كشف صناعيون بالمملكة أن القطاع الصناعي فقد الكثير من المحفزات التي كان يحظى بها في فترة الطفرة، مثل الإعفاءات الجمركية على المواد الخام المستوردة من الخارج، وارتفاع تكلفة الكهرباء، وعدم توفر الغاز الذي تحتاجه المصانع في عمياتها التشغيلية بالشكل المطلوب، إضافة إلى تأخر صندوق التنمية الصناعي في بعض الحالات، مثل الإسراع وتعجيل الدعم المالي للقروض البنكية المطلوبة، وكذلك تأخر إنشاء المدن الصناعية وتوفر الخدمات بها، وضعف تطبيق نظام المشتريات الحكومية وإعطاء الأولوية للمنتج الوطني الذي صدر بمرسوم ملكي من أجل تنمية الصناعة محليا وخارجيا. وأرجع الصناعيون سبب ضعف المحفزات بالنسبة للقطاع الصناعي بالمملكة إلى غياب تشكيل فرق العمل في جميع المجالات الصناعية، والاعتماد على فكر الرجل الواحد، والذي أدى إلى وقوف استراتيجية الصناعة عند الحد الحالي، مطالبين بإعادة بلورة استراتيجية الصناعة المستقبلية بالتنسيق مع وزارتي التجارة والصناعة والاقتصاد والتخطيط وتحديد المطلوب من القطاع الصناعي خلال الخمسين سنة القادمة، بهدف تنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد الكلي على النفط في ظل وجود صناعة قوية بالمملكة، وكذلك دراسة متطلبات الدول الخارجية وتكييف الصناعة السعودية، مع توجه هذه الدول في ظل وجود العديد من المعاهد ومراكز الأبحاث في المملكة، وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية. حوافز غائبة قال رجل الأعمال المهندس خالد الزامل: إن القطاع الصناعي كان يحظى بعدة حوافز كلها مقررة بنظام يهدف إلى تشجيع الصناعة الوطنية، مثل وجود الإعفاءات الجمركية على المواد الخام المستوردة والتي تم إيقاف كثير منها، وكذلك الجمارك حيث كانت تبلغ نسبتها 15 % على المنتجات المماثلة للمنتجات الوطنية، وتم تخفيضها إلى 5 %، وكذلك توفر الكهرباء وعدم توفر الغاز المطلوب للمصانع، وكل ذلك يؤدي إلى صعوبة الاستثمار الصناعي، لذلك لا بد من الاهتمام بالحوافز المشجعة خصوصا مع وجود تحديات اقتصادية عالمية، موضحا أن فتح سوق المملكة لكثير من البضائع قليلة الجودة يؤثر على الصناعة الوطنية، ويسبب إغراقا في السوق، كما يجب على المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى أن تهتم بموضوع تشجيع الصناعة الوطنية من خلال تطبيق نظام المشتريات وتخصيص حصص للقطاع الخاص بهدف تنميته، من أجل أن يكون محركا رئيسيا للاقتصاد الوطني وخاصة القطاع الصناعي، حتى يخلق المزيد من الوظائف للشباب السعودي، ولهذا يجب حماية هذا القطاع ومنحه الفرص لكي ينمو ويؤدي دوره في منظومة الاقتصاد الوطني، وكذلك الاهتمام بالقيمة المضافة المحلية من حيث زيادة المكون المحلي في الاقتصاد السعودي. وأضاف: توجد حوافز حالية جيدة ولا تزال باقية ومهمة، مثل عمل هيئة "مدن" على إيجاد وتوفير الأراضي الصناعية، وكذلك القروض التمويلية من قبل صندوق التنمية الصناعي، ولكن لن يتم تنمية القطاع الصناعي إلا بزيادة الحوافز وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتسهيل كل ما يلزمه حتى نستطيع جذب التقنيات التي يحتاجها القطاع الصناعي الآن. إستراتيجية الصناعة وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة "حلواني إخوان"، المهندس صالح حفني، أن إعادة دراسة نسبة السعودة مثلما تمت إعادتها بالنسبة لقطاع المقاولات هي من أكبر المحفزات التي يعول عليها الصناعيون بالمملكة حاليا. وقال: هناك الكثير من العوامل المشجعة فقدتها المصانع السعودية، أبرزها تأخر صندوق التنمية الصناعي في بعض الحالات، مثل الإسراع وتعجيل الدعم المالي للقروض البنكية المطلوبة، وكذلك تأخر إنشاء المدن الصناعية وتوفر الخدمات بها، وهذا الأمر يعاني منه الكثير من الصناعيين، مع العلم أنه تم تأسيس هذه المدن، ولكن توفير الخدمات التي تحتاجها لا يزال جاريا، وسيأخذ فترة أطول في عملية تجهيزها، وأعتقد أن جزءا كبيرا من المحفزات يحتاج إلى إعادة دراسة، كالمميزات التي تعطى للصناعيين في حالة التصدير، واليوم كثير من الشركات تتمنى وصول وتوفر منتجاتها في أسواق كبيرة بالنسبة لها. ضغوط متعددة وأضاف حفني: لا توجد محفزات في يومنا هذا تجعل المصنع يزيد من وتيرة التصدير خارج المملكة، وهيئة تنمية الصادرات السعودية تدرس هذا الأمر، ولكن من الضروري وضع هذه المحفزات التي تساعد الصناعيين، مثل توفير عمليات خدمات وأجور الموانئ والرسوم الجمركية على المواد الأولية المستوردة والتي يعاد تصديرها. وأكد حفني أن القطاع الصناعي يعاني ضغطا من عدة نواح، منها ارتفاع التكلفة التشغيلية الموجودة بالتصنيع، كتكلفة المواد الأولية والتشغيل من ناحية العمالة، وأيضا ارتفاع تكلفة وضع المنتجات الغذائية على الرفوف في الهايبر والسوبر ماركت، حيث أصبحت هذه الجهات تفرض رسوما إضافية تقلص من هامش الربح لدى الصناعيين، وهذه الرسوم تبلغ من 12-20 %، وتعتمد على قوة الشركة وعدد المنتجات التي تضعها في السوبر ماركت، مشيرا إلى أن كافة الصناعيين أصبحوا يتأثرون من كافة الجهات وفي نفس الوقت لا يستطيعون رفع سعر منتجاتهم؛ لأن هناك منتجات أخرى يتم استيرادها من الخارج، والمواطن أصبح يركز كثيرا على تكلفة الشراء، ولهذا نجد أن الصناعي لا يرفع الأسعار في ظل ارتفاع تكلفة تصنيع منتجاته في الأسواق المحلية، حتى ان تكاليف الأراضي الصناعية أصبحت مرتفعة، مطالبا بإعادة بلورة استراتيجية الصناعة المستقبلية بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة ووزارة الاقتصاد والتخطيط وتحديد المطلوب من القطاع الصناعي خلال الخمسين سنة القادمة، بهدف تنويع مصادر الدخل؛ لأنه من المستحيل الاعتماد كليا على البترول في ظل وجود صناعة قوية بالمملكة، مؤكدا أن من الأشياء التي تميز المنتجات السعودية في الأسواق المجاورة ودول الشام وشرق آسيا أنها ذات جودة عالية، ويمكن الاعتماد عليها مستقبلا وذلك لاستمرارية جودتها. التقنية الأجنبية وأشار رجل الأعمال هاني العفالق إلى أن المحفزات الحالية بالنسبة للقطاع الصناعي تعتبر جيدة، وأفضل مما كانت عليه في السابق، ولكن لا تزال الحاجة أكبر مثل تواجد مناطق صناعية ذات مساحات كبيرة، وخصوصا في المناطق التي تقع بجانب المواقع الصناعية مثل الجبيل، وذلك للاستفادة منها كمناطق استثمار وبشكل مباشر، موضحا أن هناك تحديات عدة تواجه الصناعة بالمملكة، أبرزها عدم توافر الأيدي العاملة، وتطبيق نظام المشتريات الحكومية الذي من المعروف أن له دورا كبيرا في دعم هذا القطاع الهام. وعن تسهيلات استثمار الشركات الأجنبية في سوق المملكة، قال: "لكي يدخل الاستثمار الأجنبي كاستثمار صناعي بالمملكة، فإنه لن يكتفي باستثمارات ذات أحجام صغيرة مثل بعض الصناعات التحويلية"، وإنما يطمح إلى استثمارات تمتلك قيمة مضافة مثل صناعة السيارات وقطع غيارها، وهذا الاستثمار بلا شك يحتاج إلى خطة واستراتيجية من قبل الدولة من ناحية نوع الاستثمارات والمواقع المخصصة، واليوم لدينا شركة "صدارة" تنتج منتجات كثيرة، تحتاج إلى أن يكون معها تجهيزات لمصنعي قطع غيار أو مكونات في صناعات معينة، ولهذا لا بد من وجود استراتيحية لتحديد نوع الصناعة التي تحتاج التركيز عليها من قبل الدولة، مثل إنشاء قاعدة للصناعات النفطية ومشتقاتها أو صناعة السيارات، وهنا تتم دعوة الشركات الكبرى في هذا القطاع ومنحها كافة التسهيلات ومتطلباتها للاستثمار