«ربما» كلمة متواضعة أو هكذا تبدو لي للوهلة الأولى، أو حتى حينما أبحث عنها في سطور مقال هنا أو هناك ولا أجدها إلا في ما ندر، أو أحيانا أجدها متخفية أو حاضرة وكأنها جاءت بلا عمل أي ليست أداة يستخدمها الكاتب لإيصال فكرته وإن استخدمها تجده سرعان ما يأتي بما ينقضها وكأنه يتدارك خطأ وقع فيه. لهذا تجدنا نهرب منها جميعنا أو غالبيتنا إلا ما رحم ربي، سواء كان ذلك في حديثنا أو كتابتنا. ربما لأنها لا تشبع غرورنا أو تعطيني نشوة الإنجاز التي تعطينا إياها أدوات الجزم والتأكيد في اللغة العربية، أو ربما العربي ميال لاحتكار الحقيقة لهذا يبتعد عنها لأنها تجعل الحقيقة تميل في غير كفته.. ربما. وأنا قلت في كتاباتنا وحديثنا ونسيت أن أقول حتى في أشعارنا وأغانينا، فكم منا على سبيل المثال، يعرف أن العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، المطرب الذي ألهب مشاعر ملايين الشباب العربي وما زال، لديه أغنية بعنوان «ربما» كتب كلماتها الشاعر محمد علي أحمد، وهو ذات الشاعر الذي كتب الأغنية ذائعة الصيت «على قد الشوق» فلماذا لم تحظ أو -ربما- لم تحظ أغنية «ربما» بالشهرة التي حظيت بها أغنية «على قد الشوق». ربما إذا استمعت للأغنية أو قرأت القصيدة تكتشف بحسك المرهف، لماذا لم تحظ بالشهرة التي حظيت بها أغاني عبدالحليم. فالشاعر جعل من «ربما» المحور الأساس الذي بنى عليه القصيدة، التي تقول في بعض أبياتها: «أسعيد كنت في الحب أنا ربما.. أما شقي في ضلالات المنى ربما أترى في العش دفئي وغنائي ربما أترى في العش دفئي وبكائي ربما ربما دقت يدي باب الهوى فدعاني من ببابي من غوى أمن الحكمة كانت لهفاتي أم هو الشوق الذي يطوي حياتي قالت الحكمة لما جئتها ربما.. وأجاب الطيش همسا.. قلتها ربما» هل عرفت الآن لماذا؟ تخيل لو أن أحدا أهدى حبيبته هذه الأغنية واستمعت إليها، كم تتوقع من راجمات الصواريخ (الأحذية) يمكن أن تناهل على جمجمته، عد من الآن وحتى مسيرة شهر راجلا..! لأن الحب متى ما دخلت عليه «ربما» قد تقتله من الوريد إلى الوريد. وهذا في ظني من جعل من أغنية «ربما» يطويها النسيان من بين أغاني عبدالحليم.. ربما. قد نلتمس لشاعر أن يقول ما يشاء فهو يهيم في كل واد، ويسبح في البحر الذي لا ميناء له..!، ولكننا قطعا نلوم بعض مثقفينا وكتابنا، الذين أسرفوا بأدوات الجزم والتأكيد وكأنهم من أهل العصمة..!، ونقول لهم تواضعوا قليلا، فللحقيقة طلابها الكثيرون، الذين لم ينته التاريخ حتى الآن من تعدادهم. لماذا تضيقون واسعا..؟ وتحجرون على الحقيقة..؟. نحن نتعرض يوميا لكم كبير من مفردات الجزم والتأكيد التي ليس لها أساس من الصحة وهذا في ظني أو ربما له انعكاسه السلبي على أخلاقنا وسلوكنا، المنعكس على تقيمنا للأشياء وموقفنا بعد ذلك منها. وهو مؤشر ربما ليست له دلالة إلا على حرصنا في دخول موسوعة غينس في استخدامنا لأدوات الجزم والتأكيد، ليس من أوسع الأبواب وإنما الأبواب تخجل منا من أن نمر عبرها..!. قد يقول قائل في نهاية المقال «لا تنه عن خلق وتأتي بمثله»، لماذا جعلت من نفسك حكما على الآخرين دون أن تأتي بدليل واحد؟!، فأنت تفعل عين ما تنهى عنه. جوابي «قالت الحكمة لما جئتها ربما». * كاتب وإعلامي