أربعون سنة والأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز يقود سفينة الدبلوماسية السعودية. أمواج عاتية، وعواصف كارثية مرَّت بالبلاد العربية والعالم أجمع. والقرار السعودي فيها منبع الحكمة وصوت الاعتدال. يقود السفينة -حفظه الله- بحكمة الرُّبان الماهر وعقل المفكر الحرّ. لا كلمة نابية، ولا خطاب جامح للمستقبل. قراءة صائبة للأحداث وتصوُّر صادق للنتائج. كثيراً ما تجادلنا وتناقشنا، أصدقائي وأنا، حول معطيات واقعنا الوطني والقومي، وكثيراً ما تحفَّظتُ على أمر أو مسألة أو مشكلة أو حتى معضلة. وأقول دعونا نقرأ ونتأمل ما يصدر عن (السعودية). عايشت بألم وصمت معضلة (نقل مقر الجامعة العربية من مصر) احتجاجاً من العرب كل العرب على زيارة الرئيس أنور السادات إلى إسرائيل ومشكلتنا الأساسية مع هذه (الدولة الغاصبة) مشكلة ما لقيَتْ لها حلاًّ ولا أنصفها العدل البشري. ارتفعت أصوات في أقطار عربية ومنها بلادي السعودية بمقاطعة مصر. وجلجل صوت سعود الفيصل وكأنه يقول: «نحن نحتجُّ على الرئيس أنور السادات ولا نقاطع مصر؛ فمنها يأتي المعلمون والأطباء والمهندسون والعمّال ليشاركونا في عملية البناء والإنماء» وبهذا القول الحكيم يزرع الأمل في قلوب المصريين ويروي شجرة الرحم في نفوس العرب أجمعين. جاءت كارثة (احتلال الكويت) فيهبُّ المسلم الغيور والعربي الأصيل والسعودي الكريم ليصف الكارثة بأنها نتيجة الغرور. والغرور يولِّد الصَلَف. والصَلَف يقود إلى الغزو. تثبُ إلى ذهني وجاهة مقولة طالما ردَّدْتها لنفسي ولأبنائي ولزملائي بأن (النجاح) مطلب نسعى إليه فإذا تحقَّقَ فإنه لا يحميه إلا (التواضع)، وطالما رأيتُ الأمير الجليل سعود الفيصل ناجحاً في تواضع ومتواضعاً في كبرياء. امتطى سعود الفيصل طائرتُه وجنَّدَ معاونيه ومكتبه عشيّة الاحتلال الدنيء لدولة الكويت ولم يهدأ له بال حتى تحرّرت الكويت وعاد إليها أهلها ليستأنفوا عملية البناء الوطني والقومي من أجل نماء الكويت وخير العرب. ولعلَّني أستشهد في هذا الإطار بما كتبه الدبلوماسي الكويتي الأستاذ عبدالله يعقوب بشارة عن ذلك الدبلوماسي المحنَّك الأمير سعود فقال: «جلس الأمير سعود على كرسي لم تهدأ عواصفه ولم تستقر أعمدته، وظلَّ دائم الحراك متوهجاً بالنشاط المتآلف مع التعب» وتحلُّ الكارثة باحتلال الكويت «فلا يضعف جهده، ولا ترهقه التنقلات، ولا تؤذيه صراخات... المخدوعين، وظلَّ متحصناً بدبلوماسية الأخلاق الآسرة، والمفردات النقيّة في علوّ ملوكي. كلُّنا نفتخر بالسجل الناصع الذي شيَّده (هكذا) الأمير سعود، ونشهدُ الآن اللّمعان في دبلوماسية الرياض التي تكتب الآن القرار العربي، وترسم المسار الإقليمي، وتشغل المقعد العالي مع كبار الزعماء، صنَّاع عالم اليوم». ويستطرد الأستاذ بشارة فيقول: «نبعث من الكويت إلى الأمير سعود الفيصل الوفاء المتجدّد الذي ترسَّخ فينا عرفاناً لعمله البطولي الخارق، المنحوت في ذاكرة الكويتيين». (جريدة القبس، تَصدُر يومياً بالكويت، الجمعة 12 رجب 1436ه- 1 مايو 2015م، الصفحة الأخيرة). يقول الأمير سعود عن مواطنيه ووطنه: «لسنا دعاة حرب، ولكن إذا دقَّت طبول الحرب فنحن لها». إنني لا أعجب بالأمير فحسب ولكني أزهو بأنه من أبناء بلادي وأني من أبناء (البلد المقدس) الذي ينتمي إليه سعود الفيصل. ما جلستُ إليه ولكني عشتُ معه. ما تحدّثتُ معه ولكن عباراته ترنُّ في أذني وتدقُّ في عقلي عندما أسمعها أو أقرؤها. صافحته يوماً على عجل في قصر الخليج بالدمام وتبقى تلك اللحظة ناقوساً جميلاً يرنُّ في وجداني. لا نودِّعه فقد أحسن قائدُنا ومليكُنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عندما رفع مقام الأمير سعود الفيصل إلى منصة الإشراف على مسيرة دبلوماسيتنا.. ولا نسمح للأمير بأن يودّعنا لأنه رمزٌ من رموز القيادة والفكر في بلادنا فهو باني وطن.. ووطننا شامخ بتاريخه وانجازاته وطموحاته المستقبلية.