في المملكة، مثل الإعفاءات الجمركية وعدم الضغط عليها بنظام "السعودة"، ومنحها التأشيرات المطلوبة لأنها تحتاج إلى عمالة مدربة ومهيأة، وهنا يجب النظر إليها بمنظور خاص حتى يتم جذبها، وإلا سيواجه السوق السعودي العديد من التحديات التي قد تعيقه عن تحديد أهدافه. الاكتفاء الذاتي الداخلي وبالنسبة لمدى مواكبة المحفزات الحالية لضرورات التطور الصناعي في المملكة، أكد العفالق أن استراتيجية وزارة التجارة والصناعة لا تزال غير واضحة، فهل توجهها إلى إنتاج منتجات بسيطة يعتمد على أساس تحقيق الاكتفاء الذاتي الداخلي أو استقطاب صناعات عالمية، ولكن يجب عليها تحديد نوع الصناعة التي يجب الاستثمار بها. وأشار العفالق إلى أن المدن الصناعية بالدمام والأراضي المخصصة لها ستكون محدودة ومخصصة لصناعات نسبية بسيطة، وتحقق الاستهلاك المحلي وليس لحاجة تكميلية للاستفادة من منتجات تكاملية موجودة مع ما ينتج بالجبيل الصناعية، ولكن تبقى الاستراتيجية هي المحدد الرئيسي للصناعات ذات القيمة المضافة التي يحتاجها السوق. تخفيض رسوم الكهرباء وطالب نائب رئيس اللجنة الوطنية الصناعية بمجلس الغرف السعودية، المهندس إبراهيم بترجي، بالمزيد من الإعفاءات الجمركية ومنح الأراضي الصناعية بسعر رمزي، وتسهيل استقدام العمالة المحترفة في مجال الصناعة، وتخفيض نسبة التوطين حيث إن القطاع الصناعي لا يتحمل ذلك، ولا بد من تخفيض رسوم الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والمساهمة مع المصانع في عمليات إعادة التصدير، خصوصا في السلع غير المعفاة، وذلك بإعادة منحها الرسوم الجمركية مثل منتج حليب البودرة والذي لا يصنع في المملكة، إضافة إلى تسهيل القروض الصناعية ليس فقط في إجراءات المعدات والآلات، وإنما في تمويل رؤوس الأموال، وكذلك عقد ورش عمل بالأفكار الصناعية الجديدة على مستوى العالم. وذكر بترجي أنه لا توجد محفزات مجزية يستفيد منها القطاع الصناعي، ولهذا ذهب الكثير من المستثمرين للاستثمار في قطاع التجارة والأسهم والعقارات والاستثمار بالصناعة في دول أخرى، مثل تركيا ودول الخليج العربي، لعدم الحصول على الأيدي العاملة الرخيصة التي تمكن المصنعين من العمل والمنافسة، مؤكدا أن نسبة دخول الشباب في الاستثمار الصناعي أصبحت ضعيفة تماما لعدم وجود محفزات تنمي من هذا القطاع الهام. هيكلة الموارد البشرية من جهته، أكد الخبير الاقتصادي محمد القحطاني أن القطاع الصناعي مر بتغيرات كثيرة، حيث كان له في السابق وزارة تعنى بكافة شؤونه، ومن ثم تم دمجها مع وزارة التجارة. وقال: إن الصناعة بالمملكة تحتاج إلى هيئة خاصة تكون أكثر مرونة من الوزارة، مثل هيئة الاتصالات السعودية؛ لأن وزارة التجارة لديها ما يشغلها، ونحن لسنا مع الدمج وإنما مع الانفصال؛ لأنه يوجد بالمملكة آلاف المصانع، وهناك خطط كبيرة وطموحة للممكلة بأن تكون شبه صناعية خلال السنوات العشر القادمة، لذا نحن بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة على مستوى العناصر والموار البشرية والإجراءات الحكومية، وعلى نوع الصناعة والتحالفات الصناعية الدولية وأهميتها. وأضاف: إن الصناعة متروكة بيد الوافدين الذين يحققون من ورائها أرباحا كثيرة؛ لأن أي صناعة بطبيعتها لا تخسر، وأصحابها يدفعون الإيجارات المطلوبة للحكومة، وهذا الوضع باعتقادي لن يستمر؛ لأنه سيكون هناك تداخل خطير خلال السنوات الخمس القادمة لدول العالم، لأن منظمة التجارة العالمية ستفعل أنظمتها بشكل أوسع، وهذه الدول تتهيأ لذلك خصوصا التي بها زعزعة أمنية، ففي حال استقرارها سيكون هناك تفعيل لقرارات منظمة التجارة العالمية والقوانين الدولية لأن العالم اليوم يتكلم