لفتت ظاهرة الطفل الموهوب نظر كثير من المفكرين والمربين منذ أقدم العصور، وقد حاول بعضهم أن يقدم تفسيرات شتى لهذه الظاهرة، واستُخدمت في وصفها مصطلحات عدة كالعبقرية والنبوغ والإبداع. ويرى البعض أن الموهوب يختلف عن المبدع، فالموهوب هو الذي يملك قدرة عقلية عالية، أما المبدع فيتسم بالإنجاز الجديد الأصيل. إن الأطفال الموهوبين ذخيرة يجب أن تُصان ولا تبدد، فهم القوة التي تدفع البشرية إلى الأمام، وهم القلم الذي يكتب التاريخ، وهم وديعة الوطن وثروته، ومن هنا تمثل رعاية الموهوبين الأساس ونقطة الانطلاق. وينظر علماء النفس أثناء تعاملهم مع الموهوبين إلى المستقبل، في حين ينظرون إلى الماضي أثناء تعاملهم مع المبدعين. ومن المهم معرفة أن الأطفال الموهوبين، بالإضافة إلى احتياجاتهم الأساسية كأطفال، إلا أنهم يعتبرون أطفالاً ذوي احتياجات خاصة، لأنهم يحتاجون إلي دعم إضافي، حتى تنمو مواهبهم إلى أقصى حد. وفي عديد من الدول في العالم، تم توجيه عناية أكبر بهؤلاء الأطفال. وهنالك عدد من الصفات النفسية الإيجابية والسلبية التي يشترك فيها الموهوبون، فمن الصفات الإيجابية: المهارة في التعبير عن الأفكار والمشاعر، وطرح القصص والأحداث بوضوح مع استطاعة وضع نهايات منطقية للقصص، والإنجاز السريع لما يطلب منه من أعمال، وحب التعلم والاستكشاف، والسعي دائمًا وراء المعلومات، ودقة ملاحظة ما يدور حوله، واكتساب الخبرات من هذه الملاحظات، والقيام باستمرار بتقسيم، وترتيب، وتنظيم الأشياء وتسميتها، والمهارات الاجتماعية المتميزة، والحساسية تجاه احترام مشاعر الآخرين، واحترام حقوقهم، والقدرة الفائقة على استخدام مهارات القراءة. أما الخصائص النفسية السلبية فمنها: السعي بإصرار للتحكم في النقاشات التي يشترك فيها، وقلة الصبر أحيانًا في الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عمل أنشطته، وإمكانية التهور بذكر ملاحظات كبيرة غير قائمة على أساس سليم من المعلومات والخبرة، واحتمال تفضيل القراءة على حساب الأنشطة الاجتماعية الأخرى، والتفاعل مع الآخرين، ومعارضة أو تجاوز النظم والقواعد والتعليمات أو المعايير، والمعاناة من الاحباطات، أو تجاوزه في ممارسة الحياة اليومية، واحتمال الاندماج لفترات طويلة في أحلام اليقظة، وإمكانية الشطط والخروج عن الموضوع أثناء المناقشة، والشعور بالملل بسبب التكرار والإطالة في شرح قواعد أو بديهيات أو مفاهيم، ومقاومة الالتزام بجدول أو نظام قائم على الوقت، وسرعة فقد الاهتمام بالأشياء أو الهوايات، والاندماج في أنشطة حركية زائدة، والإحساس بالغرور أحياناً. ويعاني الأطفال الموهوبون من اضطراب النوم والقلق. وهو ما يجعل هؤلاء الأطفال يدركون عدم الانضباط أو الخلل الاجتماعي حولهم، وكأن هناك شيئًا خاطئًا بالنسبة لهم خصوصًا عندما يلاحظون أن الأطفال متوسطي الموهبة والذكاء محبوبون بين زملائهم في الفصول الدراسية، بينما يجدون صعوبة في التوافق مع أقرانهم. وهناك فرق واسع بين أن نحكم على أطفالنا ونصنفهم لموهوب وغير موهوب، وأن نتناول الخصائص المميزة كبوصلة تدل على المساحات التي يجب الاهتمام بها، ونتجه فورًا للبحث عن الوسائل التي تكفل التنمية لأقصى حيز ممكن، ولا يعنينا فقط عملية التصنيف التي كثيرًا ما تكون جائرة وغير سليمة. وينبغي الإشارة إلى أن الموهوبين والمؤثرين في الحياة والمجتمع ليس بالضرورة هم الأذكى أو الأعلى في العلامات المدرسية. صحيح أن التفوق الدراسي هو عامل مهم في التفوق الحياتي، لكنه ليس الوحيد، إن المؤثرين في الغالب هم الذين يمتلكون مهارات اجتماعية في التعامل وبناء العلاقات، وحسن استثمار ما لديهم من قدرات، وما يستطيعون بذله من جهد.