قد تدفع ظروف وفاة الزوجة أو طلاقها من زوجها، قيام الزوج بالزواج من امرأة أخرى يستكمل معها القسط الباقي من حياته، أو للقيام على شئونه وشئون أبنائه، في هذه اللحظة يُفاجئ الأولاد بمجيء امرأة يعتبرونها غريبة عليهم، لكنها في الحقيقة أصبحت زوجة لأبيهم. زوجة الأب دائماً تكون في قفص الاتهام ( حسب دراسة نشرها موقع وفاء لحقوق المرأة ) سواء من قبل أبناء زوجها أو من المجتمع الذي يعتبرها بمثابة وسيلة لخراب البيوت وتشتيت الأطفال، وعدم رعايتهم الرعاية القويمة. كما تأتي وسائل الإعلام - عبر مسلسلاتها وأفلامها - لتزيد الطين بلة، وتكرس الصورة النمطية السيئة عنها، متهمين إياها بافتقادها لأية مشاعر تمت للأمومة بصلة. الأمومة الحانية الدكتور مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يقول: إن الله تعالى أعطى لزوجة الأب حرمة تماثل حرمة الأم، لذا يجب احترامها من جانب الأبناء، وحق البر والصلة حتى بعد وفاة الأب، كما لا يجب عليهم إغفال حقها في الميراث. أما عن واجبات زوجة الأب، فيشير بقوله : إذا راعت الله - تعالى - في معاملة أبناء زوجها بتربيتهم التربية الصالحة والعناية بهم، فلا شك أن هؤلاء الأبناء سيكون عليهم واجبات عظيمة نحوها ويكون لها من الله - تعالى - الأجر والثواب العظيم. والمرأة الواعية هي التي تقوم بواجباتها نحو أبناء زوجها، لأنها تكون مسؤولة أمام الله - عز وجل - عن رعايتهم والعطف عليهم مثل أبنائها تماماً وهي تستطيع كسب قلوبهم وحبهم فينادونها بأمي تعبيراً عن امتنانهم لها. ولابد هنا من التأكيد على أن ارتكاب بعض زوجات الآباء خطأً أو جريمةً أو سوء تصرف بحق أبناء زوجها، لا يعني أن الصورة قاتمة وأن تشبيه البعض لها ب «النمر المتوحش» في محله، لا سيما أن الدلائل الواقعية الكثيرة تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد في الوقت نفسه أن الكثيرات منهن يقمن بدور الأمومة الحانية على أكمل وجه. السيدة «راوية محمد» الشقيقة الكبرى لثلاث فتيات، تقول: إن والدها طلق أمها وتزوج بثانية، وحينها كن جميعاً مستاءات من تصرف الأب، واتفقن فيما بينهن على شن حرب ضدها، حتى يعكرن صفو حياتها، ليدفعها ذلك إلى طلب الطلاق، وإزاء تلك التصرفات السيئة من جانبهن، كانت تقابلها بالحسنة، ولا تخبر والدهن بما يحدث منهن. وتضيف: «لكن بعد فترة من هذا الوضع السيئ من جانبنا، استطاعت بخلقها الطيب وصدرها الرحب التقرب منا، خاصة أنها لا تنجب، وبثت لنا جميع مشاعر الأمومة والخوف علينا، والنصيحة لنا، حتى كبرنا في كنفها، وتزوجنا، وحتى الآن تزورنا باستمرار، وإذا تعرض أي منا لمشكلة، تكون أول من تعلم وتبادر بحلها، وأصبحت بمثابة «أم ثانية لنا جميعاً». الآنسة «بسمة إسماعيل» مدرسة وحاصلة على ماجستير طرق التعليم، تقول : إنها بنت وحيدة لأبيها، وشاءت ظروفها أن تتوفى والدتها، عند بلوغها سن السابعة، وبعدها بفترة طويلة، قرر والدها الزواج بأخرى، كي تقوم برعايتها، وتزوج بالفعل، لكنه واجه هجوماً حاداً من أقاربي، بسبب ما لدينا من موروثات وتقاليد تشير إلى أن تلك الزوجة ستكون سيفاً مسلطاً على رقبتي. وتشير إلى أن الواقع كان غير ذلك تماماً، وأنجب والدي منها بعد فترة أخاً لي، لكن زوجة أبيها لم تفرق بينهما في المعاملة، وتعطف وتحنو عليها أكثر منه، ولم تشعر مرة واحدة بوفاة والدتها. المشكلة الرئيسة التي تواجه زوجة الأب هي نظرة المجتمع التي دائماً تتهمها بالقسوة والعنف في تعاملها مع أبناء زوجها، وتقوم وسائل الإعلام بتضخيم المشكلة وسكب البنزين على النار. فمثلاً يتقبل المجتمع أن تقوم الأم بضرب أبنائها، بغية إصلاحهم، حتى لو كان الضرب مبرحاً، لكن عند قيام زوجة الأب بهذا التصرف، بنية التأديب والإصلاح - حتى وإن كان الضرب خفيفاً جداً - تنهال عليها الاتهامات، ولا يغفر لها أحد هذه الجريمة النكراء!!. صورة غير حقيقية الإعلام أيضاً لا يركز إلا على الصورة السلبية لزوجة الأب، فكل يوم تقريباً تطالعنا الصحف والمجلات أن زوجة قامت بقتل ابن زوجها، أو أنها ضربت ابن زوجها حتى الموت، لكن في الوقت نفسه لا تذكر أي شيء عن زوجات الآباء اللاتي يقمن بدورهن على أكمل وجه، ويستحققن التكريم والإشادة. في ذات الإطار، يؤكد