سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دبلوماسية المملكة وصلت إلى الريادة بفضل من الله ثم بفضل القيادة الحكيمة المبدأ الدبلوماسي خيار مقدم للمملكة العربية السعودية في التعامل مع الصراعات الدولية
عبدالعزيز بن ناصر الصويغ - القسم السياسي: إن مكانة المملكة العربية السعودية في المحيط الدولي مكانة رفيعة تستحق الاحترام من بقية الدول ويرجع الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى إلى التعامل السياسي الخارجي من لدن القيادة الحكيمة فهي متميزة بدبلوماسية محنكة استطاعت أن تضع الكثير من الحلول للصراعات التي تشهدها الساحة الدولية؛ فالمملكة العربية السعودية انتهجت النهج الدبلوماسي الحكيم وذلك بأن طبقت تعريف الدبلوماسية و التي تعرف بأنها مجموعة من المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين بهدف خدمة المصالح العليا للدولة, فمنذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله والسياسة الدبلوماسية هي السياسة المطروحة للتعامل الخارجي للمملكة مع الأطراف الخارجية ومن ثم تولى من بعده حكام هذه البلاد على هذا النهج الذي جعل للمملكة مكانتها العالية في العلاقات الدولية وصولاً إلى ما نراه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ينتهج نهج أسلافه بالأخذ بالمبدأ الدبلوماسي في جميع الأزمات والمشكلات التي تعصف بالمنطقة. وقد نجد أن الدول تتبع أشكالا متقاربة في ممارستها المتعلقة بالسلوك الدبلوماسي بعناصره الثلاثة المتعارف عليها، وهي مجموعة قواعد المراسم واللياقة والمجاملة وتعد الضوابط القانونية والتنظيمية المنصوص عليها مثل اتفاقيتي (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية سنة 1961، وللعلاقات القنصلية لعام 1963، هي الحاكمة في جوانب مهمة على صعيد الممارسة فيما يتعلق بقواعد المراسم؛ فالمملكة عملت على هذه القواعد والاتفاقيات المنظمة للعمل الدبلوماسي فكان لها الريادة في هذا المجال. الريادة الدبلوماسية في عهد خادم الحرمين الشريفين: اضطلعت المملكة العربية السعودية وما زالت في التعامل بواقعية وحكمة وعقلانية مع الأحداث وهي تؤمن بأن الحلول السلمية هي الحلول الناجعة والتي تكون الأقرب لإنهاء أي مشكلة طارئة على الصعيد الدولي. يقول الدكتور عبد الله يحيى بخاري عضو مجلس الشورى بشأن ريادة المملكة الدبلوماسية: إن العالم شهد فترة حرجة من تاريخه الطويل وتمر أحداث دقيقة لا تحتمل الخطأ أو سوء التقدير وفي خضم هذه الأحداث الخطيرة المتلاحقة سواء على المستوى العالمي أو المستوى الإسلامي أو الإقليمي العربي والخليجي تقف المملكة العربية السعودية كصرح شامخ رافعة شعار تغليب صوت العقل والحكمة؛ فالحق أن المملكة العربية السعودية اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير نايف بن عبد العزيز تضطلع بمسؤوليات جسام على جميع المستويات وتمسك بخيوط الأحداث على مختلف الأصعدة؛ فالمملكة أولاً وقبل كل شيء هي قلب الإسلام وقلب المسلمين والعالم الإسلامي كله بتعداده الذي يزيد عن مليار وثلاث مئة مسلم منتشرين في جميع قارات العالم , ثم هي قائدة الدول المنتجة والدولة المؤثرة الأولى في منظمة الأوبك كما أنها أكبر دولة خليجية , والمملكة العربية السعودية تعد رائدة العمل العربي وقائدة الدبلوماسية العربية من محيطها إلى خليجها, وقد حازت المملكة في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز على احترام وتبجيل العالم كله وعلى تقدير حكومات وشعوب جميع الدول وذلك بسبب الدبلوماسية المتزنة الوقورة ونتيجة السياسة الواضحة والمبادئ الإنسانية التي التزمت وتميزت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لنشر جناح السلم والسلام ودرء المخاطر عن جميع شعوب العالم , ولم يكن ممكناً أن تحوز المملكة العربية السعودية على ثقة العالم كله، وعلى إعجابه وتقديره , وعلى مكانتها الرائدة على المستوى الدولي إلا عن