تطوير أعمال الحسبة أمر مطلوب من المنظور العملي والعلمي؛ حتى تستطيع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مواكبة الواقع، وتتجاوز الأخطاء والملاحظات التي ظلت تلاحق بعض أعضائها مؤخرا، فالهيئة لها دور محوري مهم في الحفاظ على موروثاتنا وقيمنا الدينية في سلوكنا ومعاملاتنا، وهي بمثابة جرس إنذار لأي تراجع في تطورنا الذاتي فيما يتعلق بالمسائل العقدية والتعبدية ومجمل فقه المعاملات، وذلك دور يتطلب أعضاء أكثر علما ودراية بالتفاصيل الشرعية وعلم النفس الاجتماعي. في سبيل تطوير أداء الأعضاء أطلق المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجامعة أم القرى مؤخرا برنامج نشر ثقافة الاحتساب الإلكتروني، ودبلوم المستجدين الميدانيين، ومن خلاله تلحق الرئاسة العامة منسوبيها الميدانيين المستجدين بدبلوم تأهيلي مدته عام دراسي كامل، بالشراكة مع جامعة أم القرى ممثلة في المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الدبلوم الذي يستمر لمدة عام دراسي يهدف إلى تأهيل الأعضاء الميدانيين المستجدين؛ ليمارسوا العمل الميداني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد تزويدهم بما يحتاجون من علوم شرعية تأصيلية ومعارف نظرية وتطبيقية، ومعلومات مهارية ودراسة للأنظمة واللوائح والتعليمات ذات العلاقة بالعمل الميداني. ذلك التأهيل مهم؛ لأنه يعزز رسالة الحسبة اجتماعيا، ويعبر الجفوة التي أحدثها بعض الأعضاء بأخطائهم وحماسهم المفرط في معالجة أخطاء فردية واجتماعية بغلظة أو سوء تقدير للحالات، ولعلنا ندرك أن هناك كثيرا من الملاحظات التي تتعلق بأداء أولئك الأعضاء، وعالجت الرئاسة بعضها بما لا يتسبب في أضرار للصورة الذهنية للهيئة لدى المجتمع، لأنه لو استمرت الجفوة بين المجتمع والهيئة فلا يتوقع أن نحصد الأهداف الإستراتيجية لعمل الهيئة، التي ينبغي أن يرتكز عملها على قواعد في سياق الدعوة بالحسنى والترفق بالمخطئين أو مشروع الخطأ الديني، خاصة إذا نظرنا الى أن بعض الناس لا يتمتعون بكامل الوعي أو الفقه الذي يعصمهم من ارتكاب الأخطاء الشرعية التي تتعامل معها الهيئة. في تقديري أن اشتراط الرئاسة حصول العضو على هذا الدبلوم لمزاولته العمل الميداني، كفيل بدعم تطوير أداء الهيئة بشكل عام، ومعالجة أوجه القصور الأدائي التي يتحفظ عليها كثير من أفراد المجتمع مما أفقدهم الاحترام اللائق للهيئة، فيما تحتاج لكل الاحترام وتقدير دورها المهم والحيوي في حياتنا، وحين نحصل على أعضاء يتعاملون بمنهج علمي مع الوقائع الميدانية، فإن النظرة سترتفع تلقائيا الى صورة إيجابية، تجعل المجتمع أكثر انسجاما مع أهداف الهيئة وقيمتها المعنوية في عقلنا الاجتماعي. تطوير أداء الهيئة من الأهمية بما يجعلها أكثر استشرافا لأدوار تحفظ الشباب تحديدا من السلوكيات المذمومة، وذلك يتطلب بالفعل مهارات علمية تجعل عمل الهيئة أكثر منهجية ومهنية، وتتفهم أفضل الطرق في التعامل مع الشباب وبقية شرائح المجتمع، فهناك حلقة وصل لا بد أن تستمر بين الهيئة والمجتمع بعيدا عن أي أفكار تتعلق بالتسلط، إذا فقدت تلك الحلقة تضرر الطرفان وفقدنا الكثير الذي نحتاجه، فالحسبة مهمة وجزء من منظومة دينية تسهم في نقاء وتطهير المجتمع من أخطاء سلوكية وتحويلها الى فعل إيجابي يرتقي بفهمنا الديني والحياتي بصورة عامة. * باحث اجتماعي