الدكتور محيي الدين عبدالحليم، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أن الإعلام عادة يضخم الأمر ويبالغ كثيرًا عندما يعرض مشاهد سلبية؛ لأن المفروض أن زوجة الأب أم بديلة، سواء الأم التي تُوفيت أو تلك التى انفصلت. فزوجة الأب في هذه الحالة تُمثِّل دور الأم، والذي يحكم أخلاقيات زوجة الأب وسلوكياتها مع الأبناء المنظومة الأخلاقية؛ لأنه لا يمكن أن تكون صالحة ومؤمنة تؤدي فرائض ربها، وتعامل أولاد زوجها معاملةً سيئةً. ويكمل عبدالحليم بقوله: «شاهدنا نماذج كثيرة للأم البديلة التي نجحت في تربية الأبناء بدلاً من الأم الحقيقية؛ لأنها هي التي ربت، لكن للأسف الإعلام يركز على النماذج السلبية؛ لأن فيه مذهبًا في الدراما يسمى الغرابة. لذلك يركزون على السلوكيات الغريبة حتى يلفت انتباه الناس؛ لذلك يقدم لنا صورة غير حقيقية لزوجة الأب كنوعٍ من الغرابة في أنه صنف شاذ، هدمت البيت، وخطفت الرجل من أولاده». بدوره يذكر الأخصائي الاجتماعي الدكتور إلهامي عبدالعزيز أن هناك نماذج واقعيةً أعطت لزوجة الأب الأم المثالية؛ حيث إنها الأم التي قامت بالتربية وليست التي ولدت، وفي هذه الحالةِ تُعامِل زوجة الأب أولاد زوجها كأنهم أولادها، وتدرك أنهم يحتاجون إلى الحب والحنان والتفاهم في إطارٍ من الحزمِ (الثواب والعقاب) وهي من تسمى زوجة الأب الناضجة. أما زوجة الأب التي تعامل أولاد زوجها كأنهم غرباء عنها وكأنها تجني من خلالهم كل الإحباطات التي واجهتها فهذه مرفوضة ومنبوذة وتعطي صورةً سلبيةً عمَّا تراه بمفهوم مرتبط بزوجة الأب. وفي هذه الحالة لا نستطيع إطلاق تعميمٍ عام بأنه ليس كل زوجة أب سيئة، لكن يرتبط ذلك بسمات وخصائص شخصية هذه الزوجة، منها دينها وإدراكها الموقف، وإدراك الأبناء صورتها، وقدرة الأب على المواءمة بين متطلبات الأبناء والزوجية؛ لأن هذه العلاقة بينها وبين أولاد زوجها ومدى تفاعلهم معها. كما أنَّ هناك العديدَ من المتغيرات التي لها تأثير في هذا الجانب إذا كانت تنجب أم لا، بالإضافةِ إلى طبيعة شخصيتها إذا كانت على خلقٍ ودين تكون شخصيةً إيجابيةً وقد يكون ذلك في صالح الأبناء وعكس ذلك تكون شخصيةً سلبيةً. الدقة في الاختيار ويؤكد علماء الاجتماع على ضرورة تحري الأب الدقة في اختيار زوجته الثانية، خاصة مع وجود أبناء له، حتى تحسن معاملتهم، وتفي باحتياجاتهم وتقوم على شئونهم، وعليه أيضاً التقرب من أبنائه وتهيئتهم نفسياً لتقبل الوضع الجديد، وكسر حاجز الخوف والشك من الأم الجديدة. في هذا السياق، تشدد المرشدة النفسية صفاء عبدالرحمن على أن المرأة التي تقبل أن تكون زوجة أب، يجب أن تكون شجاعة، وواعية، وعليها أن تضحي حتى تسعد زوجها وأبناءه، وتبذل الكثير من الجهد لكسب ثقتهم. مؤكدةً أن المطلوب منها أن تعيد التوازن للأسرة التي فقدت مصدر الحنان، حتى تجعلهم يتقبلون وجودها بينهم، ولا شك في أن نجاحها في ذلك، سيحقق لها ولهم السعادة والراحة النفسية. وتضيف: و من حقها أن تفكر في إنجاب طفل ليكون وسيلة لتقوية الروابط بينها وبين أولاد زوجها، كما أن وجود طفل وليد في الأسرة يدخل البهجة على القلوب. كما يجب عليها أن تحرص على أن تبقى علاقتهم موصولة بأمهم سواء كانت متوفاة أو على قيد الحياة، فالأم كائن مقدس كما يجب عليها أيضاً أن تتسم بالصبر على أخطائهم، وأن تجعل من نفسها معلمة ومرشدة نفسية لهم وأكثر تسامحاً وحباً وحزماً أيضاً عند اللزوم كما هي الأم تماماً. ويؤكد علماء الدين أن اختيار الزوجة ذات الدين، يضمن للأب، تجنب الانحرافات التي تنتج عن بعض الزوجات الشاذات، التي نسمع عنها هذه الأيام. فعَن أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ (صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم) قال: ( تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ ) متفق عليه. إن زوجة الأب المؤمنة الحقة التي تخشى الله في كل ما تفعله، يكون لإيمانها آثار إيجابية على حُسن معاملتها أبناء زوجها سواء كانوا بنين أو بنات، وتربيتهم التربية الإسلامية منذ نعومة أظفارهم، وتصل بهم إلى بر النجاة، لتعوض عنهم غياب الأم، الذي ينتج عنه في الغالب مشكلات نفسية للأطفال، المجتمع في غنى عنها!!.