بلغة الاتحادات والمنظمات الدولية، فعندما تتشكل المجتمعات في تلك السنوات فإنها ستقوم على أساس القوانين الدورية، سواء كانت من خلال منظمة التجارة العالمية أو من صندوق النقد الدولي، وبالتالي الصناعة تحتاج من الجهات المسؤولة إلى إعادة هيكلة، فنحن لدينا موضوعات اقتصادية كبيرة في المملكة تحتاج أيضا إلى النظر فيها من جديد، ولكن للأسف أصبح الزمن أكثر سرعة منا، ولا يخفى على الجميع أن المملكة طموحة في ريادة الأعمال وطموحة بأن تكون متميزة في الصناعة وتكون أرضا خصبة لجذب الاستثمارات العالمية، وكذلك متميزة في الفعاليات الثقافية والسياحة، وهذه كلها أمور جيدة كتوجه لاقتصاد الدولة، ولكن ذلك يحتاج إلى عقول وتكوين فرق عمل في المرحلة القادمة في مجال الصناعة، وتوزيعها إلى فرق صغيرة في صناعة البلاستيك والحديد والغذاء وغيرها من الصناعات الهامة، بحيث يكون لكل صناعة فريق عمل متكامل يعمل وفق رؤية المملكة الاقتصادية، لكي نكون شبه صناعيين ومتميزين في التكنولوجيا وأحدث ما تحتويه من أجهزة ومعدات. تفعيل البحث والتطوير واضاف القحطاني: لا بد من تفعيل مركز البحث والتطوير في وزارة التجارة والصناعة، من خلال عمل ندوات ومحاضرات للمصانع وإطلاعها على كل ما هو جديد في التكنولوجيا وعالم الصناعة، وكذلك دعوة كبار المنتجين للصناعات العالمية، والتوضيح للمصانع الوطنية التغذية العكسية؛ لأن القطاع الصناعي يعتبر من الأساسيات للنهوض بالاقتصاد الوطني، وأيضا تعزيز الميزان التجاري للمملكة، وهو الصادرات لهذه المصانع، فما يصدر حاليا عبارة عن منتجات تعتبر هزيلة في التكنولوجيا والجودة، ولا تذهب إلا لأسواق هامشية، فهناك أكثر من 85 % من الأسواق تذهب إلى صالح الدول الأوروبية والمتقدمة وأمريكا، لذا لا بد من دراسة متطلبات هذه الدول وتكييف الصناعة السعودية مع توجه هذه الدول في وجود الكثير من المعاهد ومراكز الأبحاث في المملكة. وعن سبب غياب المحفزات الخاصة بالقطاع الصناعي رغم وجود توجه من الدولة بأنه أحد مصادر تنويع الدخل، أكد القحطاني قائلا: إن المشكلة في غياب فرق العمل والاعتماد فقط على فكر الرجل الواحد، لذلك فإن اجتماع العقول وطرح الأفكار سيكون البوابة لانطلاق المشاريع الصناعية النيرة، فنحن بحاجة إلى هذه الفرق في المرحلة القادمة لأنها ستبين مدى سر نجاحنا في جميع المجالات والتخصصات الصناعية، لكي نتخلص من القرارات الفردية، والحال يسري على بقية المجالات الأخرى سواء كان في السياحة والثقافة أو غيرها. وأشار القحطاني إلى أن جذب التقنية العالمية سواء كانت من الصين أو أمريكا يحتاج إلى خلق بيئة جاذبة من خلال وجود الكوادر البشرية المؤهلة عن طريق التدريب على أعلى المستويات في تلك الدول المصنعة وتهيئتها لهذا النوع من الصناعة المتقدمة، والتواصل مع الجامعات والمعاهد الخارجية المؤهلة على أساس أن تكون نواة للكوادر السعودية بحيث يتم تأسيسها في المعرفة الصناعية، وبهذا سنكون جاذبين للاستثمارات العالمية الضخمة لأنه أصبحت لدينا أسواق واعده تحتوي على كل المؤهلات والحوافز المغرية. وأوضح أن الصناعة في الوقت الحالي تعتمد على الغاز وكثير من المدن الصناعية في السعودية فشلت في توفير هذا المنتج الهام، وهنا يجب البحث عن أفضل تكنولوجيا لتساعد في حفظ الغاز واستخدامه للصناعات القادمة بدلا من تسربه بدون فائدة، وكذلك يجب على وزارة التجارة والصناعة أن تقود خطة الصناعة وتحديد الأنواع التي تحتاجها المملكة خلال المرحلة القادمة. وأكد القحطاني أن نسبة نمو ودخول المصانع الجديدة في القطاع لا تتجاوز 2 % سنويا من الإجمالي بسبب التباطؤ في عمليات التمويل والتعقيدات التي تفرض على تأسيس المصانع.