أظن البعض حينما يمسك القلم ليكتب مقالا أو يؤلف كتابا، لا يميز بين سلاح المعرفة والفكر والتنوير، وسلاح الحرب والتدمير والقتل، فكلاهما في نظره معول هدم. ولكن في نظري وأظنها في نظرك أنت كذلك، شتان بين معول المعرفة والفكر ومعول الحرب وجبهات القتال، فما يدمره معول الحرب يسهل في غالب الأحيان إصلاحه، ويبقى أثره الأقوى لمن عاصروه، متلاشيا أثره بعد ذلك مع تعاقب الأجيال، أي لا تتحمل الأجيال وزر آبائهم. أما معول الفكر فالأصل فيه حصاد المعرفة، ولكن أي معرفة؟! المعرفة التي لا تقف عند حدودك أنت وحدودي أنا، أي المعرفة التي لا تؤثر في منطقك أنت ومنطقي أنا، المعرفة التي نتشارك في تأويلها دون أن نوصد الباب على من يأتي بعدنا. أي باختصار شديد المعرفة يجب أن تكون عنصر التقاء وتقارب بيني وبينك مهما كان اختلافنا في تأويلها، حينها تكون المعرفة قوة. دون ذلك سترانا نستخدم معول «الحرب» ظنا منا أننا نحمي المعرفة، لذا ترى البعض ممن امتهن الثقافة لا يتوانى في تعبئة جميع مفردات الحرب، التي لا تمت لمفردات المعرفة الحقيقية بأي صلة، ويخوض حربه على كافة الجبهات، وليس له هدف غير أن يسقط خصمه، إنها المعرفة التي لا تتسع إلا له هو..!، إنه السجال العقيم، بل هو مكمن الخطر الحقيقي على القيمة الحقيقية للمعرفة، لأنه يدع التنافس في ميدان الفكر والبحث عن المعرفة إلى ميدان وأد المعرفة في المهد من خلال إسقاط محورها المتمثل في الإنسان، هل عقل صاحبنا حجم فعلته هذه. إنه الهدر كما سماه الدكتور مصطفى حجازي، هدر الإنسان للإنسان. ليس هناك مقولة أو عبارة أو قصيدة وجدتها تلامس حال العربي اليوم، بعفوية دون مبالغات الشعراء، كقصيدة الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي «بكائية إلى شمس حزيران»، حاولت حقيقة أن لا أذكرها، ولكن بدا شبحها يطاردني، ومع هذا لن أذكر أبياتها، لأدع للقارئ الحرية ولو لمرة واحدة دون أن افرض عليه ما يقرأ، فليبحث عنها ان شاء قرأها وان شاء تركها. لا أريد أن أقول: سأشعل في داخل شمعة للخريف وعيدا صغيرا على دربه كما فعل أستاذنا محمد العلي في قصيدته التشاؤمية، أريد أن أكون متفائلا أو أتصنع التفاؤل، متمثلا بكلمة المسرحي السوري سعد الله ونوس «نحن محكومون بالأمل». ولكن حينما أقرأ لمن يحمل معول الهدم، أراجع كل قواميس اللغة العربية «لأشعل شمعة الخريف» في كل مفردة تحمل الأمل والتفاؤل في معناها..! لا أريد أن أكون متشائما، أريد أن أكون موضوعيا، ولكنني كمن «ينهى عن خلق ويأتي بمثله»، ألم أقل إن المعرفة لا تقف عند حدي أنا، فلماذا سرعان ما تراجعت عن كلمتي ونظرت للحقيقة من زاويتي، دون أن أدع للقارئ أن يستنتج ما يريده هو. بالله عليك قل الآن وليس غدا فلا مجال لتسويف وإضاعة الوقت أكثر مما ضاع: هل هذا يحمي المعرفة؟ لو كان الإمام محمد بن إدريس الشافعي بيننا اليوم لرثى مقولته «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب». هل أنت مع هذه المقولة حدد موقفك الآن منها. كاتب وإعلامي