طريق انتهاج الخط الهادئ المتزن الذي اشتهرت به من دبلوماسية تميل إلى الحوار والتشاور, وتدعو إلى تهدئة الأوضاع المشتعلة والعمل على عدم تفاقمها, وتجنب الصراعات المدمرة على المستويين العالمي والإقليمي. نماذج دبلوماسية مشرقة كانت المملكة العربية السعودية بجهود دبلوماسية مكثفة على مختلف الأصعدة تتبنى قضية فلسطينوالقدس بالتحديد وتعاونت في هذا الشأن مع الدول الإسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 في عام 1980م الذي طالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فوراً وهو القرار الذي أجمعت مختلف الأوساط على اعتباره نصراً للدبلوماسية الإسلامية وإحباطاً لمخطط صهيوني تجاه مدينة القدسالمحتلة. وأكدت المملكة العربية السعودية هذا التوجه لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت في شهر مارس2002م حيث قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تصوراً عملياً للتسوية الشاملة والعادلة في الشرق الأوسط وهو مشروع عرف فيما بعد بمشروع السلام العربي بعد أن تبناه وأقره القادة العرب في تلك القمة حيث أكدت قمة الرياض التي عقدت في مارس 2007م تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام / 2002. وطالبت مبادرة الملك عبدالله للسلام التي تبناها القادة العرب وأضحت / مبادرة السلام العربية / إسرائيل بإعادة النظر في سياساتها وأن تجنح للسلم وتعلن أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي والانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو / حزيران / 1967 والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان. ودعت المبادرة إلى إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدسالشرقية. وفي هذا الخصوص قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الكلمة التي ألقاها حفظه الله في القمة العربية في بيروت عام 2002م « إن العرب عندما قرروا قبول السلام خياراً إستراتيجياً لم يفعلوا ذلك عن عجز مهلك أو ضعف قاتل وإن إسرائيل تسرف في الخطأ إذا تصورت أنها تستطيع أن تفرض سلاماً ظالماً على العرب بقوة السلاح , ولقد دخلنا العملية السلمية بعيون مفتوحة وعقول واعية ولم نقبل أبداً ولا نقبل الآن أن تتحول هذه العملية إلى التزام غير مشروط يفرضه طرف على الآخر «. و لقد تجلت سياسية المملكة في دعوة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الإخوة الأشقاء وعلى شكل نداء إلى الاجتماع في أطهر بقعة على وجه الأرض في مكةالمكرمة، بجوار بيت الله الحرام، وفي الشهر الحرام، على أرض العرب ومهبط الوحي وقبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها , وتوفير الأجواء الأخوية والروحانية للمتحاورين بدون أي تدخل خارجي ليتناقشوا ويتصارحوا بكل حرية لما فيه مصلحة فلسطينالمحتلة. كيف لا يخلص المتحاورون وهم يجتمعون بقصر الصفا وهم يشاهدون الكعبة المشرفة وفلسطين تستنجد بأبنائها وثالث الحرمين وأولى القبلتين تحت الاحتلال الصهيوني والشعب الفلسطيني محاصر في أرضه. لقد أثمر هذا الحوار الفلسطيني عن اجتماع الكلمة للإخوة الأشقاء وتلبية نداء الواجب لإنقاذ الوطن السليب والشعب المحاصر، ووقعوا وثيقة تاريخية بحضور خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله) وبعض من كبار المسئولين السعوديين، ومنهم خبير الدبلوماسية السعودية سمو الأمير سعود الفيصل الذي يعمل بصمت ودون ضجيج كما هو ديدن هذه الدولة والذين يتركون النتائج والأعمال تتحدث دون بهرجة إعلامية ودون التعدي على الآخرين والتدخل في شئونهم. لقد أجمع القادة الفلسطينيون على الدور الرئيسي الذي لعبته المملكة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- لما فيه مصلحة فلسطين والفلسطينيين وبصمت، وهو ما لا يعرفه الجميع؛ بل إن بعض المغرضين والحاقدين لا يحبون أن تعرف شعوبهم أدوار المملكة في هذه القضية المهمة والحساسة للعرب والمسلمين جمعاء. لقد سمع العالم أجمع، ولن أقول العرب والمسلمين فقط، ما ذكره القادة في خطبهم خلال حفل التوقيع حول دور المملكة الدائم للقضية الفلسطينية، ولقد ثمن القادة العرب والدوليون نجاح هذه المبادرة المباركة وتصميم المتحاورين على التنفيذ, ولا أدل على ذلك من الجهد المبذول الذي قام به خادم الحرمين الشريفين، والتوظيف الإستراتيجي المتميز لموقع المملكة ومكانتها نصرة للقضية الفلسطينية في إدارة حكيمة ورؤية ثاقبة للإدارة الواعية لأزمة العدوان الإسرائيلي على غزة الذي بدأ يوم 27 ديسمبر 2008 م. حيث بادر حفظه الله إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي طالبًا وقف العدوان الإسرائيلي على غزة فورًا ودون شروط، ثم كان الجهد الذي بذله سمو وزير خارجية خادم الحرمين الشريفين في عقد المؤتمر الوزاري العربي الذي ترأسه سموه، وصاغ قراراته المتمثلة في الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي، وفتح المعابر، ومنع سياسة الحصار والإغلاق ضد الشعب الفلسطيني، وقادت الدبلوماسية السعودية - بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين - حملة دبلوماسية غير مسبوقة في مجلس الأمن كانت محط أنظار العالم وتقديره، حتى إن وسائل الإعلام العالمية خصصت الصفحات، ودبجت المقالات والتحليلات؛ تقديرًا لذلك الجهد وتثمينًا له. لقد قادت تلك الجهود المخلصة التي تابعها و أشرف عليها بطريقة مباشرة خادم الحرمين الشريفين إلى إصدار مجلس الأمن القرار الدولي رقم 1860 القاضي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها بعد العدوان، وفتح المعابر، وتسهيل وصول المعونات الإنسانية والطبية إلى غزة، والبدء في الحل السياسي وفق الآليات التي نصت عليها المبادرة التي قدمتها جمهورية مصر العربية، وكان الجهد الدبلوماسي لسمو وزير خارجية المملكة محل تقدير و إعجاب المجتمع الدولي؛ لما اتسم به من قوة و صرامة في التمسك بالحقوق والمطالب العربية، ورصانة في الأداء، و إبداع في الأسلوب الدبلوماسي الراقي، ثم كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإطلاق الحملة الشعبية لنصرة ومساعدة أهل غزة، و أخذت المساعدات السعودية تتدفق إلى داخل غزة عبر منفذ رفح البري، والمرضى الفلسطينيون يُنقلون بطائرات الإسعاف الجوي إلى مستشفيات المملكة؛ حيث عادهم خادم الحرمين الشريفين ليضمد بيديه الحانيتين وبأصالته العربية جراح هؤلاء المنكوبين، وكانت كرمة الشعب السعودي التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين بالتبرع السعودي بمليار دولار لإعادة إعمار غزة، ومبادرته الكريمة التي أنقذت مؤتمر القمة العربي في الكويت من الفشل بإعلانه مبادرة المصالحة العربية؛ حفاظًا على حقوق الأمة وتضامنها، متساميًا على الجراح التي أحدثتها بعض المغامرات والمغامرين من الأشقاء العرب. وهكذا عبر القائد السعودي الكبير عن وعي إستراتيجي لأهمية المرحلة وخطورتها، و إدراك حكيم بأهمية القضية الفلسطينية، و أهمية دور المملكة التاريخي في إطار وعي خادم الحرمين الشريفين الإستراتيجي بأهمية المملكة التي تتجلى في حقيقة تاريخية تنبع من النظرة الكلية والشاملة، وفي حقيقة التوظيف الإستراتيجي لموقع المملكة، ليس فحسب على مستوى الماضي، بل الحاضر والمستقبل، وباستقلال مطلق عن عنصر النفط وجودًا وعدمًا. وفي الشأن اليمني قال شيخ مشايخ يافع وعضو مجلس الشورى اليمني: إن ما تحقق في اليمن من استقرار وأمن، لم يكن يتحقق لولا الدعم المنقطع النظير من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإرساء الاستقرار في اليمن ودعم المبادرة الخليجية. مضيفا: إن وقوف الملك عبدالله مع الشعب اليمني أنقذ البلاد من التشتت, مجددا الثقة بجهود المملكة في دعم مسيرة اليمن المقبلة. من جهة أخرى ثمن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي خطاب خادم الحرمين الشريفين المتعلق بالأزمة السورية قائلاً: إن خطاب الملك عبدالله بوصلة طريق للدبلوماسية العربية؛ إذ أن الجامعة العربية مطالبة بعد الآن بالاعتماد على نفسها أكثر من ذي قبل، خصوصا بعد اهتزاز الثقة بالأممالمتحدة، داعيا إلى جهود عربية موحدة في اللقاءات العربية المقبلة، سواء الخليجي أم الوزاري. من جهته، أكد المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة أن كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول سورية، انتصار للشعب السوري، ووقفة حق أثبتت للسوريين أنهم ليسوا لوحدهم أمام آلة القمع الوحشية على يد النظام المجرم. وقال: إن قول الملك إن استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو ضد إدانة نظام الأسد «غير محمود» كلمة لن ينساها السوريون، مشيرا إلى أن المملكة عودتنا على مثل هذه المواقف الصادقة، وإن الشعب السوري بات أكثر ثقة من ذي قبل بعد خطاب الملك, وأوضح أن توصيف الملك بأن ثقة العلم اهتزت بالأممالمتحدة، بعدما جرى من فيتو مزدوج، هو بالضبط ما يشعر به السوريون ودعا الدول العربية الأخرى إلى أن تقتدي بالمملكة سواء في مواقفها السياسية المتمثلة بوقوف الملك إلى جانب الشعب السوري، أو سحب السفير السعودي من دمشق، والطلب من السفير السوري مغادرة أراضي المملكة، مبينا أن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تعجل في إنهاء الأزمة السورية. فيما قال الناطق الرسمي باسم لجان التنسيق المحلية وعضو المجلس الوطني السوري عمر إدلبي: إن المملكة بقيادة خادم الحرمين، ساندت السوريين في ثورتهم من أجل الحرية وكانت مواقفه واضحة وجريئة منذ البداية، لافتا إلى أن هذا الخطاب هو الرد الحقيقي على ما جرى في مجلس الأمن وما يجري الآن في سورية. خادم الحرمين رجل الدبلوماسية الأول: يرى خبراء أمريكيون أن الدبلوماسية السعودية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أسهمت في تعزيز فرص السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وأوضحوا أن المملكة تحتل موقعاً متميزاً في السياسة الخارجية الأمريكية بحكم دورها المركزي في منطقة تحتل بدورها موقعا مميزا أيضا في تلك السياسة. وبالإضافة إلى عنصر العلاقات الخاصة التي ربطت بين البلدين والتي اتسمت باحترام الولاياتالمتحدة لخصوصية وضع المملكة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فإن النظرة الأمريكية إلى السعودية تأثرت دوما بمواقف الرياض, فحين كان السعوديون يتبنون موقفا يختلف مع الموقف الأميركي كانت كافة الأصوات التي تسعى إلى نسف العلاقة تخرج من دائرة الهمس إلى حلبة الصراخ الدائم حول خلاف المملكة مع سياسات واشنطن وكانت تقفز من ذلك قفزة واحدة إلى ضرورة اعتبار السعودية خصما للأمريكيين وأضاف الخبراء أن تلك الأصوات لم تفلح أبدا في الوصول إلى ما كانت تدعو إليه إذ بلغ أفضل ما تحقق لها بعد جهد طويل مجرد توتر في العلاقات ما لبث أن انقشع. ولم يكن ذلك راجعا إلى أي عنصر شخصي يتعلق بهذا الرئيس الأمريكي أو ذاك وإنما كان يتعلق بما للسعودية من وزن يصعب تجاهله وبما لها من دور في محيطها لا يمكن إلغاؤه مهما حاول خصوم المملكة في الولاياتالمتحدة. ولا يزال هذا الشد والجذب قائما حتى الآن لا يرده، إلا الموقف الهادئ للرياض والسياسة المتزنة والبعيدة عن الشعارات والصراخ. وبالتزامن مع احتفالات المملكة باليوم الوطني، يوزع في الأسواق الأمريكية كتاب بعنوان «اللوبي العربي» . وتشير المعلقة الأمريكية روث ويز التي تناولت الكتاب بالعرض إلى أن ما قدمه براد يهدف إلى «تصحيح العرض المنحاز الذي قدمه كل من الأستاذين ستيفن والت وجون ميرشايمر لتأثير اللوبي الإسرائيلي الذي لا يمكنه أن يوازن اللوبي العربي الذي تقوده المملكة في دور صامت وخفي». وليست هذه هي المحاولة الأولى للنيل من وزن السعودية وتأثيرها على الساحة الدولية ولكنها قد تكون أغبى تلك المحاولات على أي حال. وقال الخبراء: إنه وعند الحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية يكون لفظ «اللوبي» مرادفا لقوة واحدة فقط هي اللوبي الإسرائيلي. وليس ثمة عاقل يمكن أن يروج في واشنطن لما تصفه هذه الأصوات عند تحولها من الهمس إلى الصراخ بالتأثيرات السعودية السلبية على المصالح الوطنية الأمريكية. وكان ذلك على وجه الدقة ما أشار إليه باحث أمريكي كبير لم يعرف يوما بميل إلى المجاملة هو آنتوني كوردسمان كبير باحثي شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن الذي عمل لسنوات طويلة في إدارات أمريكية متعاقبة قبل أن يصبح أبرز المحللين الإستراتيجيين الأمريكيين في شؤون المنطقة. فقد قال كوردسمان «للسعودية وزن خاص في الشرق الأوسط بتعريفه الكبير وبوسع البعض محاولة التقليل من شأن تلك الحقيقة ولكن الخطر يأتي إذا ما صدقوا أنفسهم. إن من مصلحة الولاياتالمتحدة العمل على توثيق العلاقة مع المملكة لاسيما أن قادة ذلك البلد عرفوا بالتزام خط لا يهدف إلى الاعتداء على أحد أو إلى نشر عدم الاستقرار. ليس في تاريخ السعودية منذ تأسيسها ما يدل على أنها حبذت سياسة العدوان أو نشر الاضطراب. على العكس تماما فقد كان السعوديون دوما قوة مهمة في كبح جماح القوى التي تسعى إلى عدم الاستقرار وكانوا بصورة فطرية ربما معادين للاعتداء على أي بلد آخر». وأضاف «لم يسمع أحد بأن للملكة أهدافا توسعية, وهي تتحول سواء شئنا أم أبينا إلى قوة عسكرية أساسية يعمل لها حساب في خريطة التوازنات العسكرية بالشرق الأوسط. وبالإمكان بطبيعة الحال أن ندير الظهر لذلك ولكنهم سيجدون مصادر أخرى لدعم قدراتهم الدفاعية إذ إنهم يتبعون خطة إستراتيجية مستقلة لا نملك نحن أو غيرنا التأثير عليها. فضلا عن ذلك فإن لنا مصلحة مشتركة من الوجهة الموضوعية معهم. وليس هناك دليل أقوى على ما تفرضه السعودية على الأمريكيين الذين يفكرون أولا في مصالح بلادهم وعلى أولئك الذين يفكرون أولا في مصالح دولة أخرى خارجية في واشنطن من متابعة ما دار قبل ثلاثة شهور فقط من احتفال المملكة بيومها الوطني أي فيما دار خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين للعاصمة الأمريكيةواشنطن في يونيو الماضي. فقد ارتفع صراخ خصوم المملكة ممن يقدمون مصالح إسرائيل على مصالح بلادهم فيما تابع الآخرون تلك الخطوة المهمة على درب العلاقات بين الدين. ويقول ستيفن والت في ذلك «بذل العاهل السعودي جهدا خاصا لشرح أهمية حل القضية الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني للرئيس باراك أوباما وحثه على بدء تكثيف الجهود للتوصل إلى حل. وليس من قبيل المصادفة أن نشهد انطلاق مفاوضات السلام بعد ذلك في محاولة لإنهاء ذلك الجرح النازف في بدن الشرق الأوسط منذ 60 عاما وتوجيه الجهود إلى التنمية وإلى رفع مستوي معيشة مواطني دول المنطقة بصفة عامة». ويبرهن كل ذلك على المدى الذي بلغته ضراوة أعداء المملكة في الولاياتالمتحدة. إلا أن هذه الضراوة لا تزيد إلا بزيادة وزن السعودية وبرصانة دورها واتزانه ودفاعها عن الحقوق العربية على نحو هادئ لا ينحو تجاه ما فعله آخرون في السابق من زعيق أجوف أفضى إلى هزائم. هكذا تبدو المملكة من بعيد - من الساحة الأمريكية المليئة بالتيارات والعواصف - في يومها الوطني كبقعة راسخة لا تحيد عن خطها الذي وضعه مؤسسها ولا عن سياستها المعلنة. دبلوماسية سعودية تعزز الأخلاق الإسلامية: إن سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تعزيز قيم العدالة وحقوق الشعوب في التحرر من الظلم هي سياسة لا تقوم على ظرف وقتي إنما تقوم على مجموعة مبادئ وقيم إنسانية وأخلاقية مما تكسب معها احترام جميع الشعوب والأسرة الدولية وعلى هذا الأساس ستبقى المملكة في مقدمة الدول التي تناهض الظلم وتراهن على القيم والمبادئ النبيلة في صياغة مجتمع بشري دولي يحتكم إلى مدونة الأممالمتحدة ومبادئها وإلى قيم المملكة الأصيلة المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة الداعية إلى إرساء العدالة لجميع البشر.