محض كذبة توراتية، وعدوهم بالعودة الى ارض الميعاد من كل حدب وصوب تنفيذاً لوعد الرب فكان في استقبالهم اعداؤه الموعودون بالغضب في الدنيا والنار في الاخرة .جاؤوا بهم من أرض آبائهم، اوطانهم التي ولد اجدادهم فيها ليهجروهم الى فلسطين، ارض كنعان التي وجد الشعب الفلسطيني فيها قبل ان يوجد فيها اليهود «العابرون في كلام عابر». وما استطاعوا عبر التاريخ ان يغرسوا فيها جذورهم المتخيلة وادعاءاتهم الكاذبة بأنهم اهل الارض الاوائل. وبرغم التخطيط الخبيث لم يستطع المشروع الصهيوني ان يدمج بالكامل اليهود القادمين من بولندا وهنغاريا وروسيا مع القادمين من امريكا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا، كما لم يستطع ان يدمج هؤلاء مع القادمين من العراق ومصر والمغرب وليبيا وسوريا واليمن. فلا شيء يجمع هؤلاء من مقومات الشعوب سوى الديانة. لا بيئة مشتركة ولا لغة ولا عادات ولا تراث ولا أجداد. فظلوا كقطع فسيفساء بشعة على تراب ليس لهم وأرض احتلوها بالخديعة. تجلى الفشل اكثر ما تجلى في دمج اليهود الافارقة وبخاصة يهود أثيوبيا «الفلاشا» الذين لم يستطع اليهودي الاحمر ان يهضم لونه الاسود ويقول له «اخي» فمارس ضده العنصرية المتجذرة في اصوله المشتتة. بدأ احساس هذه الجماعة بما يمارس ضدها من تمييز قائم على لون البشرة من اليوم الأول لوصولهم إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة التي يزعم الإسرائيليون وأغلب يهود العالم ذوي الميول الصهيونية أنها أرض الميعاد. وكان يتعين على الفلاشا أن يعبروا عن سخطهم من هذا التمييز منذ وصولهم. فالتمييز هو المنهج الذي يحكم طريقة معاملة كل الجماعات اليهودية في الكيان الصهيوني منذ نشأته عام 1948 من جانب اليهود الغربيين (الأشكناز) الذين يحتكرون العمل في المؤسسات الكبرى، ويتبوأون المناصب الإدارية العليا والوظائف السيادية, ضد اليهود الشرقيين (السفرديم) وغيرهم من الجماعات اليهودية الأخرى. وللاسف ساهم الرئيس السوداني الاسبق جعفر النميري في إتمام أول عملية تهجير للآلاف من الفلاشا العام 1984. وتواصلت فيما بعد عمليات التهجير من إثيوبيا إلى إسرائيل حيث هاجر أكثر من 20 ألفا من الفلاشا في العام 1985، وذلك بفضل نائب الرئيس الأمريكي وقتئذ جورج بوش الاب، والذي زار الخرطوم من أجل طمأنة النميري وتأكيد الضمان الأمريكي لنجاح العملية ووافق النميري بشرط عدم توجه الطائرات الأمريكية التي ستنقل المهاجرين إلى تل أبيب مباشرة بل عبر مدينة أخرى. وعبر مطار مهجور «العزازا» بشرق السودان بالقرب من مراكز تجمع الفلاشا، تمكنت المخابرات الأمريكية وعملاؤها من تنفيذ العملية، ونقلتهم الطائرات العسكرية الأمريكية مباشرة إلى مطار عسكري إسرائيلي في منطقة النقب.. انفجر احساس يهود الفلاشا المقيت الاسبوع الماضي من خلال مظاهرات عنيفة حين هاجم يهود غربيون جندياً اسود من جييش «الدفاع» الاسرائيلي. وقد تأخرت المظاهرات كثيرا إذ كان يفترض