كتاب أوكن ليس أكثر من مجرد فضول تاريخي. يعتقدون أن المقايضة فيها طابع القرن العشرين بشكل كبير. ما كان أكثر دهشة بالنسبة لي، في مقدمة معبرة عن الإعجاب في الغالب للطبعة الجديدة من الكتاب، وفي تصريحات أعدت لهذا الحدث، عبَر لاري سمرز عن مشاعر انتهاء عهد أوكن - كما أشارت بوشي بشكل صحيح في تعليقاتها. (لم يستطع سمرز الحضور شخصيا: حيث قام تيد جاير بقراءة تعليقاته). ما تغير على مدى العقود الأخيرة، بالطبع، هو الارتفاع الكبير في تفاوت الدخل في الولاياتالمتحدة. علما أن هذه الطفرة لم تحدث جنبا إلى جنب مع تحسن كبير طرأ على متوسط المستويات المعيشية - وهو الأمر الذي كان يمكن أن تتوقعَه بحسب مقايضة. لم يكن التفاوت الكبير هو الثمن الذي دفعته الدولة مقابل النمو. ربما يساعد التفاوت الكبير في شرح وتفسير سبب عدم مضي الأمريكيين العاديين قدما. أعتقد أن أوكن كان يمكن أن يؤمن ببعض النسخ من هذه الفكرة بشكل جدي - لكن هذا لا يعني أن إطاره خاطئ. في عالم أوكن، تصنع الدولة خيارات للسياسة العامة تؤثر في كل من إجمالي الإنتاج وتوزيع الدخل. تخيل وجود أفق من الخيارات المصممة بشكل جيد، على نحو لا يعود فيه من الممكن تحسين أي منهما معا. إن الانتقال من السياسة الأولى إلى السياسة الثانية عبر هذا الأفق قد يرفع الإنتاج أو قد يزيد المساواة - لكن لا يمكنه فعل الشيئين. هذه هي المقايضة. يقول نقاد أوكن: إن هذا غير صحيح. لا يوجد مثل هذه المعضلة. اليوم، المزيد من المساواة قد يمنحنا المزيد من الإنتاج أيضا. تحرك الاقتصاد مسافة واسعة للغاية داخل الحدود بحيث لم يعد ممكنا تطبيق المقايضة. هل هذا صحيح؟ الصحيح هو أن الاقتصاد يتعمق في داخل حدود السياسات المصممة تصميما جيدا. دائما ما كان كذلك، ودائما سيبقى. هذا الواقع الذي لا مفر منه لا يجعل المقايضة بين الإنصاف والكفاءة أمرا غير ذي صلة. من المؤكد أن الفرص كثرت على نحو يجعل المجتمع أكثر إنصافا وأكثر ازدهارا. إن الفكرة التي مفادها أن نظام الضرائب والتحويلات الأمريكي هو (أو كان) في أي وقت قريبا من حدود السياسات الجيدة أمر مثير للضحك، لذلك ينبغي أن يكون من الممكن العثور على خيارات يتحقق فيها الفوز للجميع. قدم محررو أخبار بلومبيرج مؤخرا، في سلسلتهم المتعلقة بالضغط الواقع على الطبقة المتوسطة، بعض الاقتراحات المحددة من هذا النوع. وقد اقترحوا تبسيط النظام الضريبي من خلال خفض ما يسمى بالنفقات الضريبية واستخدام بعض من العائدات لخفض معدلات الضرائب، خاصة بالنسبة للعاملين من ذوي الدخل المنخفض. مع ذلك، لا يسعك إلا أن تلاحظ مدى صعوبة تنفيذ نظام إصلاح ضريبي ذكي. نفس الشيء ينطبق على أفكار جيدة أخرى مثل تشجيع التجارة الخارجية مع تقديم دعم أفضل للعمال المتأثرين سلبا - وهو بالمناسبة أمر آخر يوصي به محررو أخبار بلومبيرج. في كلتا الحالتين، يلزم مزيج من السياسات لتحريك الاقتصاد صوب الحدود. جزء واحد من الحزمة يجعل النمو هو الأولوية، أما الجزء الآخر فيتناول مسألة الإنصاف. يعد هذا إقرارا واعترافا بأن المقايضة أمر مهم. صحيح أن بإمكانك أن تتخيل أيضا سياسات أحادية البعد تعمل على تعزيز النمو والإنصاف في وقت واحد - مثل فرض ضرائب على التلوث أو الريع الاحتكاري، على سبيل المثال - رغم أن هذه الفرص ليست دائما بسيطة كما تبدو. مع ذلك، دعونا نتفق أنه في العالم الحقيقي للسياسات الغبية، تتوافر التغييرات التي من شأنها تحسين المساواة والكفاءة في الوقت نفسه. هذا ما يعنيه أن تكون داخل نطاق الحدود. مع ذلك، لا يزال الناس أبعد ما يكونون عن موقف اللامبالاة تجاه تلك البدائل المفترضة المتعلقة بالفوز للجميع. لا يتوقف الخلاف لأنك داخل نطاق الحدود. لم لا؟ ما الذي تدور حوله تلك الخلافات حقا؟ لا شك، أن الاختلافات المحضة في القيم – أي ما هو الأمر الأكثر أهمية من غيره - هي أصل الخلاف. أما الأنانية الصرفة (مثلا العزوف عن الاستسلام لامتياز ضريبة الدخل الحامل للمصلحة أو تجميع علاوات الأجور للعمال في صناعة محمية) فهي أيضا تجعل حصول الاتفاق أمرا صعبا. لا يمكن أن يساعد علم الاقتصاد في تلك الأمور والقضايا. لكن جزءا من المشكلة هو الخلاف على الحقائق، والحقائق التي تثير معظم الخلاف هي تلك المتعلقة بآثار السياسة العامة على الكفاءة، من ناحية، والمساواة والإنصاف، من ناحية أخرى، وهذا أمر يعرفه الجميع. كان الأمر دائما هكذا. لقد تغير الكثير، لكن مقايضة أوكن العظيمة لن تزول أبدا. حتى في القرن الحادي والعشرين، الأمر الأكثر فائدة الذي يمكن للاقتصاديين القيام به هو أخذ هذه المقايضة على محمل الجد، وتوضيح الشروط المتعلقة بالخيارات الممكنة. هذا بالضبط ما حثهم أوكن على فعله. لقد كان محقا في ذلك الحين، وهو محق أيضا الآن.