قبل أسبوع زرت مجموعة من الأصدقاء الإعلاميين والصحفيين في بيروت، تخللها مشاركة شعرية في دار الندوة الثقافية ومقابلة الصديق والأديب معن بشور، إلا أن الزيارة من أهم أهدافها لقائي بمدير مكتبة بيسان اللبنانية أ. عيسى أحوش، وتنسيق طباعة كتابي "قراءة هادئة في فكر الفيلسوف عبدالرحمن بدوي"، تلك المكتبة العريقة والتي تضم كثيرا من الكتب النفيسة، كما سعدت من خلال زيارتي لها بالتعرف على عجل بنخبة من المفكرين والشعراء، فغالبا ما تكون دور النشر محطة تجتمع حولها النخب والقراء وعشاق الكتاب، ولعل منهم شابا في الأربعين قص لي عشقه للكتاب بقصة أرسلها لزوجته التي تغار من الكتاب مسّ معنى قول الشاعر: تغار من الكتاب إذا رأتني أطالعه وأترك مقلتيها وقد ظفر الكتاب بكل وقتي لذلك كان إحدى ذرتيها فتاريخ بيروت تحديدا مع الكتاب حكاية صداقة؛ كونها عاصمة الدلال، فعصر الكتاب المدلل حين يذكر، ففي القمة بيروت حين قالوا: "بيروت تطبع والقاهرة تكتب والعراق يقرأ"، إلى جريان الزمن وطغيان المادة، وتسارع العولمة صار "الجميع يطبع ولا أحد يقرأ"، ولعل هذه العبارة وصف ربما للحال، إلا أن الظروف تغيرت قليلا في الآونة الأخيرة، فأغلب الكتاب العرب المبدعين كانوا مصريين، مثل الرافعي، والمنفلوطي، ونجيب محفوظ وطه حسين وغيرهم، وأما لبنان فهي أكثر الدول نشرا للكتب؛ لأنها لا تتحكم بالنشر ولا تقيده بكثرة الرقابة التي تمنع الأعمال العربية من أن تنشر من بلاد كتابها، وأما العراق فهي بسبب أن أغلب قراء هذه الكتب العربية وأكثر من اهتموا بها كانوا عراقيين، إلا أني أقول إن بيروت ستظل مدينة الكتاب، والفضاء المفتوح للنقاش، والمدينة التي تشم فيها رائحة الأرز والورق، ويسفر فيها الجمال والدلال بكل صوره، بل يرتبط اسمها ووجودها وهويتها بالكتاب لا بالدولار، فالسر وراء هذا العشق للحبر والورق والثقافة هو ربما في التنوع الثقافي والديني من جهة، وفي رعاية المثقفين وصناع القلم للكتاب وأهمية نشره ودعم الوزارات المهتمة به وعلى رأسها عنايتهم بالتوجهات الفكرية الحديثة، وعلى رأسها الحداثة وثقافات ما بعد العولمة، فقصة الكتاب هي من ورثت هذا الشعب حب الوطن والصبر على آلامه والتعايش في تنوعه، ولقد سطر حرف شعري لها قصيدة طويلة منها قلت: قلبي وقلبك يا لبنان نبض صدى للحبِّ يشدو بهِ عرقٌ وشريانُ فمن سمائِكَ روحُ الأنبياءِ عَلَتْ وعانقَ الكونَ إنجيلٌ وقرآنُ كلّ البلاد إذا ما مَسَّها أَلَمٌ تشقى ووحدكَ بالآلامِ تزدانُ من هنا فاليوم العالمي للكتاب هل هو ما زال عالميا فعلا؟ هل ما زال للكتاب بريق ووهج؟ هل ما زالت المصالحة مع العلم والفكر باقية خاصة في عصر المادة والعولمة والمصلحة؟ ولكم توقفت وأعجبت بمقالة الدكتور أحمد سماحة في الأسبوع الفائت: "اليوم العالمي للكتاب وقفة"، فعرفت أن توقفه ووقوفه كان بعد سنوات وخطوات وخبرات في مضامين الكتاب ويومه العالمي الذي أصبح يمر ولا يعلم به إلا المثقفون ربما، بل إن الزهد لم يجعله عرضة للسرقة!. وإن الدور الأهم اليوم في ظل التقنيات الحديثة أن تتجه وزارات العلم والثقافة والإعلام إلى تطوير أساليب التشويق للقراءة وكيفية التعامل مع الكتاب كصديق يؤنس في السيارة والبيت والمكتب ومحطات الانتظار، وإنها لوقفة مهمة أن يعاد النظر في المكتبات العامة وخاصة "مكتبة الأحساء العامة" التي تحتضن النادي الأدبي، فالأمر يتجاوز حدود الاهتمام بالكتاب والاهتمام بالنشر وحماية حقوق المؤلف إلى تبني مشاريع تقودها الجامعات والمدارس، ورواد الفكر والثقافة، ولكم تعجبني المبادرة الشبابية لنادي "نوافذ للقراءة"، والتي أعطت معنى جديدا للتحفيز نحو الصداقة مع الكتاب واقتناص فوائده، وتحية للطاقات الشابة في مملكتنا الغالية في شحن ما بقي من الطاقات التي أصبحت في أسر تقنية الآيفون وشبكات التواصل، وإن المنتظر أن نرى تبني شوارع ومقاهي للقراء وجمهور الكتاب ومحبي العلم لتكون عاصفة ثقافية جديدة لعشق الورق والكتاب. * الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل