سأل العقل ذات يوم الروح: كيف تمضي بك الأيام أو الدنيا؟! إن طابت لك هذه التسمية سميْناها فلا أيام بدون دنيا ولا دنيا بدون أيام هي.. هي.. كيفما أسميتها صبحا ومساء.. ليلا ونهارا. يسأل العقل رفيقة دربه الروح وهو يعرف الجواب أصلاً، ولكنه يمازحها أو يعاكسها فهو وإن كانت له النديم إلاّ أنّ اللؤم بدا واضحاً من كيفية إلقاء السؤال، ابتسمت الروح ونظرت إلى العقل بعجبٍ وتعجبٍ وتهكمٍٍ أيضاً، قالت الروح للعقل: كأنك غريب تسأل وتتساءل؟! كأنك لم تكن معي في هذه الدنيا، هي يا عقل كما نعيشها بين وبين.. ثم تقول مُردفة: وهل أنا الروح أخبر منك وأعلم بشيء لا تعلمه؟! ألم نُخلق سواء ونعيش سواء وسنموت سواء؟!. تراجع العقل عن سؤاله للروح مبدياً أسفه على مزاحه الثقيل ودعابته الغليظة قائلاً: نحن في هذا الجسد البشري اثنان فقط، نخاطب بعضنا البعض ولا نعرف أحدا غيرنا وأنت كذلك لا تعرفين من هذا الجسد إلاّ أنا، فهل أطلب منك الحلم والرفق بي؟! لا تغضبي مني وأنا لن أغضب منك ولكن أهمس لك أحياناً، وأصرخ أحياناً كثيرة حينما أرى ما يفعله الإنسان في دنياه وما يرتكبه من حماقات وسلوكيات بعضها عفوي وأكثرها متعمد وأعجب بل وأتعجب من دفاعه المستميت عن أخطائه ولو أنّ الإنسان تجرد من أنانيته وذاته وظل يراقب تصرفاته لعلم حجم الخسائر التي تُرتكب بفعلته وخطئه وهو مستمر في غيّه وكبريائه وخيلائه وعنفوانه، يظن أن الأبدية والديمومة قد أعطيت له في هذه الدنيا فهو يستطيع إصلاح وتدارك أخطائه لاحقا وذلك بزعمه وفهمه المحدود ويقع اللوم علينا أنا العقل وأنت أيتها الروح حينما نُتهم نحن الاثنان أننا وراء ذلك السلوك المشين والمعيب ونحن من ذلك بُراء. تستمر الروح محدّثة العقل: تباً لك أيها العقل تتلذذ بالإيحاء والهمس وعند وقوع الفعل إن كان حسناً نسبته لك وإن كان سيئاً نسبته لي، ولكن هذه هي الدنيا التي نعيشها متغيرة فتارة قاسية وتارة ليّنة وهل أنا الروح أخبر منك وأعلم بشيء لا تعلمه مثلي ونحن نعيش نفس الزمان والمكان ولكن يصدق عليهم القول «أسمع بهم وأبصر» وصبراً جميلاً.