بها أن تندلع قبل سنوات بسبب المعاملة الدونية التي لقوها في إسرائيل, فهم هاجروا إليها بكامل إرادتهم في عملية أطلق عليها وقتها اسم أجنحة الحمامة او عملية موسى، وقد بدأت في 29 أكتوبر 2012, وانتهت في أكتوبر 2013 بتهجير نحو 5 آلاف يهودي إثيوبي بوصولهم إلى مخيم جودار, بناء على قرار 2948 لسنة 2003 من جانب حكومة الاحتلال التي سمحت لهم بالهجرة بموجب قانون اعترف به قضاة «الهالاخاه» وتعني المذهب ويقصد بها الشريعة اليهودية, بالرغم من وجود معارضين بينهم لشروط الهوية اليهودية وأغلب هؤلاء المعارضين من العلمانيين. ان عنصرية إسرائيل وانتهاكاتها لكل الأعراف والقوانين مبدأ أصيل وسياسة ثابتة لهذا الكيان الصهيوني منذ نشأته, تمارس ضد الفلسطينيين في صورة مصادرة أراض وقتل وتشريد ونهب ثروات, كما تمارس أيضا ضد اليهود الأقل مرتبة ومن بينهم الفلاشا وهي السلالة الحبشية من اليهود الذين أجبروا على ترك دينهم والاستجابة الطوعية والقسرية لحملات التنصير في بلادهم خلال النصف الثاني من القرن ال19, قبل أن يعودوا للتهود مرة أخرى, ثم يقرروا الهجرة إلى الكيان الصهيوني استجابة للوعود المعسولة من جانب الاحتلال بما سيحصلون عليه من امتيازات في الأرض الموعودة! لم يجدوا إلا الاضطهاد والتهميش والعنف، وهو ما دفعهم للاحتشاد بالآلاف في ميدان رابين مؤخراً للتعبير عن رفضهم لهذه المعاملة بعد تداولهم لمقاطع الفيديو التي ظهر فيها جنديان من جنود الاحتلال الإسرائيلي يعتديان بالضرب على زميلهما بسبب لون بشرته، فخرجوا ينددون بشعارات مناوئة لحكومة الاحتلال يرددون شعار «لا أسود ولا أبيض كلنا بشر». لمظاهرات الفلاشا دلائل خطيرة تؤكد ان انهيار اسرائيل سيكون من داخل اسرائيل. وان الكذب حبله قصير مهما طال. «بامكانك ان تكذب على بعض الناس بعض الوقت لكن ليس بامكانك ان تكذب على كل الناس كل الوقت». كما يؤكد ان القوة قد تقيم دولة مؤقتة لكن ليس بامكانها ان تصنع شعباً. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن الأعضاء العرب بالكنيست يتقدمهم النائب أيمن عودة، انضموا إلى مظاهرات الفلاشا غير المسبوقة. كما انضم إلى المظاهرات أيضاً عدد من الأعضاء اليهود من التيار اليساري «هامحتيه هاتسيوني- المعسكر الصهيوني»، بالإضافة إلى إليان جلياؤون من حزب ميرتس، وبنينا تامنو العضو السابقة بالكنيست، بينما انتقد ميرب ميكالي، العضو السابق بالكنيست عن حزب العمل، العنصرية التي تسيطر على المؤسسات السياسية والأمنية في إسرائيل، فضلا عن العنف المفرط من جانب قوات الشرطة. مشاركة العرب الفلسطينيين في المظاهرات يشي بأن ثمة ما يجمعهم مع يهود الفلاشا من معاناة عنصرية في الكيان الصهيوني اقوى بكثير مما يجمع اليهود انفسهم. وللمفارقة ان ما يجمعهم هو ذاته ما يفرقهم وهو دليل على ان اسرائيل كيان مصطنع غير قابل للاستمرار. والتاريخ يشهد على محاولات اليهود اقامة ممالك لهم على ارض فلسطين انتهت كلها الى زوال!!